يتصاعد الحديث مجددا، هذه الأيام، حول ضرورة "الحوار" بين الجهات الأمنية والجماعات الإرهابية، بعد التراجع الذي سجلته هذه الأخيرة في شن حملاتها العدائية والنزول من الجبل من أجل التوصل إلى نتائج إيجابية مفيدة وتكريس روح المصالحة الوطنية وتصحيح المنطلقات التي تساهم في إنجاح الحوار. فقد سجلت السنتان الأخيرتان (2008 و2009) انخفاضا كبيرا في العمليات الإرهابية، مقارنة مع سنة 2007، وهذا بفضل السياسة الأمنية المحكمة التي وضعتها المؤسسة العسكرية، بتكثيف تغطياتها الأمنية والتصدي لأي اعتداء إرهابي، كذلك نجاح مشروع المصالحة الوطنية الذي صوّت عليه الشعب الجزائري. تقول إحصاءات أجرتها بعض المواقع العربية، إنه تم إحصاء حوالي 75 قتيلا ما بين إرهابيين وأعوان أمن ما بين السداسي الأول والثاني من 2009، أي من مارس إلى غاية أوت الجاري. نفس الأرقام تقريبا تم تسجيلها السنة التي سبقتها (2008)، في حين عرفت سنة 2007 ارتفاعا مذهلا في العمليات الإرهابية والتفجيرات، بحيث تجاوز عدد القتلى 134 قتيلا من كلا الجانبين. أما المصابين، فهم يعدون بالمئات كذلك. تمركزت هذه العمليات الإرهابية في العديد من الولايات الساحلية والجبلية (تيزي وزو، بومرداس، البويرة، جيجل...)، غير أن عاصفة التمرد والعصيان امتدت إلى الولايات الأخرى، ومنها باتنةوقسنطينة وحتى بسكرةالمدينة الآمنة، ذلك إثر الكمين الذي نصبه إرهابيون في 26 ماي الماضي، قتلوا فيه 9 جنود بالرصاص. وتواصلت العمليات الإرهابية خلال شهري جويلية وأوت الجاري، وكانت آخر عملية قامت بها ما يسمى ب "الجماعة السلفية للدعوة والقتال"، تلك التي وقعت في البويرة بمقتل 03 إرهابيين وإرهابيين في سطيف، وذلك في 17 جوان الماضي. وللإشارة هنا، فإن ولاية قسنطينة لم تعرف أي اعتداء إرهابي منذ بداية السنة الجارية، ماعدا بعض الإشتباكات الخفيفة على مستوى "جبل الوحش"، كانت دائما تنتهي بالفشل بفضل تطويق عناصر الأمن للمنطقة. كانت أعنف الحوادث التي شهدتها الجزائر، الإنفجار الإنتحاري الذي نفذته "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" في 06 سبتمبر 2007 بولاية باتنة، أسفر عن مقتل 20 شخصا وإصابة أكثر من 107 بجروح، وذلك قبل زيارة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة إلى هذه الولاية، يليه الحادث الإرهابي المؤلم الذي وقع في 11 ديسمبر 2007 إثر الإنفجار الذي مس مكاتب الأممالمتحدةبالجزائر العاصمة، ترك أثرا قويا لدى الرأي العام الوطني والدولي، وتناولته وسائل الإعلام الوطنية والدولية بشيء من الاهتمام والجدية، وأصبح حديث العام والخاص حتى على مستوى المواقع الإلكترونية التي خرجت تحت عناوين مختلفة "ضربة قوية لمكاتب الأممالمتحدة"، لدرجة أنهم شبهوه بهجوم 11 سبتمبر 2001، حيث راح ضحيته ما يزيد عن 41 قتيلا، منهم موظفين في مكاتب الأممالمتحدة من مختلف الجنسيات، حيث تبنى ما يسمى بتنظيم "القاعدة" العملية، الأمر الذي جعل الجهات الأمنية تكثف من تدخلاتها. كانت معابر الطرق ومداخل الولايات، قد شهدت تشديدات أمنية وحراسة مشددة، عن طريق إقامة الحواجز في الطرقات والنقاط الرئيسية على مداخل المدن والولايات وتسييج المناطق التي تتواجد فيها الجماعات الإرهابية بالأسلاك الكهربائية، فضلا عن عمليات التمشيط لإكتشاف "كازمات" هذه الجماعات، الهدف منها غلق المنافذ أمام الإرهابيين. ما يدعو إلى الإطمئنان اليوم، هو المبادرة التي قامت بها الجماعات الإرهابية إثر إعلانها بوقف العمل المسلح وتسليم نفسها بمنطقة القبائل وتبنيها لغة الحوار الجاد. وربما عودة "الهدوء" إلى هذه المنطقة، يشجع مهندس المصالحة الوطنية، رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، للقيام بزيارة منقطة القبائل، وبالخصوص تيزي وزو، مع الدخول الإجتماعي، أي في الأيام الأولى من شهر سبتمبر المقبل، وهذا لبعث استراتيجية اقتصادية واضحة المعالم وفتح صفحة جديدة مع القبائل، ملؤها الأمل والتفاؤل.