يصيب أسوأ تفش للحصبة منذ سنوات الآلاف ويتسبب في وفاة المئات في أنحاء أفريقيا ويمثل دليلا صارخا على ما يحدث عندما تتخلى السلطات الصحية عن حذرها تجاه هذا المرض الشديد العدوى. ويقول خبراء الصحة إن النجاح الهائل خلال العقد الماضي في تعزيز التطعيم ضد الحصبة على مستوى العالم وخفض معدلات الوفيات أدى إلى مستويات خطيرة من التهاون في بعض الدول كما أن تركيز السياسات والأموال لم يعد منصبا على هذا المرض. وحتى الأمهات -اللاتي كن حتى وقت قريب في بعض الدول الأكثر تضررا لا يطلقن أسماء على أولادهن إلا بعد نجاتهم من الحصبة تولد لديهن إحساس زائف بالأمن على اعتقاد أن المرض تم القضاء عليه ولم يعدن في حاجة إلى زيارة المراكز الطبية للتطعيم. وتقول "مبادرة الحصبة" التي تضم منظمات مثل الأممالمتحدة وصندوق رعاية الطفولة التابع للأمم المتحدة "يونيسيف" ومنظمة الصحة العالمية إن نحو 164 ألفا توفوا من الحصبة عام 2008 بانخفاض 78 في المائة مقارنة بعام 2000 عندما كان العدد 733 ألفا. لكن يونيسيف تخشى من أثر تراجع الالتزام السياسي والمالي تجاه الحصبة وما قد ينتج عنه من قضاء على المكاسب التي تحققت مما قد يؤدي إلى ما يقدر بنحو 1.7 مليون حالة وفاة مرتبطة بالحصبة على مستوى العالم بين عامي 2010 و2013 . وقال اندريا جاي مدير صحة الطفولة في مؤسسة الأممالمتحدة لرويترز "الحصبة شديدة العدوى وفي نطاق مساحة صغيرة سوف تنتشر بسرعة كبيرة حقا." وتشهد أفريقيا بالفعل بعضا من أكبر موجات التفشي للحصبة وأكثرها فتكا منذ سنوات ولقي أكثر من 1400 شخص الكثير منهم من صغار الأطفال حتفهم حتى الآن هذا العام. لكن عدد الوفيات في أفريقيا صغير نسبيا مقارنة بالهند التي مثلت نحو 75 في المائة من وفيات الأطفال بسبب الحصبة عام 2008 لكن الخطورة تكمن في أن الاستمرار في التهاون سيجعل هذا المرض الذي يمكن الوقاية منه ينتشر بسرعة. وتقول منظمة الصحة العالمية إن أكثر من 28 دولة في أفريقيا شهدت تفشيا للحصبة هذا العام. ومن أكثر الدول تضررا ليسوتو ومالاوي وناميبيا وجنوب أفريقيا وزامبيا وزيمبابوي. ويقول مسؤولو الصحة في مالاوي إن هذا المرض الفيروسي تسبب في وفاة 197 شخصا وأصاب 77 ألفا منذ يناير كانون الثاني وهو أعلى عدد يسجل هناك خلال عقد. وقال ادوارد هوكسترا وهو أخصائي مقيم في نيويورك يعمل في برنامج الحصبة العالمي التابع ليونيسيف إن أكثر ما يخشاه الخبراء بدأ يتحقق بالفعل وهو أن يتراجع النجاح الذي تحقق في القضاء على الحصبة عندما تتراجع الجهود الرامية إلى إبعاد شبح المرض. وقال في مقابلة أجريت بالهاتف "في الماضي في أفريقيا كانت كل أم على وعي بالحصبة. كن يعلمن أنها تقتل الأطفال. في بعض الأحيان لم يكن يطلقن أسماء على أطفالهن إلا بعد نجاتهم من الحصبة... لكنهن لم يعدن يرينه "المرض" كثيرا الآن وحدث تراجع في الطلب "على التطعيم"." ولا ينحصر تراجع الحذر من الحصبة على أفريقيا إذ ظهر المرض في الولاياتالمتحدة وبريطانيا ودول غنية أخرى أدت فيها شكوك تجاه الأعراض الجانبية المحتملة لمزيج من التطعيمات إلى انخفاض كبير في معدلات التطعيم في السنوات الأخيرة. وفي أفقر دول أفريقيا حيث قد يعاني الضحايا من سوء التغذية أو ضعف المناعة يمكن أن تصبح الحصبة مرضا فتاكا بسرعة. وتقول الأممالمتحدة إنه في عام 2009 لم تشمل التحصينات الروتينية أكثر من 2.4 مليون طفل في شرق وجنوب أفريقيا أي نحو 20 في المائة من عدد الأطفال دون سن العام. ومع ارتفاع أعداد الوفيات عكفت وزارة الصحة في مالاوي على حملة تطعيم كبرى مع التركيز على المناطق الريفية حيث يعيش 80 في المائة من سكانها البالغ عددهم 13 مليون نسمة.