يشكل الفولكلور الشعبي عند مجتمع "الإموهاغ" أو التوارق بمنطقة الطاسيلي أحد روافد التراث الغنائي الذي يحمل الكثير من الخصوصيات السوسيولوجية المرتبطة في العمق بالثقافة الشعبية المتجذرة التي يتميز بها هذا المجتمع. ويعتبر الأداء الفلكلوري الشعبي لدى التوارق بحد ذاته صورة من هذا الثراء الفني الذي يميز هذا النوع من الموسيقى الصحراوية الترقية وهو ما يثري حقيبة التراث الغير مادي لمجتمع التوارق، كما يرى الباحث في الأنثربولوجيا الأستاذ زندري عبد النبي من المركز الجامعي بتمنراست. فالبعد السوسيولوجي للفلكلور الشعبي عند مجتمع "الإموهاغ" يبرز الدور الحقيقي الذي لا زال يؤديه هذا الفلكلور في الوسط الاجتماعي وهو يتكون من عدة طبوع وقصائد شعبية. ويوضح في نفس السياق هذا الباحث "بأن الفلكلور الشعبي الذي يعنى بكل ما يخص العادات والتقاليد يجرنا إلى معرفة الموروث الثقافي التقليدي للمجتمعات متمثلا في الجانب الفني والفلكلوري الشعبي من رقصات موسيقية وطقوس وغيرها من المشاهد الفنية الأخرى" . ومن دواعي الحتمية - كما يضيف الأستاذ زندري- أن يمارس "الإموهاغ" أنواعا من النشاطات الثقافية الأصيلة ضمن عاداتهم وتقاليدهم العريقة والتي تشكل عبر العصور التاريخية رصيدا هائلا من الأدب الشفوي والفنون الشعبية، ذلك أنهم مولعون بالموسيقى والغناء والرقص ويتخذون لذلك آلاتا موسيقية رئيسية مستعملة، وتحمل أسماء لرقصات أو قصائد مأثورة خالدة. ومن بين هذه الفنون المستوحاة من التراث الاجتماعي موسيقى "الإمزاد" باستعمال الآلة الموسيقية العريقة ذات الصنع المحلي والتي تشبه في شكلها تماما العود العربي وهي مصنوعة من أدوات محلية "تزنوت"وأعراف الجياد "إمزدن نيس". هذه الكوسة ذات الشكل المحدب يثبت عليها جلد معز وقضيب من الخشب تربط عليه بإحكام خيوط من أعراف الجياد حتى تتمكن من إصدار ذاك الصوت الساحر. وتحكي آلة "الإمزاد" العديد من الأساطير النابعة من عمق المجتمع الترقي ومنها ما يروى عن الملكة "تينهينان" أنها صنعت "إمزاد" بنفسها باستعمال عرف جوادها. أما عن آلة "التندي" يضيف الباحث زندري فإنها تصنع من مهراس خشبي مصنوع لأغراض منزلية ومنها تفتيت التمر الجاف وغيره من المواد الصلبة ويوضع عليه جلد ماعز مثبت بواسطة قضيبين خشبيين وتؤدي بواسطتهما امرأتان حركات تماشيا مع إيقاعات منتظمة. ويشارك في أداء موسيقى "التندي" الرجال والنساء بالتصفيق الجماعي وترديد المواويل والأهازيج تماشيا مع القصائد التي تؤديها المغنية وتمثل هذه الموسيقى فرصة للتلاقي والتعارف والاحتكاك بين العزاب والعازبات بكل عفة ونزاهة. وتتميز موسيقى " تندي-أن-أكرهي" بانتقاء أجمل الفتيات في الحفل التي يوضع فوق رأسها لحاف أسود من نوع "أنيلة" يسمى "ألشو" يشبه "الخمار" يدعى "أكرهي" ويقوم أحد الفرسان الممتطين الإبل بمحاولة اختطاف ذاك اللحاف من على رأس الفتاة ومتى توصل إلى ذلك طرده بقية الفرسان عدوا من أجل إعادة الخمار "ألشو" إلى صاحبته وبحركات درامية، بحيث من توصل إلى ذلك يحصل له الشرف أن يكون فارس أحلامها المفضل. وأغلبية القصائد التي تؤدى في حفل "تندي " تدور مواضيعها حول الحرب والحب والشهرة والكرامة والعطف والثأر وغير ذلك من القيم الاجتماعية المتوارثة. وبخصوص موسيقى " تزنغراهت" أوضح الباحث زندري بأنها كلمة مشتقة من "أزنغريه" بمعنى إخراج الصوت بواسطة الحناجر أو هي تلك المواويل التي يصدرها الراقصون وهي عبارة عن أغاني تغنيها النسوة ويرقص على ألحانها الرجال وتتناول مواضيع مختلفة، حيث تتم على شكل دائري وقوفا. فالنساء يشكلن دائرة أو نصف دائرة بترديد الأغاني التي تغنيها الرئيسة وتدعى "تماويت" أما المرددات ورائها "تساكبالين "، حيث يصفقن ويرقص الرجال على ذلك بإصدار أصوات حناجرهم "أزنغريه"، حيث يبلغ تأثيرها على الراقصين حد النشوة ودرجة الإغماء أحيانا. أما فيما يخص "تهيقالت" يقول نفس المتحدث بأنها عبارة عن آلة خفيفة على شكل دائري مصنوعة من الخشب وجلد الماعز تستعملها النساء في الأغاني، بينما يرقص الرجال على إيقاعها. ولما كانت "تهيقالت" تعني العزوبية فقد تتحمس للغناء المرأة التي في حاجة إلى السند والنصف الآخر، ومن تم حمل هذا النوع من الأغاني كل معاني الرغبة وما في عش الزوجية من راحة واطمئنان نفسي. كما يحمل التراث الغنائي الترقي لونا آخرا من الغناء المعبر أيضا عن الجوانب السوسيولوجية ويتمثل - حسب زندري عبد النبي - في ما يعرف ب "آليون" وهي نوع من القصائد التي تردد في الأعراس والتي تتغنى بها النساء طيلة أيام التحضير وأيام العرس (سبعة أيام بلياليها) والتي تحمل معاني التنويه بالعرس وتوصية للعريس وكذا الحديث عن القيم الاجتماعية التي يحملها عش الزوجية. كما توجد هناك أيضا رقصة "إيسوات " وهي رقصة يؤديها الشباب مصحوبة بأهازيج النساء (بدون آلات موسيقية) يدورون حول المغنية الرئيسية التي تدعى "تماويت" أما بقية صديقاتها فيطلق عليهن "تساكبالين"، أما الراقصون من الرجال فيطلق عليهم "ايماركضن" أما كلمة "إيسوات" فتأخذ معنى الفعل الحاصل بينهم ف "إيسوات" هي من كلمة "إسوت " والتي تعني المجابهة ويكون ذلك في مشهد درامي يرقص فيه كل شابين أو أكثر في حركات منسجمة. وتظل تظاهرة "السبيبة الأكثر شعبية في مجتمع "الإموهاغ" والتي تشكل أداء فلكلوريا نادرا، وهي رقصة شعبية يجسد حركاتها فريقان من القصرين العتيقين "ألميهان" و "أزلواز" لمدينة جانت. أما عن التسمية فقد نسبها البعض - كما يضيف الأستاذ زندري- إلى نغمة الطبل وتبدأ عادة تظاهرة "السبيبة" مع مطلع شهر محرم من كل سنة، حيث تخرج النساء من المنازل ليلا معلنات عن دخول عيد "السبيبة" وذلك بالدق على الطبول ويتم التجمع في موقع "تيمولاوين" وذلك تحضيرا لليلة اليوم العاشر من محرم (عاشوراء)، هذه التحضيرات تتم في كل حي على حدى تحضيرا لليوم الموعود. وفي الليلة التاسعة يذهب الراقصون من قصري "أزلواز " و" الميهان" إلى موقع " تيمولاوين" استعداد لليوم العاشر الذي يستعرض فيه كل حي قدراته للجمهور حتى يخرج في النهاية المنتصر. وتظل هذه الطبوع الفنية " تندي" و" تزنغراهت" و" آليون" و " السبيبة" وغيرها متوارثة عبر الأجداد وتشكل أهم الفنون التي يحافظ عليها حتى الآن بمنطقة الطاسيلي ناجر. ولا زال المجتمع الترقي يحتفل بها في المناسبات الدينية والوطنية وفي الأعراس والأفراح، وقد أدخل على بعض منها آلة العود التي يغني على إيقاعها الرجال دون النساء ومن بينها "تندي" و"إيسوات". ويؤكد الأستاذ الجامعي زندري بأن الدور الاجتماعي للفلكلور الشعبي عند التوارق ينعكس في العديد من المظاهر والسلوكيات التي يقوم بها الأفراد داخل المجتمع والتي تحمل عدة دلالات قد تكون اجتماعية أو ثقافية أو سياسية أو حتى أسطورية يستحدثها المجتمع أو يتوارثها جيل بعد جيل. وقد تكون أيضا بعض العادات التي يتشبث بها أفراد هذا المجتمع ومنها فنون قد ترقى إلى مرتبة "القداسة" بالنظر لما تحمله من معاني واعتقادات يؤمن بها المجتمع مثل عيد " السبيبة" و "إمزاد" . إن الفن الشعبي التقليدي عند مجتمع "الإموهاغ" - يقول الباحث زندري- يعتبر المتنفس لكل أفراد المجتمع، حيث عادة ما نجدهم يمارسون هذه الفنون في السهرات الليلية بعد إتمام الأعمال اليومية، حيث يكون الليل متنفسا لهم وراحة من أجل الاستعداد ليوم جديد، وإلى جانب ذلك يؤدي الفن في إطار المنظومة الاجتماعية ككل دور الاتصال أيضا بين أفرادها، ويعبر عن المعاناة اليومية ووسيلة لإجراء الحوارات الحميمية بين الأحبة أو بين الملتقين بعد فراق بعيد المدى، كما يقول نفس المتحدث. وبالنسبة لنفس الباحث، فإن للمرأة الدور الأساسي في الفعل الفني الموسيقي التقليدي عند "الإموهاغ " فهي الركيزة الأساسية في كل الطبوع الفنية وهي الصانعة للأفراح وتعكس هذه المكانة الموقع الاجتماعي الذي تحتله المرأة داخل النظام الاجتماعي عند "الإموهاغ". وحسب نفس المصدر فإن البعد الفني الجمالي الذي يمكن أن نجده في الفلكلور الشعبي عند مجتمع "الإموهاغ " يتجسد كذلك في عدة معاني منها الزي التقليدي، حيث نجد أن "أماهغ" (رجل الإوهاغ) في جميع رقصاته يحافظ على ارتداء الزي التقليدي، كما يحمل معه غالبا السيف دلالة على الفروسية والاستعداد الدائم للحرب، كما لا تخلو هذه الأزياء من بعد في الذوق الذي نجده في تجانس الألوان والتفنن في ارتدا العمامة أو اللثام. هذه المعاني وغيرها التي يزخر بها هذا التراث اللامادي تعبر عن الغنى الثقافي الذي تحمله كل الأفعال الاجتماعية لدى مجتمع "إموهاغ" التي لا زالت تستقطب اهتمام باقي المجتمعات العالمية يؤكد الباحث. كما أن كل الصور الفلكلورية لدى "الإموهاغ" لها دلالات وتحمل رسائل اجتماعية وتعابير بين أفراد المجتمع من أجل نسج الروابط والألفة بين أفراد المجتمع الواحد ويعبر ذلك في النهاية عن البعد السوسيولوجي للفلكلور الشعبي التقليدي لمجتمع "إموهاغ".