تعرف العديد من الأسر الجزائرية اختلالا في أدوار قطبيها، بعد أن تنازل الرجال عن مسؤولياتهم، ليقع الحمل كله على المرأة، التي أصبحت في الكثير من الأسر تمثل الأب والأم، والقائم بكل مهام البيت، والملبي لكل احتياجات الأبناء وحتى احتياجات الزوج، نتيجة تغيرات اجتماعية أدت إلى انعدام روح المسؤولية لدى بعض الرجال. تنص قوانين الحياة، على أن مسؤوليات الأسرة من مصاريف البيت، ورعاية الأبناء، تقع على الوالدين، فهما يتقاسمان المسؤوليات والمهام، ويكمل كل منهما دور الآخر، في رعاية البيت الأسري، كما ينص ديننا الإسلامي، الذي كلف الرجل بالقوامة، وكما هو معروف في المجتمع الجزائري، أين يتحمل الرجل مصاريف الأسرة، في الوقت الذي تسهر فيه المرأة على الاهتمام بشؤون البيت، ورعاية بالأبناء. تبادل الأدوار... ! لكن يبدوا أن بعض الرجال في مجتمعنا أثقلتهم مسؤولياتهم الأسرية، وواجباتهم كمسئولين، وقوامين على البيت، وفضلوا الاكتفاء بلعب دور واحد فقط في البيت، يقتصر على عدم الغياب عن حياة الأسرة، متنازلين عن بقية مهامهم للطرف الآخر، خاصة وأن هذا الأخير صار يبرع في لعب دور الأم والأب معا وفي وقت واحد، فالمرأة الجزائرية أثبتت جدارتها في عالم الشغل، وقدرتها على منافسة الرجل في مسؤوليات العمل خارج البيت، هذا بالإضافة إلى تحملها لمسؤوليات البيت والأسرة، وهذا النجاح الذي حققته المرأة في الحياة العملية، ومشاركتها للرجل في مسؤولياته، جعل الكثير من الرجال يعتمدون عليها في توفير مصدر دخل آخر، لتحسين الوضع المادي للأسرة، في ظل غلاء المعيشة، لكن البعض تمادى في اعتماده على المرأة، لدرجة أنها أصبحت هي المسؤول الوحيد عن كل متطلبات البيت الأسري، في حين يبقى الرجل حاضرا بوجوده، غائبا بدوره. وقد وقفت "المستقبل العربي"على بعض النماذج، لأسر يعيشون على مثل هذه الحال، من خلال قصص سيدات أكدن أنهن يتحملن كامل مسئولية البيت والأبناء، ليس لغياب رب الأسرة، ولكن لتنصله من أداء مسؤولياته، وتهربه من القيام بواجباته. "أنا رب الأسرة.. وزوجي يأخذ حتى مصروفه من راتبي" وبمجرد أن فتحنا هذا الموضوع مع السيدة حياة.ه حتى بدأت وبكل حسرة في سرد ما تعيشه مع زوجها، الذي بالغ وتمادى في الاتكال عليها إلى أبعد الحدود، وكانت أول عبارة قالتها "زوجي يأخذ من راتبي حتى مصروف يومه "، ثم استرسلت في الحديث عن معاناتها اليومية، في ظل المسؤوليات المضاعفة، التي تتحملها، فالسيدة حياة أم لأربعة أطفال، وهي أستاذة تدرس اللغة الفرنسية في الطور الثانوي، منذ عشر سنوات، ما يجعلها تتقاضى راتبا محترما ومرفقا بزيادات معتبرة، وحسب حديثها كان زوجها في بداية حياتهما معا، يشغل وظيفة محترمة، ويتشاركان في تقاسم نفقات البيت، لكن بعد أن تعرض زوجها لمشاكل تسببت في طرده من العمل، ومن ثم عدم إيجاده لعمل آخر، وقعت كل المسؤوليات على عاتقها. وتضيف الأستاذة أن هذه المسؤوليات لا تقتصر فقط على النفقات المادية التي تتحمل أعبائها كاملة، بل تتعدى ذلك لتشمل أيضا الواجبات الأخرى اتجاه الأسرة، والتي يفترض أن يتقاسمها الأبوين، فهي تقول في هذا الصدد أنها نظرا لضيق الوقت وكونها تعمل بعيدا عن مقر سكنها، أدخلت أبنائها الأربعة في مدرسة خاصة، حتى يكونوا في مأمن طوال اليوم، وهي التي تقوم باصطحابهم في الذهاب والعودة، كما أنها المسؤول عن أخذهم إلى الطبيب في حال مرضهم، أو اصطحابهم للتنزه في العطلات، ونهاية الأسبوع، أما رب الأسرة، فهو يدخل البيت للأكل والنوم، في حين يمضي وقته بين البحث عن عمل، أو الجلوس والتجوال في الحي. ارتبطت بشخص غير مسؤول وأصبحت مسؤولة عنه وعن إخوته" وللسيدة دليلة.ز قصة مشابهة، تعيش فصولها منذ ثلاث سنوات، أدخلتها في صفوف من يكابدن المسؤولية داخل البيت كما خارجه، دون أن تتلقى أي مشاركة أو دعم، مادي ولا معنوي من زوجها الذي من المفترض -كما تقول- أن يكون هو قواما عليها، تقول المتحدثة أنها ارتبطت بهذا الرجل الذي تصفه في حديثها "بالا مسؤول" منذ أربعة سنوات، وكان يعمل في إحدى الشركات الخاصة، وهو المسؤول الوحيد عن والدته وإخوته، وبعد سنة من زواجهما، ترك عمله لأسباب لا تعرفها، لتصبح هي المسؤولة عن مصاريف البيت، وعن كل احتياجاته، واحتياجات والدته وإخوته، خاصة أنها لم تنجب أولادا إلى الآن، وتضيف أن هذا الوضع المتعب بالنسبة لها، لا يسبب أي إزعاج للطرف الآخر، بل على العكس تلاحظ السيدة أنه مرتاح، من عدم تحمل مسؤولية هذه العائلة الكبيرة، وإيجاد من ينوب عنه في تحملها، حتى أنه لا يكلف نفسه عناء البحث عن وظيفة، بالإضافة إلى أنه لا يتوانى هو أو أفراد عائلته في طلب كل ما يحتاجونه منها. "زوجي حرمة للأسرة فقط" ولا يختلف وضع السيدة و.ط عن سابقتيها، إلا من جانب واحد، وهو علمها المسبق بأن هذا الرجل لا يملك وظيفة ثابتة، فعمله كما تقول مجرد "بريكولاج"، كما أنها تعلم بأنه تزوجها بدافع الطمع، لأنها تملك بيتا خاصا، سيارة، وراتب ثابتا ومحترما، وبعد ارتباطها بهذا الرجل، لم يخرج ولو ليوم واحد عن إطار توقعاتها، فهو يتكل عليها في كل شيء، وبالنسبة للمداخيل التي يحصل عليها من تلك الوظائف التي يزاولها من حين لآخر فهي حسب المتحدثة لا تكفيه حتى لتغطية مصاريفه اليومية، أما مصاريفها وابنتيها، وباقي نفقات البيت فهي المكلف الوحيد بها، وما يثير استياء المتحدثة هو تنصل والد ابنتيها من باقي مسؤولياته، لدرجة أنه يتصل بها وهي في العمل لتعود إلى البيت وتصطحب ابنته المريضة إلى الطبيب، ولا يكلف نفسه عناء السؤال عن حالتها، وإن كانت في حاجة إلى شيء ما، وتعقب السيدة في حديثها عن ما تعيشه برفقة ابنتيها، بقولها "إن زوجا مثل هذا هو فقط حرمة للأسرة، والحمد لله أني مرتاحة ماديا، لأن ذلك ساعدني على تحمل مسؤولية أسرتي كاملة".