انطلاق الدورة ال38 للجنة نقاط الاتصال للآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء بالجزائر    قانون المالية: المحكمة الدستورية تصرح بعدم دستورية التعديلات الواردة على المواد 23 و29 و33 و55    الجزائر ترحب "أيما ترحيب" بإصدار محكمة الجنايات الدولية لمذكرتي اعتقال في حق مسؤولين في الكيان الصهيوني    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    توقيف 55 تاجر مخدرات خلال أسبوع    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    تقليد المنتجات الصيدلانية مِحور ملتقى    اللواء سماعلي قائداً جديداً للقوات البريّة    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    أكثر من 500 مشاركاً في سباق الدرب 2024    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    فلاحة: التمور الجزائرية تصدر إلى أكثر من 90 دولة    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    وزير الصحة يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة:عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 44056 شهيدا و 104268 جريحا    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    غزة: 66 شهيدا و100 جريح في قصف الاحتلال مربعا سكنيا ببيت لاهيا شمال القطاع    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الملفات التي تمس انشغالات المواطن أولوية    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    "صفعة قانونية وسياسية" للاحتلال المغربي وحلفائه    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    مجلس الأمن يخفق في التصويت على مشروع قرار وقف إطلاق النار ..الجزائر ستواصل في المطالبة بوقف فوري للحرب على غزة    40 مليارا لتجسيد 30 مشروعا بابن باديس    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    خلال المهرجان الثقافي الدولي للفن المعاصر : لقاء "فن المقاومة الفلسطينية" بمشاركة فنانين فلسطينيين مرموقين    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ظاهرة يتسع انتشارها يوما بعد يوم
مقابر أضحت وكرا لممارسة الشعوذة، والرذيلة واحتساء الكحول
نشر في الأمة العربية يوم 27 - 09 - 2009

الكل يعلم حقيقة العلم بأن للمقابر في الشريعة الإسلامية هيبة، وحرمة وحرمتها أيما حرمة، باعتبارها بيوتا للأموات، وفرض الإسلام على داخليها من المسلمين آدابا من بينها السلام على أهل القبور عند الدخول وشدد في احترامها، لكن مانراه اليوم في البعض منها من انتهاك لحرمتها وذلك بانتشار بقايا السجائر وقارورات الخمر الفارغة وفضلات الطعام والنفايات من كل الأنواع التي لم تجد لها مكانا غير المكان الذي يرقد فيه الأموات وممارسة الشعوذة علنا وفي ضوء النهار، وفي بعض الأحيان على مرأى كل الناس التي أضحت مهنة رائجة في بعض المقابر التي زارتها "الأمة العربية" وكذا في بعض الأحيان أماكن لكسب الرزق من قبل محترفي التسول.
هي ظاهرة انتشرت في السنوات الأخيرة وبشكل ملفت للانتباه، فظاهرة التعدي على حرمة الأموات في المقابر لم نكن نسمع بها من قبل، بل إن الكثير من أبناء هذه الأمة كان يعدها كبيرة من الكبائر، قارورات الخمر وبقايا الطعام وحتى رمي النفايات التي يتخلص منها المجانين والمتسولون، فالمقابر اليوم أضحت مركزا من بين مراكز عمل المشعوذات، فتحولت من مقابر لاستقبال الأموات إلى مراكز لفك الربط عن المربوطين من الأزواج ولتزويج العوانس، وماء القبر من أحسن وصفات التي تستعملها المشعوذات، ومرتع لاحتساء الكحول وقراءة الحظ، بل المخزي في الأمر أنها أضحت مكانا لتواعد العشاق على حوافي القبور، وملاذا آمنا للصوص الذين قد يهاجمون كل من يزور أهله من الأموات، خاصة وأن الرقابة والأمن يكادان يكونان شبه مفقودين في كثير من المقابر سواء الكبيرة منها كالعاليا، أو حتى الصغيرة مثل مدفنة سيدي موسى تراب الميت.
حكى لنا الكثير من الأحباب عن الغرائب التي تجري في العاليا، التي تحولت في وقت قصير إلى مكان تعالج فيه الشابات اللواتي تعانين العزوبة أو حتى المربوطات كما يقال عن الزواج أو حتى التعطيل للإقبال على الزواج، هي قصص ذاع صيتها بين محبي التندر، وكلمات عديدة ساقنا إليها حب الاطلاع وكشف الحقيقة فبحثنا في يوميات رواد المقابر، ف"العاليا" تحولت في نظر الشابات إلى مركز للعلاج من السحر، ومن التخلص من العنوسة، أو فرصة للظفر بفارس الأحلام، قصدناها يوم الجمعة صباحا، عند دخولنا ظننا أننا في سوق لولا مراقد الأموات التي أكدت لنا شيئا آخر، لأننا وجدنا نساء وشابات يتجولن في داخل المقبرة والملفت للانتباه، أنه لا مظاهر الاحترام في ملابسهن ولا في وجوههن، مما يوحي بأنهن لم يأتين لزيارة موتاهن، بل أكدت لنا العكس وحقيقة ما نبحث عنه، لأنه بعد أقل من ربع ساعة شاهدنا عجوزا في 65 سنة من عمرها تجلس إلى جانب قبر وأمامها خمس بنات من عائلة واحدة جاءت لتحل لهم رباط السحر الذي يعانين منه واستعملت قارورة ماء وسقت بها قبر الميت الذي كانت تجلس بالقرب منه، وغير بعيد عن هذه المشعوذة شاهدة بأم عيني ثلاث نساء يأخذن التربة من قبر ميت مدفون جديد، ويضعنها في أكياس صغيرة سوداء حتى لا ينتبه لهن أحد، راودتني حيرة كبيرة لما يجري، لماذا يأخذن التراب في الكيس ولأي غرض يستعملنه، ثم تساءلت كيف يحصل هذا وأعوان الأمن موجودون، لكن لا حياة لمن تنادي فهم غائبون عن العمل طوال فترة الدوام، وحسب ما أفادتني به إحداهن بأنها تتسلل إلى الداخل بصفتها متسولة هذا ما يكون عائقا في وجه أعوان الأمن من طردها من المقبرة.
فيما تبقى مساحات المقابر تضيق باستقبال ساكنيها الجدد أي الأموات وتعجز حتى عن استقبالهم في وقت الحاجة ، تتحول إلى أماكن تثير العجب أمام صمت المسؤولين، انتشار الظواهر الشاذة بكل أشكالها تجد مكانا لها في المقابر، منها ما يحدث في مقبرة "العاليا "التي تحولت إلى مركز لتواعد العشاق والمحبين، وعلى مدار السنة أصبحت مكانا للتواعد وهذا راجع لقربها من المركز الجامعي أي جامعة هواري بومدين والإقامة الجامعية للبنات بباب الزوار ليجدوا الراحة التامة بجنب الأموات، فلا رقيب ولاحسيب على الإزعاج الذي يقدمونه بالمجان للأموات، ولا أحد يعرقل جلستهم الحميمية..
أضحت المقابر تجد متسعا لإيواء السكارى ومتعاطي المخدرات والمتسولين وحتى اللصوص، وكذا مكانا للتخلص من كل أنواع النفايات والفضلات خاصة قارورات الخمر التي ترمى بجانب القبور، من غير استحياء ولا احترام لحرمتها، وحتى المشاجرات التي تحصل كثيرا بين المتسولين والسكارى، وتعالي الأصوات في كثير من الأحيان بالكلام الفاحش والبذيء داخل حرم المقبرة، كل هذا من الأفعال المخلة بالحياء تكون على مسامع الأموات، فعوض الدعاء لهم بالرحمة والمغفرة، أضحت تصلهم شتائم السكارى ولا يتوقف الأمرعند المناظر والروائح المقززة، بل تعداه إلى حالات كثيرة للاعتداء التي تتعرض لها النساء خاصة السرقة والاعتداء الجسدي، هذا ما حدثنا عنه حارس مقبرة "سيدي موسى" بالحميز عن إحدى زائرات المقبرة، "الحاجة فتحية" يقول أنها تعرضت للاعتداء بالسلاح الأبيض في يدها عندما كانت تزور إبنها دفين المقبرة، ولأنها كانت بمفردها حاول أحد اللصوص سرقة الذهب الذي كانت ترتديه، وهددها بالخنجر بقطع أصابع يدها، وحالات السرقة كما قال كثيرة وتحصل تقريبا يوميا من طرف شباب يتعاطون المخدرات خاصة في المقابر الكبيرة المفتوحة وغير المسيجة، وذلك في ظل نقص الرقابة والأمن وهذا حال الكثير من المدافن في الجزائرعلى غرار العاليا ومقبرة القطار التي يستحيل زيارتها في أوقات الظهيرة وتبقى 141 مقبرة للمسلمين في حالة ضياع تام دون أمن أو رقابة للأموات وهذا مايكاد يخرجهم عن صمتهم حول ما يحصل في المقابر، وفيما يبقى الكثير يدعي حرصه على بقاء الأمان وتوفير الراحة لزائري المقابر والحفاظ على كرامة الأموات تبقى مقابر الجزائريين وكرا للفساد إلى أن ينطق الأموات منادين باحترامهم.
أكدت الإعلامية "منى.ن" في بحث أجرته منذ أيام، بأن هناكَ 55٪ من المترددات على السحرة ومن يقمن بنبش القبور، هنَّ من المتعلمات ومن المثقفات، و24٪ ممن يُجدن القراءة، لتضيف في نفس السياق بأنه يوجد وراء كل ممارسات "الشعوذة" و"السحر" فئة من التجار الأكثر استفادة من هذه الممارسات، وهم العطارون والمتخصصون في المتاجرة بالأعشاب، الذين بلغ بعضهم درجة الثراء، بسبب بيعه ل "مخ الضباع" أو أجزاء من حيوانات ميتة، بدعوى أنها تجلب الشفاء، وتقدم حلولا عاجلة للمرضى، بالإضافة إلى الذين يبيعون الأعشاب لصناعة "السحر"، وتراب القبر تحت الطاولة في كثير من الأحيان.
غيرنا الوجهة إلى غرب العاصمة ودخلنا بلدية بئر خادم قاصدين مقبرتها، غير أن منظر الاعتناء بها بدا عليها من الخارج، حتى جدرانها كانت مطلية نظيفة ومساحاتها بالداخل كانت هي الأخرى نظيفة، أما الملفت للانتباه هو اكتظاظها حيث لم يبق فيها موقع للدفن، إذا كان آخر قبر قد دفن بها يعود لعجوز، بيد أنها فتحت بعدها لتستقبل أطفالا رضعا، فصيغ القبر الأخير بحلة جمالية متناهية النظير، قبر امرأة كبيرة حفت بأربعة قبور لأطفال كبشرى من بشائر القبول، ولما سألنا الفتاة التي وجدناها بالقرب من القبر تقرأ القرآن على والدتها من المصحف، قالت لنا بأن القبر هو قبر والدتها، وبأنها تداوم على قراءة الكهف كل جمعة على قبر والدتها سائلة بذلك العلي القدير أن يبلغها الأجر والثواب كما حكت لنا لطائف عن صلاح والدتها، إذ قالت بأن والدتها قبل وافتها بأسبوع كانت تستعد للعمرة في شهر رمضان، وأنها كذلك بسنوات غير بعيدة لما اقتسمت الأرض التي ورثتها مع إخوتها من الذكور والإناث وهبت القطعة للمسلمين قصد استغلالها في دفن أمواتهم، وغير بعيد عن هذا القبر الذي نحسبه إن شاء الله عنده مباركا، شاهدنا امرأة أخرى وفي يدها فسيلة، تقوم بغرسها فتح الله عليها بكلمات بليغات عند حديثنا معها، إذ قالت بأنها ستنوي ثواب هذه الشجرة لوالدتها وبأن القرآن الكريم قد تحدث عن تسبيح الشجر والحجر وشهادته يوم القيامة، مما يعني بأن ثواب تسبيح هذه الشجرة سيلحق والدتها بإذن الله مابقيت.
ماسجلناه خلال حديثنا مع المواطنين هو إشادتهم بالمبادرة الإيجابية لمصالح النقل الحضري والشبه الحضري، خلال إقدامها على ضمان النقل باتجاه المقابر "بن عمر"، "قاريدي"، والعالية وغيرها من المقابر، بشكل عاد باتجاه جميع الخطوط، هذه المبادرة وصفها العديد من الذين تحدثنا بالمتميزة والنوعية وبوجوب استنانها عند المؤسسة كسنة حميدة خلال المناسبات الدينية.
تعد المقابر الوجهة الثانية لأبناء الجالية الجزائرية بالمهجر، حيث بعد زيارة ذويهم وأقاربهم وأصدقائهم من الأهل والأحباب والمعارف تأتي المقابر في المرتبة التي تليها، فهم يحرصون أيما حرص على عدم تفويت ذلك الرابط الذي يستعيدون به الماضي، فهناك من يزور قبر الوالد أو الوالدة، وهنالك من يزور قبر الزوج أو الزوجة رفيقة الدرب. ونحن نتجول بمقبرة العاليا صادف وجودنا عائلة مقيمة في المهجر تحاول بمساعدة أحد أعوان الحراسة البحث عن قبر والدة رب العائلة، تقربنا منه فرد علينا " في كل مرة تتسع مساحة المقبرة وهو ما يصعب علي إيجاد القبر، لكن الحمد لله أنني أحفظ رقمه فأطلب في كل مرة مساعدة الأعوان" وما لمسناه في هذه العائلة التي كانت متكونة من الأم والأبناء، أنها لا تزال محافظة حتى على تقاليد الجزائريين في زيارة موتاهم، حيث حملت الأم معها ربطة من نبتة "الريحان" في حين وضعت الفتاتان خمارات على رؤوسهن، وهو ما حرصت الوالدة على تأكيده "صحيح أننا نعيش خارج الوطن، لكن أصولنا وتقاليدنا لا يمكن أن تمحوها سنين الغربة، فأنا أحاول في كل مرة تدريب أبنائي على التصرفات الحسنة سواء خلال زيارة الأهل أو المقابر" مضيفة "أملي أن أدفن في أرض أجدادي ويأتي أبنائي لزيارتي" هذه هي الرسالة التي يحاول المغتربون غرسها في أذهان وتصرفات أبنائهم بعدهم.
زيارة القبور لا تنحصر على أبناء الجالية الوطنية المقيمة في المهجر، بل تسجل يوميا زيارة أعداد كبيرة من السواح للمقابر المسيحية بالعاصمة على غرار مقبرة بولوغين أو العالية، والغرض من ذلك على حد تعبير أحد أعوان الحراسة سواء لزيارة أحد أفراد الأهل المدفون هنا بالجزائر منذ الحقبة الاستعمارية، أو الاطلاع على ظروف العامة لهذه المقابر، وهناك حسب المتحدث حتى من قرر ترك وصية لأبنائه ليتم دفنه هنا بالجزائر بعد أن أعجب بجمال طبيعتها أو لرباط قديم يربطه بالجزائر، وهو ما يسجل خاصة لدى الفرنسيين ممن عاشوا فترة من حياتهم هنا بالجزائر، شهادات العامل تمكنّا من تأكيدها عن طريق أحد معارفنا من الذين يتقنون اللغة الفرنسية ويقطن بجوار مقبرة المسيحيين ببولوغين الذي حكى لنا بأنه وجد بها زوجان متقدمان في السن يتجول بين الأضرحة بحثا عن قبر أحد الأصدقاء يعود إلى الفترة الاستعمارية.
في خضم دردشة "الأمة العربية" مع شيخ الزاوية الحجازية الشيخ "مناني لهلالي" في اتصال هاتفي حول ذات الموضوع، شدد الشيخ على حرمة المقابر ودعا الجهات المعنية بالأمر على أخذ الأمر بجدية، ليسوق في خضم حديثه عن حرمتها أقوال بعض أهل العلم كشيخ الإسلام إبن تيمية بأن قبر المسلم له من الحرمة ما جاءت به السنة، إذ هو بيت المسلم الميت، فلا يترك عليه شيء من النجاسات بالاتفاق ولا يوطأ ولا يداس ، ولا يتكأ عليه عندنا، وعند جمهور العلماء ، ولا يجاور بما يؤذي الأموات من الأقوال والأفعال الخبيثة، ويستحب عند دخول هذه الأماكن السلام على القبر، ليشير إلى الأفعال القبيحة والخبيثة التي أضحت تنظم بجوار بيوت الأموات من مهرجانات غنائية مؤذية للأحياء فما بالك بالأموات.
لكن الشيخ "مناني لهلالي" استدرك وأوضح بأن الشريعة في الوقت ذاته تدرك أن هناك ربما ضرورات تفرض على الناس التعرض لقبور الموتى ونبشها، كأن يحدث عجز واضح ومؤكد عن إيجاد أماكن يدفن بها الموتى كحالة الحرب التي وقعت في غزة مثلا أو أن يكون في نقل الموتى مصلحة قصوى للأحياء، أو أن تكون المقابر قد تعرضت للغرق أو ارتفاع منسوب المياه الجوفية، ما يعرض الجثث إلى الأذى أو أن يكون نبش القبر استجابة لما طرأ على حياتنا الحديثة من مستجدات، كأن يكون في استخراج جثة وإعادة الكشف الطبي عليها كشفا لتفاصيل جريمة يكون من نتائجها تبرئة مظلوم وإدانة آخر، أو غير ذلك مما يضطر القائمين على الأمر نبش القبور أو نقلها وهو ما يقدره أهل العلم والاختصاص.
في اتصال ل "الأمة العربية" بأحد أساتذة القانون الجنائي بالبليدة "ك.ب"، أشار إلى أنه وكالعادة فإنه ثمة قصور قانوني شديد في التعاطي مع إشكالية نبش القبور، سواء ما تعلق منها بسرقة أشياء الموتى أو سرقة أجسادهم، إذ أن المشرع الجزائري يعاقب نابش القبر بغرامة مالية، وهي عقوبة كما يتضح غير رادعة على الإطلاق، إذ هي لا تبلغ في أقصاها ثمن جثة واحدة عند بيعها لأحد سماسرة الأعضاء البشرية، أو تجار المخدرات، الأمر الذي دفع إلى استمرار وجود الجريمة، بل وتزايد أنشطة مرتكبيها لدرجة، وإزاء هذا القصور القانوني، وفي محاولة لرفع حد العقوبة وتشديدها للحد من هذه الظاهرة التي أصبحت وفي ظل غيبة العمل بالشريعة الإسلامية تؤرق العديد من الأسر، كما أن البرلمانيين ممثلي الشعب لم تسجل لهم إلا تدخلات تعد على رؤوس الأصابع فيما يخص قضية نبش القبور، ويبقى المشرع المصري رائد في الميدان وذلك بمرافعة تسجيل بعض البرلمانيين تدخلات فيما يخص القانون المتعلق بنبش القبور، وذلك بتعديل القانون رقم 5 لسنة 1966م في الفقرة الثالثة من المادة 160 عقوبات والمتعلقة بعقوبة نابش القبر والتي تنص على الحبس والغرامة التي لا تقل عن 100 جنيه ولا تزيد علي 500 جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين على كل من انتهك حرمة القبور أو دنسها وتكون العقوبة السجن الذي لا يزيد علي 5 سنوات إذا ارتكبت هذه الجريمة تنفيذا لغرض إرهابي.. غير أنه وللأسف ومع ضعف العقوبة، فإن معظم الأحكام القضائية التي تتعلق بانتهاك حرمة القبور يكون بالغرامة وليس الحبس،يتأكد من هذا العرض أن العقوبات القانونية فقدت خاصية الردع مع مرور الزمن، وبالتالي فإن الواقع يحتم إجراء تعديل لهذه العقوبات بما يتوافق مع روح الشريعة الإسلامية ويتلاءم مع الظروف الحالية، فبعض الفقهاء بينوا أن حد الحرابة يطبق على كل من يرتكب جريمة في حق أي شخص انقطعت عنه السبل في طلب الغوث، وهو ما ينطبق على حالة الميت الذي لا يستطيع طلب الغوث من الاعتداء الواقع عليه.
أرجع أستاذ "القانون الجنائي" بجامعة البليدة الأستاذ "ك.ب" بأن الأسباب التي أدت إلى لجوء عدد من ضعاف النفوس للسحرة والمشعوذين ودفعهم للتعدي على حرمات القبور، بأنها تعود نتيجة عجز الطب الحديث والأطباء في الوصول إلى علاج لبعض الأمراض النفسية، إضافة إلى التأثير في الشخصية كالسذاجة والحقد والانتقام، مع الجهل بتعاليم الشريعة الإسلامية وتغليب العاطفة على العقل، فيغفل الفرد عن دينه ويتبع هوى نفسه ليحصل على مراده. وطالب الأستاذ في نفس السياق، بآلية جديدة لمراقبة أسباب تفشي الظاهرة وتدخل الطب الحديث بكل مقوماته للحد منها، خاصة وأنها "باتت تشكل هاجسا كبيرا لدى العديد من الأسر".
ويرى "أحمد بوعبد الله" استشاري في التنمية البشرية، أن للطب الحديث دورا في تفشي الظاهرة، إذ يتطلب منه التدخل العاجل للحد منها، مضيفا أن من أسباب لجوء المواطنين إلى السحر والشعوذة واستعمال تراب الميت لأغراض غير شرعية، بأنه كل ما قل تمدن المجتمعات، تعلقت بالغيبيات بدرجة أكبر. وكلما زاد تمدنها، زاد تعلقها بالماديات، إضافة إلى المبالغة في أمور السحر، من الجن والإصابة بالعين، فوجود الجن حقائق لها تطبيقاتها على أرض الواقع وهي آثار فكر اجتماعي وليست تتبعات منهج ديني.
وأشارالطبيب العام "جمال سرير عبد الله" صاحب عيادة بالعفرون، إلى المشكلات الصحية المنتشرة في المجتمعات النامية يشوبه الكثير من المحاذير وينتج عنه سلوكيات صحية سلبية، كلجوء أفراد المجتمع للسحرة والمشعوذين للحصول على العلاج الصحي المنشود، حيث لا تقتصر المشكلات الصحية على المجتمعات النامية فقط، بل على أصحاب المستويات التعليمية العليا التي تلجأ للسحر والشعوذة في نوعية محددة من الأمراض المستعصية، كالأمراض الخبيثة وأمراض الكلى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.