في الوقت الذي تم فيه الإعلان عن الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها 12 ديسمبر المقبل، عادت "قوارب الموت" خلال هذه الفترة بقوة نحو القارة العجوز فمن أقصى غرب الساحل الجزائري إلى شرقها، تحولت السواحل الجزائرية منذ بداية الشهر الماضي إلى نقطة انطلاق العشرات من رحلات الموت على متن زوارق بحرية أصبحت ترعب قلوب الأمهات وتصنع المآسي وسط العائلات. المفارقة أن رغم تصدر الشباب لمشهد الحراك في المظاهرات التي تقام كل يوم جمعة منذ بداية الاحتجاجات الشعبية في 22 فبراير الماضي والتي أطاحت بالرئيس عبدالعزيز بوتفليقة إلا أن الكثيرين منهم ينظرون إلى مستقبل البلاد نظرة تشاؤم واختاروا لأنفسهم رحلة في مياه البحر الأبيض المتوسط كثيراً ما تنتهي بالمآسي.وعادت ظاهرة «السفر عبر زوارق الموت» بقوة خلال الآونة الأخيرة، ولقي العشرات حتفهم غرقاً منذ بداية شهر سبتمبر الماضي، ولا يكاد يمر يوم من دون أن تنشر أخبار عن اعتراض زوارق بحرية محمّلة بالشباب، بعضهم حققوا حلمهم في بلوغ الأراضي الأوروبية، والبعض الآخر صادفتهم رياح تجري بما لا تشتهيه أحلامهم.وتداول نُشطاء على منصات التواصل الاجتماعي أخيراً، فيديو أليماً يُوثق لحظات مُؤثرة عن طلب مهاجرين، يد المساعدة بعد تحطم قاربهم المطاطي في عرض البحر. ويظهر الفيديو الذي انتشر كالنار في الهشيم، صُراخ أحد الشباب وهو يُحادث أحد الأشخاص الغارقين في عرض البحر: «انتظر قليلاً إنهم قادمون (في إشارة منه إلى فرق الإنقاذ)، أنا لا يمكنني حملكم جميعاً لأننا سنموت جميعاً»، قبل أن «يعدهم سنعود ونأخذك».وعبر جزائريون على مواقع التواصل الاجتماعي، عن سخطهم وحزنهم من عودة ظاهرة الهجرة غير الشرعية بشكل كبير في وقت تبقى السلطات المعنية عاجزة عن وضع حد لها رغم الإجراءات الأمنية الهائلة التي سخرتها السلطات المعنية على السواحل الجزائرية. وكشفت وزارة الدفاع الأحد الماضي، في بيان أن وحدات للبحث والإنقاذ تابعة للقوات البحرية الجزائرية تمكنت خلال عمليتين منفصلتين من إنقاذ 35 مهاجراً إثر غرق القوارب التي كانت تقلهم قبالة سواحل كل من بومرداس ووهران. وأحبطت وحدات أخرى محاولات هجرة غير شرعية ل 89 شخصا كانوا على متن قوارب تقليدية الصنع في ثلاث ولايات. إصرار على المغامرة ويرى أغلب الشباب الحالمين في بلوغ الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط أنهم «مستعدون للخوض في مغامرة الوصول إلى الضفة الأخرى، لاسيما أولئك الذين يجربون حظهم بالطرق الرسمية من خلال تقديم طلب تأشيرة ويتم رفضها ما يزيد في نفسه إصراراً على ركوب مثل تلك القوارب، إذ نقلت تقارير إعلامية جزائرية عن أحد الشباب قائلاً: لن أبقى هنا دقيقة واحدة، لا أمل في تغيير حال البلاد إلى الأفضل، هي مجرد 13 مليون سنتيم و22 ساعة من الإبحار فقط» في إشارة منه إلى تكلفة الإبحار بالقارب والمدة المستغرقة. بالمقابل، يتصدر الشباب المظاهرات الأسبوعية التي تنظم كل يوم جمعة منذ بداية الحراك الشعبي مؤكدين إصرارهم على الاستمرار في التظاهر إلى حين تحقيق كل المطالب الشعبية وتأسيس جمهورية جزائرية ثانية بعيدة عن رموز نظام بوتفليقة.أوقف عناصر حرس السواحل التابعة للواجهة البحرية الشرقية بالناحية العسكرية الخامسة أخيراً 14 مهاجراً في عرض البحر بمدينة عنابة، بينهم امرأة حامل عمرها 32 سنة، حيث تمت معاينتهم وتقديم الإسعافات الضرورية لهم. وأفادت مصادر أن حرس السواحل أوقفوا هؤلاء المهاجرين الذين تتراوح أعمارهم بين 19 سنة و37 سنة، بينهم امرأة حامل في شهرها التاسع. مرسوم رئاسي لإعادتهم إلى الجزائر وقد أصدرت الحكومة الإيطالية، مساء أول أمس، مرسوما لتسريع عمليات إعادة المهاجرين غير النظاميين، يشمل الجزائر و 12 دولة أخرى ويقلص الوقت المطلوب للإجراءات في هذا المجال إلى النصف، حسبما نقلته وكالة "آكي".وقال وزير العدل الإيطالي، ألفونسو بونافيدي، خلال مؤتمر صحفي عقده أول امس مع وزير الخارجية الإيطالي، لويجي دي مايو،: "بموجب هذا المرسوم الذي يوفر قائمة بالبلدان الآمنة لعمليات إعادة المهاجرين إلى أوطانهم، ينخفض الوقت اللازم لدراسة طلبات الحماية الدولية في المحاكم إلى النصف".من جانبه، أكد دي مايو أن هناك 13 دولة مدرجة في المرسوم الحكومي الجديد، الذي تختصر فيه إجراءات إعادة المهاجرين إلى أوطانهم. وذكر دي مايو خلال المؤتمر الصحفي أن "هذه البلدان تشمل كلا من ألبانيا، والجزائر، والبوسنة والهرسك، والرأس الأخضر، وكوسوفو، وغانا، ومقدونيا الشمالية، والمغرب، والجبل الأسود، والسنغال، وصربيا، وتونس، وأوكرانيا". وقال وزير الخارجية الإيطالي إن الأمر يتعلق بمرسوم يهتم بالأفعال لا الأقوال، وأوضح أن "المرسوم الذي يقصر إجراءات الإعادة إلى الوطن بالنسبة لسلسلة من البلدان الآمنة، من عامين إلى نحو أربعة أشهر، يعد بمثابة خطوة أولى". وأشار دي مايو إلى أن "من إجمالي المهاجرين ال7087 الوافدين إلى إيطاليا حتى 27 سبتمبر المنصرم، ينتمي أكثر من الثلث إلى إحدى الدول" المشار إليها أعلاه، مبينا: "بالنسبة للعديد من هؤلاء الأشخاص، علينا الانتظار لمدة عامين، وهذا ما أدى الى تعطيل آليات الإعادة".وأضاف أن هذا المرسوم "يأتي ثمرة لجهود جماعية قامت بها كل من وزارات الداخلية، العدل والخارجية"، لافتا إلى أنه "يمكن دائما تحديث قائمة البلدان هذه".