قبل نحو عقدين من الزمن طرحت في إسرائيل قضية رفض التبرع بالدم من قبل اليهود الفلاشا؛ ومع نزول آلاف من اليهود الأشكناز –الذين يشكلون 40% من مجموع اليهود في فلسطينالمحتلة– إلى الشوارع في الآونة الأخيرة للتعبير عن رفضهم اختلاط بنات الطائفة اليهودية المذكورة مع الطالبات من السفارديم -أي من اليهود الذين ينحدرون من أصول أفريقية وآسيوية حسب التصنيفات الإسرائيلية- في مدرسة دينية للبنات في مستوطنة عمانويل في الضفة الغربيةالمحتلة؛ تبرز من جديد ظاهرة التمييز العنصري القديمة المتجددة ضد اليهود الشرقيين والتي لن ترقى بأي حال من الأحوال إلى مستوى التمييز العنصري المفروض على الأقلية العربية داخل الخط الأخضر. وهذا يقودنا إلى إظهار بعض المعطيات الدالة على التمييز العنصري الحاصل ضد اليهود السفارديم؛ حيث تشير الدراسات الإسرائيلية المبنية على نتائج مسوح اجتماعية إلى وجود تمييز ضد اليهود الشرقيين في إسرائيل الذين يشكلون 36% من مجموع اليهود في فلسطينالمحتلة والبالغ 5.7 ملايين يهودي في عام 2010، ومرد ذلك، يكمن بأن مراكز القوى في إسرائيل، سواء في المؤسسة العسكرية أو النظام السياسي بأطيافه المشكلة، تم السيطرة عليها وتسيرها من قبل اليهود الأشكناز، أي اليهود الغربيين، على اعتبار أنهم ركيزة وبناة الدولة اليهودية الأوائل. وبداية نلقي الضوء على تقسيمات اليهود في العالم بناء على الإثنية العرقية. تقسيم اليهود من الناحية الإثنية العرقية يمكن تقسيم اليهود في العالم إلى ثلاثة أقسام حسب خلفياتهم الإثنية والعرقية، ووفق الدراسات المختلفة يمكن إجمالها كالتالي.
أولاً: يهود السفارديم: وهم أساساً يهود إسبانيا والبرتغال، والذين يتحدثون لغة "اللادينو" وحينما طردوا من هناك، إثر سقوط الحكم الإسلامي في الأندلس، اتجهوا إلى الدولة العثمانية واليونان وشمال أفريقيا. وللسفارديم طريقتهم الخاصة في الصلاة والطقوس الدينية. ثانياً: يهود الشرق والعالم الإسلامي: وهؤلاء يختلفون عن السفارديم بخلفياتهم الثقافية والتاريخية، لكنهم عادة ما يشار إليهم خطأ بأنهم يهود سفارديم . ويعود السبب إلى أن كثيراً منهم يتبعون النهج السفاردي في العبادة، ولعل هناك سبباً آخر هو أن كثيراً من يهود السفارديم هاجروا إلى العالم الإسلامي، وتطبعوا بأجوائه، واختلطوا بغيرهم من اليهود. ومن أهم فئات يهود العالم الإسلامي والشرق يهود البلاد العربية أو اليهود المستعربة، كيهود العراق واليمن الذين كانت لهم مجتمعاتهم القديمة هناك. ثالثاً : يهود الأشكناز؛ وهؤلاء أساساً هم يهود شرق أوروبا وروسيا ، الذين يتحدثون اللغة اليديشية ولهم طريقتهم المميزة في العبادة والأزياء وقص الشعر. ومنهم ظهرت جميع الحركات اليهودية التي كانت نواة للحركة الصهيونية. وهذه الفئة من اليهود تسيطر سياسياً واقتصادياً على المؤسسات الإسرائيلية المختلفة. وتشير دراسات مختلفة إلى أن مجموع اليهود الأشكناز في العالم يصل إلى 11 مليوناً يمثلون 83.33%، أما مجموع اليهود السفارديم فيقدرون بنحو (700) ألف يهودي يشكلون 5.3%، حيت يصل مجموع يهود العالم الإسلامي والشرق إلى مليون ونصف المليون يهودي؛ ويمثلون 11.39% من مجموع اليهود في العالم والبالغ (13.2) مليوناً. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن المجموعات الإحصائية الإسرائيلية تشير إلى اليهود في إسرائيل الذين ينحدرون من أصول غربية أميركية وأوروبية على أنهم يهود أشكناز ويشكلون نحو 40% من مجموع اليهود في إسرائيل والبالغ مجموعهم 5.7 ملايين يهودي في عام 2010 ؛ في حين تعتبر اليهود من أصول شرقية أفريقية وآسيوية هم اليهود السفارديم ؛ ويشكلون 36% من مجموع اليهود في إسرائيل في العام المذكور؛ في حين كانوا أغلبية كبيرة في عقد الستينيات والسبعينيات؛ لكن الهجرة اليهودية الكبيرة من دول الاتحاد السوفياتي السابق منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي أدت إلى التفوق النسبي لليهود الأشكناز؛ وفي مقابل ذلك يشكل يهود الصابرا –وهم اليهود الموجودون في إسرائيل وينحدرون من أب يهودي مولود في فلسطين- نحو 24% من مجموع اليهود في إسرائيل. التمييز ضد اليهود السفارديم وللدلالة على التمييز الحاصل ضد اليهود السفارديم، تؤكد الدراسات الإسرائيلية أن نسبة الحاصلين على شهادة الثانوية العامة بين الطلاب من أصول شرقية تصل إلى 51%، وتعد هذه النسبة أقل ب22% من نسبة الطلاب اليهود من أصول غربية والبالغة نحو 73%، والفجوة بين الطلاب الذكور من المجموعتين وصلت إلى 25%، مقارنة بنسبة 17%لدى الإناث. وتشير النتائج نفسها إلى أن معدل الحاصلين على شهادة الثانوية في كل مجموعة يرتفع كلما ارتفع عدد السنوات التي تواجد فيها الشخص في إسرائيل، لكن الفجوة بين الطلاب تتسع ولا تتقلص. ويظهر من النتائج أن الطلاب الذين ولد آباؤهم في إسرائيل يتواجدون في أعلى قائمة الحاصلين على شهادة الثانوية. وتبلغ نسبتهم 80%، في مقابل ذلك لا تتعدى نسبة الحاصلين على شهادة الثانوية بين الشباب اليهود الشرقيين الذين ولدوا خارج إسرائيل 46%. وتصل النسبة لدى الشباب الذين يعتبرون الجيل الأول في إسرائيل 49%، بينما تصل النسبة بين الشباب الذين ولد آباؤهم في إسرائيل إلى 56%.وأكدت دراسات قسم العدل الاجتماعي والديمقراطية في معهد البحوث ""فان لير"، بأن تلك الظواهر السابقة مقلقة وخطرة، ومن المحتمل أن تسوء أكثر إذا لم يجر تغيير في سياسة توزيع المصادر. ووفق التوصيات، يجب إتباع سياسة تمييز تصحيحية والاستثمار في برامج تعوض عن المستوى التعليمي لدى الوالدين. ويؤكد باحثون إسرائيليون أن نتائج البحث تلغي الادعاء العنصري القائل بأن الاختلاف بين جماعات الأصل تعكس اختلافات في المهارات المولدة. ويقرر الباحثون بأن تعلم الوالدين هو عامل مهم جداً في احتمالات نجاح الطالب بالحصول على شهادة التوجيهي. وتصل نسبة الحاصلين على شهادة الثانوية العامة بين الطلاب الذين تعلم والداهم أكثر من 13 سنة تعليمية إلى 81%، بينما تبلغ هذه النسبة بين الطلاب الذين لم يتعلم والداهم أكثر من ثماني سنوات تعليمية 34%. وتشير المعطيات إلى أن الوضع الاقتصادي يشكل عاملاً إضافياً، يمنع الطلاب اليهود من أصول شرقية من التحصيل التعليمي مقارنة مع الطلاب من أصول غربية. إضافة إلى التمييز في مجال التعليم؛ يعاني اليهود السفارديم من تمييز آخر؛ حيث من الصعوبة بمكان أن يكون صاحب القرار في المؤسسة التنفيذية؛ أي رئيس الوزراء من أصول شرقية؛ لكن رغم ذلك ثمة مؤشرات على صعود متدرج لنجم اليهود الشرقيين في مؤسسات مختلفة في إسرائيل.فقبل عدة سنوات تبوأ منصب رئيس الأركان الجنرال شاؤول موفاز وهو يهودي من أصل إيراني؛ وكذلك موشيه كاتساب رئيس دولة إسرائيل السابق. لكن اللافت أنه وبعد مرور 62 عاماً على إنشاء إسرائيل (1948-2010) مازال اليهود الغربيون الأشكناز يتحكمون بمفاصل الحياة بكونهم مؤسسي الدولة الأوائل. الفلسطينيون ضحايا عنصرية إسرائيل استصدرت المؤسسات الإسرائيلية قوانين تحرم الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية من الترشيح لرئاسة الوزراء والعمل في مؤسسات إستراتيجية؛ ناهيك عن محاولتها ترسيخ فكرة يهودية الدولة؛ حيت سيتم من خلالها عملية تهميش مقصودة للأقلية العربية داخل إسرائيل؛ ولم يقف الأمر عند تلك السياسات الإسرائيلية بل تبنت المؤسسات الإسرائيلية منذ عدة عقود فكرة الجدران العازلة؛ ولتخرج الفكرة إلى العلن في صيف عام 2002 ؛ حيث سيعزل الجدار العازل عند الانتهاء من العمل به مئات الآلاف من الفلسطينيين داخل المدينة والقرية الواحدة؛ ناهيك عن السيطرة على 81% من إجمالي حجم المياه الفلسطينية من جهة الغرب لصالح المستوطنين؛ وبالتالي حرمان الفلسطينيين من ثرواتهم الطبيعية؛ حيث أشارت تقارير الأممالمتحدة إلى أن المستوطن الإسرائيلي بات يستهلك ستة أضعاف ما يستهلكه المواطن الفلسطيني في الضفة الغربية. وتبقى الإشارة إلى أنه على الرغم من التمييز العنصري الحاصل ضد اليهود الشرقيين في إسرائيل في مجالات التعليم والاقتصاد والمؤسسات الإسرائيلية الإستراتيجية والجيش؛ إلا أنه لا يمكن مقارنة ذلك مع درجات التمييز العنصري التي تعاني منها الأقلية العربية في إسرائيل، فراتب العامل العربي متدن، مقارنة مع راتب العامل اليهودي في نفس المهن، هذا فضلاً عن الموازنات المقتطعة للبلديات العربية، التي تعتبر بائسة مقارنة بالموازنات للبلديات الإسرائيلية اليهودية, لكن اللافت للنظر تصاعد التمييز العنصري في إسرائيل ضد السفارديم؛ الأمر الذي يؤسس لتصدعات اجتماعية وسياسية في المستقبل القريب. وفي ظل تفشي واتساع ظاهرة العنصرية في إسرائيل يطرح سؤال جوهري يتلخص بالتالي: هل التمييز العنصري في إسرائيل ممارسات أم مجرد أيديولوجية؛ وبما أن النفسية العنصرية لا تتجزأ، فمن الطبيعي أن نجد لها انعكاساتها الداخلية التي تظهر في التفرقة داخل التجمع الاستيطاني اليهودي ذاته، والمعبر عنه في التمييز في كافة مناحي الحياة بين السفارديم والأشكناز.