مما لا شك فيه أن الإنسان قد يكون له أو عليه حقوق وأمانات وودائع للآخرين، وبما أن الموت يأتي بغتة فقد أرشدنا ديننا الإسلامي إلى المبادرة بالوصية، وخاصة إذا كان لنا أو علينا حقوقاً للآخرين، قال الله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ) (البقرة: 180)، وفي الحديث المتفق عليه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده) قال ابن عمر راوي الحديث: ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي. وقال الشافعي: معناه ما الحزم والاحتياط للمسلم إلا أن تكون وصيته مكتوبة عنده إذا كان له شيء يريد أن يوصي فيه؛ لأنه لا يدري متى تأتيه منيته فتحول بينه وبين ما يريد من ذلك. وانطلاقا من هذه الآية والحديث والأقوال يمكن أن ننبه على عدة أمور تتعلّ بالوصية. فأولا: أنه يجب كتابة الوصية أخذاً بظاهر الحديث واستناداً إلى الآية السابقة، ومع ذلك تبقى الوصية واجبة على من عليه دين وفي ذمته حقوق، ولديه أمانات وعهود فيجب عليه أن يُوضح ذلك مفصلا في وصيته، ببيان لمن تلك الأموال أو الديون والأمانات، كما قد تكون كتابة الوصية مستحبّة في حق من أراد أن يتصدق بمال من تركته التي يتركها لأولاده، فيكتب وصيته ولمن يريد أن يتصدق عليه من الفقراء أو الأقرباء غير الورثة أو الجمعيات الخيرية في حدود ثلث المال لا يتجاوز ذلك. ثانيا: أنه ينبغي كتابة الوصية والإشهاد عليها، وخاصة إذا لم يكن المُوصي معروفاً بخطه أو بنوع الكتابة التي اعتاد الكتابة بها. ثالثا: أن ينبغي للموصي أن لا يحصر وصيته بالصدقة في شخص أو جهة إذا أراد أن يتصدق ببعض ماله من بعده، بل عليه أن يجعلها عامة في كافة أعمال الخير، وخاصة التي يعم نفعها. رابعا: على الإنسان إذا كتب وصيته أن يعرضها على أهل العلم ليبينوا له أحكامها، ويوضحوا له ما يجوز وما لا يجوز فيها، حتى لا تكون ظالمة أو تُحرم ذا حق من حقه، لأنها إن كانت لا ظالمة فإنها لا تُنفّذ ويكون بذلك قد فوّت على نفسه بابا من أبواب الخير. خامسا: يمكن أن نضيف وننبه إلى أمور منها أنّ من كان عليه دين فأوصى به فإنه يخرج بذلك من ذمته، وانتقل إلى عهدة الولي المكلّف بالوصية وله الأجر في قضائه، وعليه الوزر في تأخيره إن كان يقدر على إبرائه.