إنه متى أخلص العبد لمولاه في عمله وُفق للصواب، ودخله الأنس، وأُعطي الذخائر، وبورك له في العمل، قال مكحول: ما أخلص عبد قط أربعين يوماً إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه. وحين قيل لحمدون القصار: ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا؟ قال: لأنهم تكلموا لعز الإسلام، ونجاة النفوس، ورضا الرحمن، ونحن نتكلم لعز النفوس، وطلب الدنيا، ورضا الخلق. وقال ابن القيم: ترك الشهوات لله، وإن أنجى من عذاب الله، وأوجب الفوز برحمته، فذخائر الله، وكنوز البر، ولذة الأنس والشوق إليه، والفرح والابتهاج به لا تحصل في قلبٍ فيه غيرُه، وإن كان من أهل العبادة والزهد والعلم؛ فإن الله سبحانه أبى أن يجعل ذخائره في قلب فيه سواه، وهمته متعلقة بغيره.ولكن لا بد لمن أراد نيل العطايا وتحصيل الهبات أن يتأكد فعلاً من تحقيقه للإخلاص. قال ابن تيمية: يذكر أن بعض الناس بلغه أنه من أخلص لله أربعين صباحاً تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه، فأخلص في ظنه أربعين صباحاً لينال الحكمة، فلم ينلها، فشكى ذلك إلى بعض حكماء الدين، فقال: إنك لم تخلص لله سبحانه، وإنما أخلصت للحكمة. يعني: أن الإخلاص لله سبحانه وتعالى إرادة وجهه، فإذا حصل ذلك حصلت الحكمة تبعاً، فإذا كانت الحكمة هي المقصود ابتداء لم يقع الإخلاص لله سبحانه، وإنما وقع ما يظن أنه إخلاص لله سبحانه.