بابتسامات مشرقة ووجوه بريئة يستقبلك أطفال مركز دار الطفولة المسعفة المتخلى عنهم بولاية غليزان ، أطفال شاءت لهم الظروف أن يولدوا في ظروف لا يحتفي بهم ولا تطلق الزغاريد عند حلولهم ضيوفا جددا على هذا العالم، صغار رمت بهم الأقدار على أرصفة الشوارع أو أبواب المساجد وعلى أسرة المستشفيات ليجدوا هذه المصلحة خير حامي لهم . و تبقى البراءة المتخلى عنها محرومة من عدة أشياء عند مرحلة الطفولة بعد أن ألقوا بهم في الأزقة والشوارع وأمام حاويات النفايات أو على قارعة الطريق أو في جناح بمستشفى الولادة، وأحيانا كثيرة داخل كيس بلاستيكي،حيث فقدوا العطف الأبوي وحرموا من حنان الأم، ذنبهم الوحيد أنهم حلوا نتيجة علاقة حرص أصحابها على إخفاء ثمرتها بأية طريقة، أمهات بديلات الأمومة ليست مجرد ولادة تصبح بعدها المرأة أما لمن ولدته، بل إن هناك الكثيرات ممن لم ينجبن الأولاد ومع هذا يطلق عليهن أمهات لأنهن قمن بتربية أولاد غيرهن . ومن أجل تسليط الضوء أكثر على واقع هذه الفئة التي تبقى محرومة من حنان الأم الحقيقية حاولت جريدة " المستقبل العربي" أن تستكشف بعض الأمور على مستوى مركز دار الطفولة المسعفة، بولاية غليزان والمؤسسة الاستشفائية محمد بوضياف بذات الولاية ،حيث تستقبل هذه الأخيرة شهريا ما معدله من أربعة إلى خمسة أطفال، منهم ما يعادل 80 بالمائة يعتبرون من مجهولي الأب ومعلومي الأمهات، في حين أن نسبة 20 بالمائة من الفئة ذاتها تبقى في خانة مجهولي أو عديمي الأبوين ، حيث يودعون بالمصلحة من طرف عناصر الأمن الذين يجدونهم غالبا في الأماكن العمومية كمحطات الحافلات وبجوار المؤسسات التربوية والدينية كالمدارس والمساجد وعلى أرصفة الطرقات الأكثر حركية، في حين يفضل بعض الأولياء تركهم في علب بجوار القمامات المنزلية بينما يعمد آخرون إلى مجريات أكثر سوء ووحشية تنتهي بقتل يوصف حسب المصطلح القضائي بجناية قتل طفل حديث الولادة ،هذا وتكون المعالجة للحادث غير الأخلاقي الذي ترتبت عليه إنجاب طفل غير شرعي حسب درجة وعي الأبوين ومستوى تحصيلهم العلمي والمعرفي،و من خلال الأرقام المستمدة من مجلس قضاء غليزان، فان حصر أساليب المعالجة للتخلص من المولود للفئة الأولى على مستوى المدن الحضرية واقتصار الأفراد المنتمين للمدن شبه الحضرية والأقاليم الريفية على طرق المعالجة الثانية وهي "القتل" التي تحاول من ورائها قبر الفضيحة عن أعين المجتمع، يحدث هذا رغم القبضة الحديدية المضروبة حولها وما صاحبها من بروتوكولات ترسم وتتعقب خطواتها من الدخول والخروج بسبب التقاليد والأعراف التي تقيدت بها المرأة الريفية، فضلا عن أساليب القهر والتكميم التي أخضعت لها والتي صادرت حقها، فلم تترك لها ولو حدا أدنى من هامش استقلاليتها وحريتها من أجل أن تعي مجريات العالم الخارجي لتخبر شؤون الحياة وتتهيأ لمواجهتها . توافد كبير من المسعفين خلال شهري مارس وماي وعجز كبير في استقبالهم وأشارت مصادر من محيط مصلحة الطفولة بغليزان، إلى أن شهري مارس وماي من كل سنة يشهدان توافدا متزايدا لعدد الأطفال المهملين إلى درجة أن تعجز معها المصلحة في استقبالهم، وهو المؤشر الذي يؤكد أن فترة الحمل تكون على مدار المدة الزمنية الممتدة ما بين بداية الصيف وأواخره بنسبة تزيد عن 70 بالمائة في هذه الفترة، ما من شأنه تعميق معاناة الطاقم الطبي من الممرضات التي تسهر على رعاية هذه الشريحة وتقوم بخدمتها نظرا لضيق المكان، حيث لا تتوفر المصلحة إلا على غرفة واحدة تستوعب 9 أطفال مسعفين في الكثير من الأحيان، الأمر الذي يرغمهن على وضع طفلين أو أكثر على سرير واحد، وفي ظل تعداد المشاكل وتنوعها التي تتخبط فيها المصلحة، تشتكي العاملات بالمصلحة من نقص اليد العاملة، في المصلحة حيث تقوم ست ممرضات مؤهلات بالإشراف عليها، يجدن أنفسهن مجبرات على العمل على خلاف القوانين المنظمة الموضوعة في هذا المجال لاسيما نظام المداومة ليلا، وهي الحالة التي ساعدت على تعفن الوضع داخل المصلحة وأثرت بشكل أساسي على تحسين الخدمات الصحية على مستوى المصلحة، هذا إلى جانب النقص الفادح في التجهيزات الضرورية التي تفتقر إليها المصلحة بصفة عامة، في حين يكاد يكون تدعيم المسعفين بالمواد الاستهلاكية الواسعة كالحليب والمياه المعدنية وبعض الأدوية إلى جانب بعض المستلزمات الأخرى كالأغطية والأفرشة والحفاظات وقارورات الرضاعة، محصورا على إدارة مستشفى محمد بوضياف ومديرية النشاط الاجتماعي، إلى جانب بعض المحسنين من المواطنين والجمعيات الخيرية . إجراءات قانونية لتحديد هوية المسعف بالموازاة مع ذلك يخضع الطفل المسعف بعد وضعه بالمصلحة إلى العديد من الإجراءات القانونية بدءا بتحديد هويته، حيث يتوجب على وكيل الجمهورية تنسيق العمل مع مصالح البلدية لتحديد هوية الطفل المسعف، بحيث تعطى للذكور منهم ثلاثة أسماء ذكرية دون أن تحمل ألقابا، وأما الجنس الأنثوي فتقدم لهن ثلاثة أسماء اثنان منها أسماء أنثوية والثالث اسم ذكري، دائما دون أن تحمل ألقابا، على أن يكون الاسم الثالث لكليهما هو اللقب العائلي لفروعهما، واستنادا إلى المصدر نفسه وتجنبا للانعكاسات السلبية التي قد تطبع على سلوكياتهم مستقبلا، تعكف المصالح على تحديد جنسية الطفل المسعف وهي عملية من شقين، فالشق الأول منها يسمح بإعطاء المسعف الجنسية النازلة من الأصول الأبوية للأم، وهو الإجراء الذي تخضع له الفئة المجهولة الأب والمعلومة الأم، وأما الشق الثاني فيتعلق بفئة مجهولي الأبوين فتمنح لها جنسية الأرض التي ولدت عليها وهو مشروع تم إثراؤه من طرف الوزارة الوصية منذ مدة بالتنسيق مع المصالح الحكومية وأصبح اليوم محل تطبيق وتنفيذ، وذلك وفق القوانين التي لا تتعارض مع الهوية الوطنية، حيث يضمن هذا المشروع، لكل مولود يولد على أرض الوطن، الجنسية الجزائرية، وكما أوضح المصدر نفسه أن الهدف من وراء ذلك هو بالدرجة الأولى متعلق بالقضاء على رواسب ذهنية المجتمع الذي ما يزال ينظر إلى هذا الجزء من تركيبته الاجتماعية على أساس أنه أفراد مرفوضة من المجتمع وأجسام غريبة عنه ناقصة الحقوق، هذا إلى جانب تسهيل عملية إدماجهم في النسيج الاجتماعي بكامل حقوقهم الوطنية . صعوبة في تسريح الأطفال إلى مراكز الطفولة المسعفة ويبقى عائق التحاق هذه الفئة إلى ذات المركز موجودا بسبب عدم وجود قانون واضح من شأنه أن يحدد المدة لتسريح المسعف باتجاه مراكز الطفولة المسعفة، فالمسألة ربما تتعلق بطلبات المواطنين الكثيرة والتي تصل إلى غاية 100 طلب سنويا، القصد منها تمكين تلك الأسر من عملية التكفل، وهي عملية تسير وفق نظام داخلي يتكون من ممثل عن الدرك الوطني والأمن الولائي وممثل عن القطاع الصحي إلى جانب أخصائية نفسانية ومساعدة اجتماعية، فضلا عمن يمثل مديرية النشاط الاجتماعي، ويكون في ذلك كله الوصي القانوني للطفل المسعف والي الولاية، وهذا ما يسمى ب"مجلس الطفولة المسعفة" الذي تنعقد دورته على أكثر تقدير مرة واحدة كل ثلاثة أشهر من أجل دراسة طلبات الأسر الكفيلة، فالقصد من تشجيع تلك السياسة المنتهجة هو إدماج المسعف في وسط أسري نظيف، غير أنه أمام المشاكل التي طرحت على مستويات متفاوتة التي أصبحت العوائل الكفيلة تتخبط فيها تم بمقتضى تعليمة وزارية إلغاء المنح الشهرية التي كانت توجه للأسر الكفيلة والمقدرة ب1300 دج للطفل العادي و1500 دج للطفل المريض أو المعوق، غير أن هناك حالات حرجة ترفض تلك الأسر تبنيها خاصة فئة المسعفين المصابين بإعاقات ذهنية أو حركية، فهذا الصنف الأخير يتم توجيهه من طرف المصلحة المختصة بمديرية النشاط الاجتماعي إلى أحد مراكز الطفولة المسعفة المتواجدة بولايتي تيارت ومعسكر ليسهل مراقبته ومتابعة نشاطه مع أقرانه داخل المركز، هذا الأخير يتوفر على كل المرافق الضرورية لنشاطات الطفل الحياتية، منها أقسام للألعاب والترفيه وأقسام تحضيرية وغيرها من المرافق الحيوية التي تساعد على نشأة الطفل ورعايته عبر مختلف مراحل نموه، يسهر على رعاية هذه الفئة طاقم بيداغوجي يتكون من مربين أخصائيين وأطباء مختصين إضافة إلى ممرضات مؤهلات في مجال الأمومة في انتظار تسليم مشروع مركز الطفولة المسعفة بعاصمة الولاية غليزان الذي تمت الأشغال به بنسبة 99 بالمائة بقي مغلقا لأجل غير مسمى ،حيث تأمل هذه الشريحة في أن تعيش حياة هادئة في كنف جو عائلي بمركز يحتوي على جميع المرافق الضرورية لنشاطات الطفل الحياتية .