الاستمتاع بالسفر إلى جيجل، يبدأ من الطائرة. فعند بداية الهبوط التدريجي، سوف تشاهد لوحة واحدة زاخرة بكل الألوان الطبيعية، وإن غلب عليها اللون الأخضر واللون الآزوردي لمياه البحر الأبيض المتوسط، الذي يحيط بها من كل جهة، سوف ينتابك شعور بالإعجاب لمعالم هذه اللوحة التي تمتاز بحسن الترتيب، وأهل مدينة جيجل يكثرون الترحيب بزوارهم، وعاصمة الكورنيش لبست حلّة جديدة وتستعد لاستقبال 12 مليون سائح ومصطاف، بالرغم من أنها تعاني عجزا كبيرا في هياكل الإيواء، والغرابة تكمن في أنها صنّفت من بين الولايات السياحية بامتياز، لكنها تفتقر لمركب سياحي ب 05 نجوم، عكس جارتها ولاية عنابة. تتوفر ولاية جيجل على شريط ساحلي بطول 120 كلم، ابتداء من شاطئ وادي زهور على حدود ولاية سكيكدة شرقا، إلى غاية الشاطئ الأحمر بزيامة المنصورية غربا، مع حدود ولاية بجاية غربا، ومروراً على عدة شواطئ كسيدي عبد العزيز المنار الكبير أفتيس، ومنحت اللجنة الولائية لتحضير موسم الاصطياف 2009 الضوء الأخضر للسباحة في 21 شاطئا محروسا، بينما منعتها بكل من شواطئ الأشواط، آزارود وشاطئ ببلدية العوانة، لأنها ملوثة. وأجريت تحاليل على مياه البحر بالشواطئ المحروسة، أكدت على سلامة مياهها من أي تلوث. واختير شاطئ كتامة بعاصمة الولاية كشاطئ نموذجي لهذه السنة، نظرا لتوسطه المدينة وتوفره على عوامل الراحة وقربه من حي الشاطئ. ومع عطلة نهاية الأسبوع، كانت "الأمة العربية" في رحلة استطلاعية لكورنيش جيجل، كان كل شيء يوحي بأن موسم الاصطياف آن أوانه دون سابق إنذار، من خلال قوافل الحافلات التي كانت تعمر الطريق الرابط بين العوانة وزيامة المنصورية، بترقيم ولائي متنوع كسطيف وباتنة وقسنطينة، وترقيمات لسيارات المغتربين القادمين من فرنسا، ممثلة في أولى دفعات المغتربين التي تفضّل قضاء عطلتها بشواطئ جيجل الساحرة. كما كانت الحركة السياحية نشطة من خلال إقبال زوار الولاية على زيارة حديقة الحيوانات وكذا المعالم السياحية، كالكهوف العجيبة ومغارة غار الباز، وقد وقفنا خلال هذه الجولة على مدى إقبال المصطافين على شاطئ الكهوف العجيبة للتمتع بزرقة البحر وخضرة الغابات المحيطة، وكذا اللعب مع القردة التي صنعت الحدث للأطفال، من خلال تقديمهم لها الموز وسرقة ذكريات معها بواسطة الهواتف النقالة. * أكثر من 500 دركي لتأمين موسم الاصطياف إذا كان توفير أمن المصطافين وحمايتهم من أولى الضروريات لإنجاح أي سياحة في أي منطقة في العالم، فإن المجموعة الولائية للدرك الوطني بولاية جيجل جنّدت في إطار "مخطط دلفين" أكثر من 500 دركي في جميع الشواطئ المحروسة والمراكز السياحية الدائمة، على غرار شواطئ المزائر بسيدي عبد العزيز والعوانة وبني بلعيد وزيامة المنصورية، وغيرها من الشواطئ التي يتواجد بها مراكز خاصة بالدرك الوطني. كما تسهر الوحدات على نصب الحواجز الأمنية بالطرقات، خاصة على مستوى الطريق الوطني رقم 43 الرابط بين جيجلوقسنطينة، مرورا بولاية ميلة، والذي يشهد حركة كبيرة للمصطافين الوافدين عبر السيارات والحافلات في عطلة نهاية الأسبوع، وذلك تفاديا لوقوع حوادث المرور القاتلة، الناجم أغلبها على السرعة المفرطة للسائقين وكذا الحركات البهولانية لبعض الشباب المصطافين، تعبيرا عن فرحهم بالقدوم إلى البحر والتمتع بأمواجه. ولمكافحة الإجرام وحماية المصطافين، سوف تسخر المجموعة الولائية للدرك الوطني كل إمكانياتها المدعمة بوحدات التدخل الخاصة، وفرق الكلاب المدربة وبوسائل متطورة في الكشف عن المخدرات والمتفجرات. * موسم الاصطياف يشرّد أكثر من 500 عائلة إذا كان موسم الاصطياف نعمة على سماسرة العقار، فإنه نقمة على العائلات الفقيرة التي لا تملك سكنات والتي تقوم مرغمة بكراء شقق أو فيلات لمدة 09 أشهر فقط، لاشتراط مغادرها وإخلائها في الصيف حتى يتم كراؤها بأسعار خيالية تتجاوز 3000 دج لليوم الواحد. وفي هذا الإطار، وجدت أكثر من 500 عائلة فقيرة نفسها مشردة خلال الصيف. وعن هذه الظاهرة التي أصبحت موضة في جميع البلديات السياحية، يقول أحد المواطنين: "أنا بطال، لكني تحصلت على سكن اجتماعي. ونظرا لوضعيتي الاجتماعية الصعبة، قررت السكن مع عائلتي الكبيرة وأقوم بتأجير شقتي القريبة من البحر من نوع F3 على طول السنة ب 3000 دج شهريا وأشترط مع المستأجر إخلاءها في شهري جويلية وأوت لأقوم بكرائها ب 3000 دج يوميا، مما يعني أنني أجمع 18 مليون سنتيم خلال موسم الاصطياف، وهو مبلغ مالي محترم أتكفل به بعائلتي على طول السنة". * تراجع الإرهاب أعاد الانتعاش السياحي تراهن عاصمة الكورنيش الجيجلي على استقبال 12 مليون مصطاف عبر شواطئها، بعد توفير جميع وسائل الراحة والاستجمام، لاسيما في جهازها الأمني، خاصة بعد تراجع العمليات الإرهابية مقارنة بسنوات "الحديد والنار" خلال العشرية الحمراء، حينها طلّق المصطافون الشواطئ وأصبحت الأبقار تتجول لوحدها وتغازل أمواج البحر، كما حدث بشواطئ بلدية العوانة، لكن صيف 2009 سيكون مغايرا، خاصة بعد عودة الأمن إلى المنطقة وقيام القوات المكلفة بمكافحة الإرهاب بوضع مخطط أمني يهدف إلى محاصرة الجماعات الإرهابية في معاقلها مع قصفها جوا في حالة ورود معلومات عن تحركاتها وتمشيط المنطقة، وهي خطة استراتيجية اعتمدت على العمل الاستخباراتي والحس المدني، مما جعل الإرهابيين بين خيار الاستسلام أو الموت تحت الحصار. كل هذه العوامل، أعادت الإنتعاش السياحي للولاية ومنذ عدة سنوات، حيث توافد على شواطئها خلال صيف 2008 الماضي 14 مليون مصطاف، حسب إحصائيات للحماية المدنية. وبعودة الأمن، اعتمدت السلطات المحلية على إعادة الاعتبار للسياحة الجبلية من خلال فتح فضاءات سياحية بكل من دراع الدسة بتاكسنة، ولمشاكي ببلدية جيملة. سكان جيجل يطردون ضيوفهم إلى تونس تعاني ولاية جيجل من نقص كبير في الهياكل السياحية، حيث يوجد 21 فندقا أغلبها فنادق شعبية، ويبقى فندق "الجزيرة" الذي فتح أبوابه في الصيف الماضي أحسن وجهة للعائلات الغنية، حيث يتراوح سعر الغرفة الواحدة خلال موسم الاصطياف ما بين 5000 و7000 دج للواحدة، لكن موقع الفندق يوفر الراحة للزوار. أما سعر الشقة الواحدة من F4 أو طابق بإحدى الفيلات، فيصل حدود 5000 دج. هذه العوامل، جعلت بعض العائلات تنفر من جيجل بإيعاز من أهلها الذين يبحثون عن الربح السريع، على غرار عائلة عمي داود التي أتت من بسكرة وقررت بعد نقاش حاد مع أفرادها الذهاب إلى تونس بدل جيجل، لأن صاحب الفيلا التي أرادت كراءها طلب 5000 دج لليوم الواحد، مما يعني أنها تدفع 15 مليونا شهريا. أما عبد الرزاق القادم من قسنطينة، فقال لنا "جيجل محافظة وأهلها طيبون، لكن العقار بها أصبح "حارا" ولا يمكنني دفع 3000 دج لليوم الواحد، فأنا قررت العودة إلى تونس حيث المتعة السياحية وحسن الاستقبال. وبعيدا عن الشقق والفيلات، ارتفع سعر الخيمة الواحدة إلى حدود 1500 دج في مخيمات صيفية متواجدة على طول الشريط الساحلي".