تبايَنت آراء خبيريْن مصرييْن متخصِّصيْن في العلاقات العربية التركية ومهتمين بمتابعة ملف الثورات العربية، حول هدف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان من جولته العربية، التي قام بها برفقة وفد كبير من رجال الأعمال الأتراك. كما تباينت آراء الخبيرين، عمّا إذا كانت تستهدِف (أي الزيارة) "دعم الديمقراطيات العربية الناشئة" والعمل على ترسيخ القِيم والمبادئ الحضارية، أم أنها تستهدِف الترويج للنموذج التركي في المنطقة العربية ومحاولة جنْي ثمار الثورات اقتصاديا والبحث عن دور ومكانة متميّزة لتركيا في الفضاء العربي الجديد، كبديل عن صراعها المتصاعد مع حليفتها إسرائيل. وفيما اعتبر خبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام أن "هناك الكثيرين في العالم العربي ينظرون بإكبار وانبهار بالنموذج التركي، كما ينظرون إلى أردوغان بوصفه "قائدا فذا" وزعيما ملهما"، رأى محلّل سياسي متخصّص في الشؤون التركية أن "النموذج التركي على أهميته، لا يصلح للتطبيق في الواقع العربي، ذي الخصوصية الجغرافية والتاريخية والنفسية"، كما لا يصلح أردوغان على نجاحه في بلاده، في إشباع الحاجة إلى زعيم مُلهم وقائد فَذ، يتمتع بكاريزمية خاصة، تتلاءم مع النفسية العربية". وحتى تتّضح الصورة، أجرت سويس انفو مقابلة في الرأي بين كل من: الدكتور أحمد منيسي، الخبير السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والخبير بمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية والمهتم بملف العلاقات العربية التركية، وعلاء فاروق، الباحث والمحلل السياسي ورئيس وحدة دراسات آسيا الوسطى بمركز القاهرة للدراسات التركية.. فكان هذا الموضوع. في البداية، وردّا على سؤال: هل كان الاستقبال الذي حظِي به أردوغان في مصر وتونس وليبيا، متناسبا مع التوقعات التي سبقت الجولة؟؛ يرى الدكتور أحمد منيسي، الخبير السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن: "كل التوقعات التي سبقت هذه الجولة، كانت تؤكِّد على أن استقبال أردوغان في هذه الدول، سيكون مميزاً. فقد كانت هناك ترتيبات خاصة لاستقباله وكانت هناك استعدادات من قِبل بعض التيارات السياسية للاحتفاء به. ومن هذا المنطلق، كان الاستقبال الرائع الذي قوبِل به أردوغان في مطار القاهرة من قبل شباب الثورة والإخوان المسلمين". وقال منيسي، المهتم بمتابعة ملف العلاقات العربية التركية في تصريحات خاصة ل سويس انفو "هذا الاستقبال الخاص الذي قوبِل به أردوغان، مردّه إلى عوامل متعدِّدة، منها: العلاقة التاريخية التي ربطت الدولة العثمانية بالدول العربية، ومنها أيضا المكانة المتميِّزة التي تحظى بها تركيا حاليا في النظاميْن الإقليمي والدولي تحت قيادة أردوغان، واستقلالية القرار التركي في سياستها الخارجية.ومنها أيضا – يضيف منيسي - شخصية أردوغان الكاريزمية، التي تستهوي الشعوب العربية، إضافة إلى التقارب العربي التركي ودعم أنقرة لتطلعات الشعب العربي في نيْل حريته، من خلال دعْمها للثورات العربية، كما أن التوتّر الذي تشهده العلاقات بين أنقرة وتل أبيب والموقف الحاسم لتركيا في مواجهة إسرائيل، عزّز من مكانة تركيا لدى الشعوب العربية. أردوغان.. ودوْر الزعيم الملهم وعمّا إذا يمكن لأردوغان أن يلعب يوما ما دوْر الزعيم الملهم أو القائد الفذ للشعوب العربية؟ يرى فاروق أن "المنطقة العربية لها طبيعتها الخاصة، ومن ثَمّ، فإن شعوبها تصطبغ بنفس هذه الطبيعة الخاصة، وهو ما يجعل نموذج "أردوغان الزعيم الملهم" صعب التطبيق في الواقع العربي أو أن يكون هو القائد الفذ لهذه الشعوب".ويستدرك فاروق قائلا: "بينما من المُمكن أن تكون الخطوات والآليات التي يتَّخذها أردوغان وأصحابه، ملهمة ومشجّعة للتحركات العربية، ولو من باب التقليد أو الغِيرة، خاصة فيما يخص التعامل مع الملف الإسرائيلي، ولعل قراراته الأخيرة شجّعت بعض شعوب بلدان الربيع العربي، ومنها مصر، على التحرّك بإيجابية نوعا ما، فيما يتعلق بالملف الإسرائيلي".وعلى النّقيض مما يراه فاروق، قال منيسي: "يحظى أردوغان بالفعل بمكانة خاصة في عقول وقلوب الكثير من الشعوب العربية، التي ترى فيه قائدا فذًا وزعيما ملهما، استطاع النهوض ببلده تركيا وتمكّن من تأسيس تجربة ملهمة، على صعيد التنمية والتطوير الديمقراطي، كما استطاع أيضا أن يؤسِّس لسياسة خارجية، كرّست من النفوذ التركي إقليمياً". تركيا نموذج للعالم العربي وردّا على سؤال: هل يصلح النموذج السياسي التركي للتطبيق في العالم العربي بعد الثورات القائمة؟ أوضح منيسي أن "النموذج التركي له خصوصية شديدة، وهو ابن بيئته، ولكنه قد يكون مصدَر إلهام للدول العربية، التي شهدت ثورات، وتحديداً مصدر إلهام للتيارات الإسلامية المتوقّع أن تلعب دوراً مِحورياً في الساحة السياسية لهذه الدول، لجهة دفع هذه التيارات إلى الانفتاح على الآخر وقبوله والقبول بقواعد التنافس السلمي والإيمان بحقيقة أنه يمكن تأسيس ديموقراطيات في الدول العربية وأن الإسلام ليس عائقا في هذا الاتجاه".ولعل هذا ما يفسِّر قيام وفْد من حزب الحرية والعدالة، عقِب تأسيسه، برئاسة الدكتور محمد سعد الكتاتني، الأمين العام للحزب، بزيارة خاصة لمقر حزب العدالة والتنمية التركي ولقائه بعدد من قيادات الحزب والحديث ساعتها عن تنسيق وتعاون أو مشروع تآخي سياسي بين الحزبين، المصري والتركي، ذاتَيْ المرجعية الإسلامية.متفقا مع منيسي، يقول المحلل السياسي علاء فاروق، رئيس وحدة دراسات آسيا الوسطى بمركز القاهرة للدراسات التركية في تصريحات خاصة "من وجهة نظري، فإن النموذج السياسي التركي لا يصلح كما هو للتطبيق في البلدان العربية، خاصة في الوقت الراهن، لأن النموذج التركي له طبيعته الخاصة وله تحركاته الخاصة، التي تخدم أجندة تركيا فقط، ويطبقها من مُنطلق قوي وبطريقة دبلوماسية من نواحٍ عدّة". جولة أردوغان.. مبادئ أم مصالح؟! وهنا يتساءل البعض: هل جاء الدّعم الذي تقدِّمه تركيا للثورات العربية نتيجة حِرصٍ حقيقيٍ على قِيم التحرر ومبادئ الديمقراطية، أم أن تحرّكات أردوغان وأوغلو (أحمد داود أوغلو، وزير خارجيته) في بلدان الربيع العربي وفي هذا التوقيت، تهدِف أساسا للترويج للنموذج التركي وتندرج في سياق بحث أنقرة عن دوْر جديد تلعَبه ومكانة بارزة تحُوز عليها في العالم العربي، خاصة في ظل الأوضاع الجديدة بالمنطقة، وبديلا لخلافها المتصاعد مع إسرائيل؟منيسي يعتقد أن "هذا الدّعم يُمكن النظر إليه بالفعل من زاوية رغبة تركيا في لَعِب دور إقليمي نشِط، في ظل الصّدود الذي تواجهه أنقرة بخصوص الإنضمام للاتحاد الأوروبي وفي ظل حِرص تركيا، تحت قيادة حزب العدالة والتنمية، على إحياء جذورها المَشرقية وتفعيل الروابط التاريخية مع العالم العربي".في المقابل، يرى فاروق أن "هذا الدّعم يمكن أن يكون قاصدا للهدفيْن معا، بمعنى أن تركيا حريصة على دعم الديمقراطية وقِيم التحرر، خاصة في الوطن العربي، لأن هذا التحرّر سيفتح مجالات أكبر للتعاوُن التركي العربي، ومن ثَمَّ تستفيد تركيا، سياسيا واقتصاديا، وهذا أمر مشروع وسلوك مطلوب ولا غُبار عليه. فهذه هي سُنَن السياسة"، مستبعدا أن "يكون هدف هذه التحركات، إيجاد مكانة ودور لتركيا في المحيط العربي".ويختتم فاروق بقوله: "أنا لا أتوقّعها بهذا الشكل، وهو السيْطرة أو التدخل في الشؤون الداخلية، لكن يظل يُغلِّفها الطابع البراغماتي بشكل كبير، وهو ما يجعل فِكرة السيطرة والبحث عن مكانة، أمْر مُستبعَد نوعا ما، من قبل النموذج التركي، خاصة في هذا التوقيت، حيث أن تركيا في مكان متميِّز وقريب من دول الإتحاد الأوروبي، وبعد الطّفرة الاقتصادية الأخيرة، بينما المنطقة العربية في حالة عدم اتِّزان سياسي واقتصادي، وهو ما يجعل السيطرة مُستبعَدة وغيْر ذات فائدة، وإن كان من غيْر المُستبعَد أن تكون مُستهدَفة، لكن على المدى البعيد".