هذا العنوان السافر الذي يستدعي إلى الذاكرة "بروتوكولات حكماء صهيون" كان العنوان الترويجي للفيلم الوثائقي "الهوس: حرب الإسلام الراديكالي على الغرب" (Obsession: Radical Islam's War Against the West) والذي أنتج عام 6200 من قبل مؤسسة كلاريون (Calrion Fund).إن الملفت للنظر في مسألة هذا الفيلم ليس فقط العنوان الترويجي السافر أعلاه ولكن حقيقة أن القائمين على هذا الفيلم قاموا في عام 2008 بتوزيع 28 مليون نسخة D.V.D مجانية من الفيلم عن طريق أكثر من 70 صحيفة في الولاياتالمتحدة بما فيها النيويورك تايمز. في الوقت الذي وصف مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية وبعض المؤسسات والصحف الأمريكية وحتى اليهودية منها في الولاياتالمتحدة (مثل ذا جويش ويك) وصفوا الفيلم بأنه يؤجج للإسلاموفوبيا "رهاب الإسلام" ويعطي انطباعاً عن الدين الإسلامي بأنه دين عنف وأن الفيلم يزيد من حدة الكراهية تجاه الإسلام.الفيلم يعتمد على الكثير من اللقطات المختزلة المأخوذة من القنوات العربية والإيرانية و يبني قضيته على أساس مقارنة خطر "الإسلام الراديكالي" بخطر النازية قبل الحرب العالمية الثانية بكل ما للنازية من انطباعات سيئة تاريخياً وثقافياً في الغرب. ورغم أن الفيلم يصرح في البداية أن القضية التي يطرحها لا علاقة لها بالدين الإسلامي أو المسلمين إلا أن عدم الموضوعية تتجلى في محتواه و على رأسها اختيار الشخصيات التي تحدثت في الفيلم والتي لا يوجد بينها محلل سياسي أو أستاذ جامعة محترم ذو سمعة مشهود لها بالحيادية وما يزيد الطين بله وجود متحدثين عرب في الفيلم من أمثال نوني درويش المصرية التي هاجرت للولايات المتحدة وتحولت للمسيحية وتبنت خطابا هجوميا ضد الثقافة العربية الإسلامية. مثال آخر كان وليد شويبات الفلسطيني المولود لأم أمريكية والذي يصف نفسه بأنه "إرهابي سابق تابع لمنظمة التحرير" (Former PLO Terrorist) ولديه مؤسسة باسمه (Walid Shoebat Foundation) ويدعو فيها لمحاربة اللاسامية والإسلام الراديكالي كما أنه من مناصري إسرائيل. وإذا كان مثل هذا التواجد العربي في الفيلم لذر الرماد في العيون فإن هجوم هؤلاء العرب على ما يسمى الإسلام الراديكالي كان أعنف من هجوم العديد من الأمريكيين المعروفين بعدائهم للإسلام من أمثال الكاتب الأمريكي المعروف دانيال بايبس (Daniel Pipes) الذي كان له تواجد بالفيلم أيضاً.هذا الفيلم الذي يصب في خانة بروباجندا الكراهية الموجهة ضد الإسلام وعلى رأسها المملكة العربية السعودية هو من إنتاج صندوق كلاريون وهي مؤسسة غير ربحية مقرها مدينة نيويورك هدفها بحسب موقعها الإلكتروني هو "تعليم الأمريكيين بخصوص قضايا الأمن القومي" وبالأخص الخطر الفوري للإسلام الراديكالي. هذا الخطر يبدو أنه استحوذ على جل اهتمام هذه المؤسسة فهي أنتجت ثلاثة أفلام وثائقية كان آخرها فيلم بعنوان "الجهاد الثالث: رؤية الإسلام الراديكالي تجاه الولاياتالمتحدة". "صندوق كلاريون" قام بتأسيسه رفائيل شور وهو إسرائيلي- كندي وعضو في منظمة عيش هاتوراة الإسرائيلية التي لها العديد من المشاريع المشابهة والتي تنضوي تحت مؤسسات إعلامية وثقافية لها أغراض سياسية في مهاجمة العرب والمسلمين رغم ما تعلنه هذه المؤسسات من حيادية! (انظر مقالة سعود كابلي: كيف تحارب إسرائيل من منزلك؟ "الوطن" عدد 3061 في 15 فبراير 2009).إن ما يهم النظر إليه من كل هذا اللغط هو كيفية عمل الماكينة الإسرائيلية في حربها الإعلامية ضد العرب والمسلمين. فبعيداً عن نظريات المؤامرة ونظريات جبروت اللوبي الصهيوني فإن ما تظهره هذه المسألة هو كيف ينجح الإسرائيليون في العمل تحت الأنظار وتحقيق أهدافهم عن طريق العمل الدؤوب والصغير الذي لا ترصده آلاتنا السياسية. هذا الفيلم لم يكلف سوى 400 ألف دولار فقط وهو مبلغ زهيد بإمكان رجل أعمال عربي بمفرده أن يوفره ولكن في المقابل فإن إنتاج مثل هذا الفيلم وتوزيع 28 مليون نسخة منه على المواطنين الأمريكيين مجاناً كفيل بتحقيق الكثير من أهداف السياسة الإسرائيلية والتي لا تستطيع مئات الملايين من الدولارات تحقيقها في برامجنا السياسية نحو الغرب. هكذا يعمل الإسرائيليون بكل هدوء وأناة في التأثير على الرأي العام العالمي بينما نغرق نحن في سباتنا العميق دون أن نتنبه. إنه لأمر مخجل .. قد يقال الكثير في تحليل هذه المسألة ولكن السؤال إلى القارئ الكريم هو: ما هي الدروس المستفادة من هذه القصة؟ *نقلا عن جريدة "الوطن" السعودية