جميل أن يكتسب أطفالنا ثقافة يلجوا من خلالها الى العالم التكنولوجي منذ نعومة أظفارهم، فالعالم بفضلها التحولات التي أحدثتها الوسائل التكنولوجية والإعلامية أصبح قرية صغيرة، فلابد أن نسايرها، أو نعيش على هامش ما فرضته. لكن ما يعاب على ذلك كله هو التأثر الكبير الذي أحدثه هذه الوسائل على الأطفال سيما المتمدرسين منهم، إذ فرضت نفسها عليهم، وأصبحت من ضروريات الحياة اليومية والعلمية لديهم. الهاتف النقال.. يزاحم الأدوات المدرسية عند الأطفال أضحت التطور التكنولوجي في زمننا هذا واقعا فرض نفسه كثيرا على المجتمعات بصفة عامة، وعلى المجتمع الجزائري بصفة خاصة حيث أضحى الهاتف النقال ليس من الكماليات أو من الأمور التي يمكن ألا يهتم بها التلميذ في رحلة الابتدائي الى مرحلة المتوسط وأقل درجة منهم الثانوي، بل الأدهى من ذلك أصبح الهاتف المحمول لدى هؤلاء يشكل جزء لا يتجزأ من ضروريات الحياة، ويزاحم في مرات عدة الأدوات المدرسية عند الأطفال. ففي كثير من الأحيان يتخذه البعض ورغم صغر سنهم أغلبهم لم يتعدى مرحلة المتوسطة بعد وسيلة من وسائل التعليم، إذ تقول فتاة في مرحلة المتوسطة ولم تتعدى سنتها الأولى بعد أن الهاتف هو جزء من الأدوات المدرسية، مثله مثل الكراس الكتاب وغير ذلك، لأنه حسب ما ترى، أصبحت من خلاله تستطيع أن تتصل بزميلاتها في أي وقت للاستفسار عن بعض النقاط تتعلق بالدراسة، يحدث كل هذا بعلم وموافقة أهلها على كل ذلك، حسب ما تقوله . المردود الدراسي لأطفال.. أصبح مرتبطا بالهاتف النقال كهدية كثيرا ما يقوم الوالدين في كثير من الأحيان بتصرفات لا يلقون بالا لها أو العواقب التي يمكن أن تنجر عنها، حيث أصبحت هدية الانتقال التي كانت في وقت مضى مرتبطة بهدية بسيطة تسعد الأطفال وتشجعهم على بذل المزيد من الجهد في سبيل رحلتهم الدراسية، لكن الوقت تغير وتغيرت معه أيضا عقلية الأطفال ومطالبهم أيضا ، فقد وجد الأولياء دون سابق إنذار مجبرين لا مخيرين على الخضوع لرغبات ومستلزمات أولادهم، فالواقع فرض عليهم مسايرة تطور المراحل العمرية لأولادهم وفق ما تمليه متطلبات العصر. إذ ترى السيدة صليحة في هذا الجانب، أن الهاتف النقال لم يكن أبدا في أجندة الهدايا أو المتطلبات التي يمكن أن يحتاجها الولد، فالوقت حسبها هو من يرى ويحدد ذلك، لأنه في السابق كانت هدية الطفل عند النجاح ترتبط بسنه، بينما الأن فرض علينا أن نساير الأبناء في رغباتهم. مضيفة في الوقت ذاته، أن ابنتها اشترطت عليها قبل النجاح في شهادة الابتدائي، أن تكون هديتها هاتف نقال مثل باقي صديقاتها، فما كان أمام السيدة صليحة سوى النزول عند رغبة ابنتها وتفي بالوعد الذي قطعته لها قبل ذلك. وتقول ذات المتحدثة في هذا الشأن: " الحمد لله، وعدت ابنتي ووفيت، لديها هاتف وهي في سنتها الأولى في مرحلة المتوسط، كما أم طبيعة عملي وانشغالي خارج المنزل هو الذي جعلني أشتريه لها فعلا. في حين ترى السيدة حياة، أن مرض ابنها الذي يعاني من تخلف ذهني بسيط على حد تعبيرها هو من جعلها تشتري له هاتفا رغم أنه في مدرسة خاصة، بالإضافة الى شفقتها على حاله الصحية التي ترى فيها دافعا آخر لتلبي لطفلها كل ما يريده. بحجة ألا يشعر أبناءهم بالنقص...أولياء يساهمن في ضياع أبنائهم يرى العديد من الأولياء في تربية أبنائهم أن توفير كل ما يحتاجه الطفل، وتحقيق كافة رغباته في الحصول على ما يريده، بغض النظر عما يحتاجه، هو السبيل الوحيد الذي يجعل الطفل مستقبلا مقتنعا بكل ما يراه في يد الغير، ومن شأنه أيضا أن يعزز الثقة بالنفس لدى الطفل، وهو ما يجعله بالمقابل لا يحتاج إلى غيره. فالعديد من الأمهات يعتقدن أن تحقيق كل ما يرغب فيه الطفل، يجعله في غنى عن سؤال الناس، وكذلك حتى لا يشعر بالنقص مقارنة مع زملاءه، فحسب ما تراه السيدة أمينة، انها تربت وفق طريقة معينة وبيئة جعلتها تحتاج إلى الكثير من الأشياء في حياتها، فليس بالضرورة حسب ما تضيف، ، وعليه من واجبها كأم أنت توفر لأبنائها كل ما يحتاجونه، بالإضافة الى الأشياء التي حرمت منها في صغرها، وحجتها في ذلك ألا يعيش أبناءها نفس ما عاشته حتى يتعلموا من الحياة. في حين يرى أخصائيوا علم النفس، أن تعامل الأمهات بهذه الطريقة خطأ، خاصة أثناء مرحلة الابتدائي والمتوسط، فمن المفترض أن يقوم الوالدين بتكسير مرحلة الرغبة لدى أبنائهم، و تربيتهم على مسألة جد هامة وهي أن الأسرة هي من تتحكم في رغبة الطفل وليس العكس، لأن قوة القرار المتعلقة في هذه المرحلة من حياتهم ، تصدر عن الأولياء بالدرجة الأولى. فحسب ما يؤكده الأستاذ بولقرع، اخصائي في علم النفس أنه، "اذا عجز الوالدين عن هذا الدور خاصة في مرحلة المراهقة، سيتعلم الطفل أشياء أكبر من سنه، و هذا ما يؤدي في الأخير إلى ما لا يحمد عقباه". الأستاذ بولقرع مخلوف: " منح الهاتف للطفل خطر عليه.. ومنعه لابد أن يكون بطريقة ذكية" يرى الأستاذ بولقرع مخلوف، أخصائي في علم النفس، أن استعمال الطفل للهاتف النقال يشبه استعماله للإنترنيت، ففي المرحلة المبكرة لنموه، والتي تسمى من الناحية النفسية " مرحلة الكمون "، مخ الطفل ونفسيته تكون مركز للتلقي والتعلم، وإدخال ثقافة الهاتف في هذه المرحلة لابد أن يكون مرتبطا بالاتصال فقط. مؤكدا في الوقت ذاته، غير أنه إذا أدخلنا الهاتف النقال في هذه المرحلة، كمتغير لا يؤدي الوظيفة الاتصالية التي وجدت من أجلها أصلا كالتصوير عن طريقه أو غير ذلك، فإننا بذلك قد أخرجنا الطفل من مرحلته التي هو فيها نحو عالم أكبر منه، وكذلك أعطيناه شيئا لا يخصه. والطفل في هذه المرحلة كما يضيف ذات المتحدث، يحتاج أن نعطيه من التكنولوجيا ما يحتاجه وفق ما يناسب سنه، إلا أن هناك حالات تستطيع أن نسمح للطفل باكتساب هاتف نقال، وذلك وفقط ضوابط محددة ومعقولة، لأن الطفل بصدد اكتشاف و ما يدور حوله في العالم الخارجي، ولا يعقل أن نمنع عنه التكنولوجيا. لكن في مقابل ذلك، لابد من تقييد وتعليمه بطريقة غير مباشرة وذكية في نفس الوقت. فمصاحبة الوالدين للأبناء والتربية السليمة هي السبيل الوحيد لجعل الطفل يستعمل التكنولوجيا وفي المقابل لا يؤذي نفسه.