إن مما يؤسف له أشد الأسف انصراف الشباب وإعراضهم عن الزواج إعراضا تاما، ظنا منهم أن حياة العزوبة ألذ وأهنأ وأهون حملا وأخف كلفة من الزواج مع أنهم مخطئون في عملهم شاذون في رأيهم ضالون عن طريق الحق تائهون عن جادة الصواب، لأن التزوج سنة المرسلين، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في شأن الزواج: (فمن رغب عن سنتي فليس مني). وكان صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة وينهى عن التبتل نهيا شديدا، وروي عنه: (لا صرورة في الإسلام). والصرورة الذي لم يتزوج. وقال الإمام أحمد: ليس العزوبة من أمر الإسلام في شيء. وقال: من دعاك إلى غير التزوج فقد دعاك إلى غير الإسلام. وقال ابن عباس لرجل تزوج: فإن خير هذه الأمة أكثرها نساءً، ولو لم يكن في الحث على الزواج والنهي عن العزبة إلا قوله تعالى: (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية) لكفى وشفى. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من تزوج فقد استكمل نصف دينه، فليتق الله في النصف الباقي) رواه الطبراني، وقال صلى الله عليه وسلم: (من أحب فطرتي فليستن بسنتي، ومن سنتي النكاح) وقالَ صلى الله عليه وسلم: (أيُّما رجل تزوج في حداثة سنه عَجّ شيطانه: يا ويله عُصم دينُه). ومعنى عجَّ أي رفع صوته. وقال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة حقٌ على الله عونهم المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف). رواه الترمذي، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاة والسَّلام: (ما استفاد المُؤْمِن بعد تقوى الله عَزَّ وَجَلَّ خيرًا له من زوجة صَالِحَة إن أمرها أطاعته وإن نظر إليها سرته وإن أقسم عَلَيْهَا برته وإن غاب عَنْهَا نصحته في نفسها وماله) رواه ابن ماجة. وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: لو لم يبق من عمري إِلا عشرة أيام أحببت أن أتزوج، حتى لا ألقى الله عزبًا. وتزوج الإمام أحمد رحمه الله في اليوم الثاني من وفاة امرأته وقال: أكره أن أبيت عزبًا. وقال صلى الله عليه وسلم لعكّاف بن وداعة الهلالي: (يا عكَّاف؛ هل لك من زوجة؟) قال: لا، قال: (ولا جارية؟) قال: ولا جارية، قال: (وأنت مُوسِرٌ بخير؟) قال: وأنا مُوسِرٌ بخير، قال: (أنت إذا من إخوان الشياطين، ولو كنت في النصارى كنت من رُهبانهم، إن سُنتنا النكاح، شراركم عُزَّابُكُمْ، وَأَرَاذِلُ موتاكم عُزَّابُكم، أَبِالشيطان تَمَرَّسُونَ؟ ما للشيطان من سلاحٍ أبلَغُ في الصالحين من النساء إِلا المتَزوِّجون، أولئك المطَهَّرون المُبَرَّءُونَ من الخَنَا، وَيْحكَ يا عكاف؛ إِنهن صَوَاحِبُ أيوبَ وداوُدَ ويوسُفَ وكُرْسُف) فقال له بِشْرُ بن عطية: ومن كُرْسُف يا رسول الله؟ قال: (رجل كان يعْبدُ الله بساحلٍ من سواحِلِ البحرِ ثلاث مِائةِ عامٍ، يصوم النهار ويقوم الليل، ثم إنهُ كفر باللهِ العظِيمِ فِي سببِ امرأة عشِقها وترك ما كان عليه من عبادة الله عز وجل، ثم استدرَكَهُ الله ببعض ما كان منه فتاب عليه، ويحك يا عكَّاف؛ تزوج وإِلا فأنت من المُذَبْذَبِينَ) قال: زوجني يا رسول الله؛ قال: (قد زوَّجتُك كريمة بِنْتَ كلثُوم الحِمْيَرِي) رواه أحمد.