لقد مضت سنة الله تعالى في الناس أن يكون أهل الهداية قلة وأهل الضلالة كثرة، قال الله تعالى: /وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ/ /يوسف: 103/، وقال: /وَإن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ/ /الأنعام: 116/، وقال: /اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ/ /سبأ: 13/، فمن تاب وأناب إلى الله فإن الله قد تاب عليه ووفقه لأن لا يكون من الهالكين، فالتوفيق للتوبة ليس بالأمر السهل الهين، فإن أكثر من في الأرض حقت عليهم كلمات العذاب، والتفكر في هذه الحقيقة الإلهية وتتبع شواهدها في التاريخ والواقع من أعظم الحوافز التي تدعو إلى التمسك بالهداية، والتشبث بأسبابها، والحذر من عوامل سلبها، فالذي يعلم أنه بالتوبة الأولى قد التحق بالموكب الكريم من المؤمنين الصالحين، وانتمى إلى الصفوة المختارة من عباد الله يتقدمهم الأنبياء والمرسلون: يعمل أقصى جهده ليتبوأ أفضل مقعد في هذا الموكب، ويأخذ أحسن موقع في هذا الصف، ولا يزال يجاهد نفسه ويحملها على الأحسن والأصوب، وحتى يدرك من المراتب ما لا يشاركه فيه إلا القليل من الناس. وأي شيء يهدده في هذه النعمة ويحرمه من هذه المعية الطيبة وهذا الجوار المقدس: يبعد عنه ويحذر منه. هذا الشعور بالاصطفاء الذي يبدأ في القلب عقب التوبة الأولى، ويزداد ويعظم بالتوبة الثانية: هو الذي يهون على النفس سائر المعاصي مهما تكن جاذبيتها؛ لأنه عندما يضع تلك اللذات في كفة، ويضع هذا الاصطفاء في كفة، ويكون ذا عقل ورأي: لا يرجح إلا الثاني، ولا يأنس إلا به، وكيف لا يأنس وقد وجد الطريق ووجد الرفيق؟ !.