الخبير في القضايا الدولية الدكتور محمد العادل يتحدث الخبير في القضايا التركية الدكتور محمد العادل في هذا الحوار عن المخطط الذي أرادت إسرائيل أن تمرره في منتدى دافوس العالمي، والذي أحبطه رئيس الوزراء التركي طيب أردوغان، كما يحلل ظاهرة عودة الأتراك للمحيط العربي والإسلامي بعد سنوات من تبني الحكومات التركية الاتجاه الأحادي في ربط العلاقات مع الغرب، كما يدعو، من جانب آخر، إلى تعزيز التعاون الجزائري- التركي في المجال العلمي والثقافي والفني.. * * حسب اعتقادكم، ما هي النتائج التي حصلتها تركيا بعدما حدث في دافوس؟ وما انعكاسات الحادثة على مكانة تركيا لاحقا إقليميا؟ * في تقديري أنّ هذه المواقف ستجعل من تركيا رقما صعبا لا يمكن تجاوزه في أي معادلة مقبلة في الشرق الأوسط، وإسرائيل تدرك بأن تركيا ليست محتاجة لإسرائيل، بل إسرائيل هي التي تسعى دوما لتركيا، لذلك فإن أي تسوية مقبلة في الشرق الأوسط ستكون تركيا طرفا رئيسيا فيها. * بل إن هذه المواقف التركية ستعزّز حظوظها أكثر في نيل العضوية في الاتحاد الأوروبي، فالعواصم الأوروبية التي ماطلت أنقرة طويلا ستلهث في المرحلة المقبلة وراء تركيا خوفا من أن يتعاظم دور تركيا في العالم الإسلامي والشرق الأوسط خاصة. * و لعلّ من أهمّ نتائج هذا الموقف أن أردوغان قد أفشل مخطّطا إسرائيليا لاستثمار منتدى دافوس لتحسين صورتها أمام العالم وتبرير عدوانها الوحشي على غزّة من خلال الترسانة الإعلامية التي جنّدتها إسرائيل في هذا المنتدى العالمي بالإضافة إلى تجنيد العدد الكبير من المحاضرين ومديري الجلسات المعروفين بتعاطفهم مع الصهيونية العالمية. * ولاشكّ أيضا أن مواقف أردوغان ستزيد من شعبية حزبه الذي يستعد لخوض غمار الانتخابات البلدية في نهاية شهر مارس المقبل. * لم يفهم المتابعون سرّ هذا التحوّل في تركيا نحو العالم العربي والإسلامي لاسيّما الموقف التركي الأخير من العدوان الإسرائيلي على غزّة، فإلى ما يعود هذا التحوّل؟ * منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في أنقرة عام 2002، والدولة التركية تسعى للمصالحة مع محيطها العربي والإسلامي، الذي أدارت له ظهرها لسنوات طويلة واتجهت الحكومات التركية المتعاقبة منذ ميلاد الجمهورية عام 1923 اتجاها أحاديا نحو الغرب، ولكن من الواضح أن تركيا اليوم تعيش تحوّلات مهمّة فرضت عليها جملة من المراجعات في سياساتها الداخلية والخارجية على مستويات عدّة، ويبدو لي واضحا كمتابع للشأن التركي من الداخل، أن أنقرة في عهد حكومة العدالة والتنمية قد قامت بتعديلات بارزة في نهج السياسة الخارجية لتركيا التي تسعى اليوم لتحقيق التوازن، فهي في الوقت الذي تحافظ فيه على علاقاتها المتينة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدةالأمريكية وإسرائيل، تتوجّه أيضا لترميم علاقاتها مع أطراف دولية أخرى مثل روسيا والصين والهند، ولكن تعطي أنقرة أولوية قصوى ليس فقط لتحقيق مصالحة تاريخية مع محيطها العربي والإسلامي والأفريقي، بل لإقامة شراكة استراتيجية مع هذه البلدان. * لذلك فإن الموقف التركي الأخير الرافض للعدوان الإسرائيلي على غزّة يتوافق وهذا التوجّه التركي الجديد ذو البعد الاستراتيجي نحو محيطها العربي والإسلامي، حيث لا تخفي أنقرة سعيها للقيام بدور إقليمي فاعل خاصة في منطقة الشرق الأوسط. * كثيرا ما يردّد بعض الملاحظين معارضة أوساط تركية للتوجه التركي الجديد نحو البلدان العربية والإسلامية، وكذلك للمواقف الأخيرة لأردوغان بشأن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، فكيف تقدّر الموقف الشعبي من هذه المواقف؟ * لا شكّ أن هذا التوجّه الجديد لتركيا للمصالحة مع محيطها العربي والإسلامي يزعج بعض الأطراف الداخلية والخارجية، ويحاول أن يصوّره بعض الأشخاص على أنّه محاولة من أنقرة للبحث عن بدائل للاتحاد الأوروبي بعد مماطلة العواصم الأوروبية بشأن عضوية تركيا في هذا الاتحاد، وقد يكون هذا الرفض الأوروبّي المقنّع واحدا من الأسباب التي دفعت أنقرة لمراجعة عديد من خياراتها لكنّه بكلّ تأكيد ليس السبب الوحيد، وتقديري الشخصي أن قناعة الدولة التركية بأنّ أمنها القومي ومصالحها الإستراتيجية مرتبطة أكثر بمحيطها العربي والإسلامي هي التي تدفعها اليوم لإقامة شراكة استراتيجية مع البلدان العربية والإسلامية والأفريقية أيضا. * وقد حاول أصدقاء إسرائيل داخل تركيا من إعلاميين ومجتمع مدني وسياسيين معارضة موقف الحكومة التركية الأخير الرافض للعدوان الإسرائيلي على غزّة ولكنّ أصواتهم بقيت نشازا أمام التحرك الجارف لمختلف الأوساط الشعبية التركية المساندة للشعب الفلسطيني. * ولكن، ما الهدف من إرسال إسرائيل طائرات بدون طيار إلى تركيا؟ هل هي مصالحة عسكرية؟ * صفقة الطائرات بدون طيّار التي ينتظر أن تستلمها تركيا من إسرائيل ليست مصالحة عسكرية وإنما هي صفقة سبقت هذه الأزمة ولا أعتقد أنه من مصلحة إسرائيل توظيف هذه الصفقة سياسيا وإلا ستلحق الضرر الكبير بتعاونها العسكري مع تركيا، وستدفع الأتراك إلى اتخاذ مواقف أكثر حدّة من إسرائيل وهذا ما لا ترغبه تل أبيب. * وكيف تقرؤون موقف السيد باباجان من تخييره لحماس بين المقاومة والعمل السياسي؟ هل هو رأي آخر في الحكومة، أم مجرد تكتيك وتقاسم للأدوار بين المسؤولين؟ * إن تركيا التي تسعى للعب دور فاعل في منطقة الشرق الأوسط وخاصة في جهود لمّ الشمل الفلسطيني، ترغب أن تظهر بصورة متوازنة مع مختلف الأطراف الفلسطينية، لذلك فالتصريحات الأخيرة لوزير الخارجية التركي تصبّ في تقديري في هذا الاتجاه، وهي بذلك تحاول أن تقف على مسافة واحدة مع مختلف الفصائل الفلسطينية لأن حكومة أردوغان متهمة بأنها مساندة لحماس، وأن حماس تستقوي بالموقف التركي أيضا، لذلك فهذه التصريحات يبدو لي أنها شكل من أشكال الترويض السياسي من قبل أنقرة لحماس والتلميح لها بضرورة الاستعداد لتقديم بعض التنازلات في سقف مطالبها أمام بقية الفصائل الفلسطينية إذا كانت جادة في تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية. * باعتباركم رئيسا للجمعية التركيّة العربيّة للعلوم والثّقافة والفنون بأنقرة، كيف تقيّمون مستوى التعاون الثقافيّ بين تركيا والعالم العربيّ ؟ * الجمعية التركية العربية للعلوم و الثقافة و الفنون هي مبادرة مدنية من داخل الساحة التركية لتكون جسرا ثقافيا بين العالمين التركي و العربي و محاولة لإزالة الجدران الوهمية و الحواجز النفسية بين العرب و الأتراك العالقة منذ فترة الاستعمار أو الصراعات القومية في الجانبين، لذلك فالجمعية التركية العربية تعمل من أجل المساهمة في وضع رؤية جديدة للعلاقات التركية العربية تهيّء الأرضية لشراكة استراتيجية ، و نحن ندرك في الجمعية التركية العربية بان التقارب الحقيقي بين الشعوب تصنعه الثقافة بمفهومها الشامل قبل السياسة و الاقتصاد ، لذلك نرى بأنّ علاقات التعاون الثقافي بين العالمين التركي و العربي لا تزال متواضعة جدّا و السبب في ذلك أن رجالات العلم و الثقافة و الفنون تخلّوا عن دورهم و رسالتهم و تركوها في يد الحكومات و السياسيين فقط ، فنحن نرى بأن الحكومات تمهد الطريق من خلال ما توقّعه من اتفاقيات لكن تفعيل تلك الاتفاقيات و تحقيق التعاون الثقافي العربي التركي لا يمكنه أن يتحقّق الاّ بتحرّك النخب التركية و العربية و هيئاتهم المختلفة : العلمية و الثقافية و الفنية و المجتمع المدني و الإعلام. * * هل لدى الجمعية التركية العربية تصوّرات معينة للتعاون مع الساحة العلمية و الثقافية الجزائرية ؟ * الجمعية التركية العربية للعلوم و الثقافة و الفنون هي منظمة علمية و ثقافية انطلقت كمبادرة اهلية من داخل تركيا تسعى ان تكون جسرا ثقافيا بين العرب و الأتراك من خلال تحقيق المزيد من التواصل و التعاون فيما بين النخب العربية و التركية و مختلف هيئاتهم العلمية و الثقافية و الفنية بعيدا عن أية قوالب ايديولوجية ، و الجمعية التركية العربية حريصة كل الحرص على التعاون مع الهيئات الجزائرية الرسمية و الأهلية بما يساهم في تطوير التعاون الثقافي بين البلدين و الشعبين الصديقين الجزائري و التركي ، و يحقّق ايضا المزيد من الحضور الثقافي الايجابي للجزائر في الساحة التركية ، فالجمعية التركية العربية مستعدة للمشاركة بمعارض عن المخطوطات و الوثائق العثمانية المتعلقة بالجزائر ، و كذلك تنظيم حلقة دراسية للفت نظر الباحثين الجزائريين الى أهمّية المخطوطات الموجودة في المكتبات التركية العريقة عن الجزائر و لم يتم تحقيقها حتى الآن ، بالاضافة الى ذلك فالجمعية التركية العربية مستعدّة للتعاون مع المؤسسات الجزائرية المعنية للتعريف بالانتاج الفكري و الثقافي و الأدبي الجزائري و ترجمته الى اللغة التركية وكذلك اقامة معارض للرسّامين و الخطّاطين و الصناعات التقليدية الجزائرية في الساحة التركية ، و في هذا الاطار يسرّنا جدا ان نتعاون مع أية الهيئات الجزائرية المعنية لتنظيم أيام الأدب الجزائري في تركيا ، أو ندوة علمية عن واقع العلاقات الجزائرية التركية و آفاقها ، بالاضافة الى تحقيق التوأمة بين عدد من الجامعات التركية و الجزائرية ، و الجمعية التركية العربية حريصة جدا على المشاركة في مختلف الفعاليات العلمية و المهرجانات الثقافية في الجزائر. * * سيرة ذاتية مختصرة : * محمّد العادل * حاصل على الدكتوراه في العلوم السياسية * خبير في العلاقات العربية التركية * أستاذ العلاقات الدولية في أكاديمية العلوم بأنقرة * الرئيس المؤسّس للجمعية التركية العربية * للعلوم و الثقافة و الفنون ( مقرّها أنقرة ) * يحمل الجنسيتين التونسية و التركية * [email protected] *