القدر أخذ بنا إلى الخرطوم عاصمة الجمهورية السودانية بفضل مباراة الفاصل التي أقيمت بين المنتخب الوطني لكرة القدم ونظيره المصري، الأسبوع المنصرم، وعلى الأقل كل من ذهب إلى هناك من أجل مناصرة "الخضر" أمضى بين ثلاثة وأربعة أيام، هذه الفترة ستبقى إلى الأبد الذكرى التي لن تنسى مهما طل الزمن، وذلك لكرم أهل هذا البلد الجميل والرائع بطيبة أناسه الذين استقبلونا بالورود والابتسامة العريضة التي لم تفارقهم لحظة منذ أن وضعنا أقدامنا في هذا البلد العزيز والشقيق الذي جعل منا نشعر وكأننا في الجزء الثاني من الجزائر، وهو فعلا كذلك، حيث أن أبناء النيل الحقيقيين فتحوا لنا أبواب بلادهم ووقفوا على كل صغيرة وكبيرة وسهروا على توفير أدنى الشروط التي تسمح لنا بالعمل براحة كبيرة. كم أنت جميلة ورائعة يا خرطوم، جعلتي نفسك عزيزة على قلوبنا إلى الأبد بفضل أبنائك أصحاب الشيم والشهامة، فهم حقيقة يعرفون حق المعرفة قيمة الأخوة التي أوصى بها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ليس كالذين ألهبوا نار الفتنة بين شعبين شقيقين وأخوة جمعهم دين واحد بسبب مباراة في كرة القدم، وهو ما خلق أجواء لا ترضي الله ورسوله الكريم. ولم يتوقف الحد عند رجال الإعلام المغرورين، بل تخطى الأمر ووصل إلى نجل رئيس الجمهورية المصرية والرئيس شخصيا الذي وجه كلاما لا يشرّف دولة إسلامية ولا شعبا مسلما جمعنا به الدين منذ قرون، ليأتي من يفسد العلاقات بإشعاله نار الفتنة بين أشقاء. الخرطوم تبقى عزيزة بفضل وقوفها وقفة الرجال مع بلد المليون ونصف المليون شهيد، الذي سخرت منهم شلة من الشعب المصري الشقيق لا يمثلون إلا أنفسهم، لكن وجدوا الدعم الذي سمح لهم بالنجاح في حدوث جرائم وصدمات بين مسلمين أهدر دمهم. فللعلم، فإن ذلك لن يمر عليهم مرور الكرام، فإن نجحوا في فعلتهم، فلن يستطيعوا أن يفروا من أيدي الله سبحانه تعالى يوم يسأل كل امرئ عما جنا في حياته. فالاعتداءات التي تعرض لها لاعبو "الخضر" في القاهرة يوم 12 نوفمبر 2009، لن تنسى وسيحاسب من كان وراءها وليس من قام بها، لأن من أقدم على فعلها ليس إلا شباب متحمس وفوضوي، لكن في الخرطوم عشنا أحلى أيامنا لا أحد اعترض طريقنا. وحين وفرت الدولة السودانية الأمن اللازم لحفظ أمن وسلامة أنصار المنتخبين، لكن رغم ذلك بعض "النمامين" من دولة آل فرعون لم يهدأ لهم بال حتى نجحوا في توجيه اتهامات أخرى للجزائريين، مفادها أن أنصار "الخضر" اعتدوا على نظرائهم، لكن هذا ما هو إلا كذب الهدف منه تبرير الهزيمة والإقصاء من المونديال في مواجهة شهدها الملايين عبر الشاشات من مختلف البلدان من كل أنحاء العالم، وإن فوز "الخضر" كان فوق المستطيل الأخضر، وهوما أكدته "الفيفا" التي رفضت طلب الاتحادية المغرورة التي أرادت أن تنقض نفسها من غضب الشعب المصري الذي لم يتمكن من هضم الإقصاء ولم يتقبل بعدا الطريقة التي خرج بها فريق منتخب الساجدين. وما أثار حفيظة المصريين، هو وقوف الدولة السودانية إلى جانب شقيقتها الجزائرية بإلغاء التأشيرة للجزائريين الراغبين في التنقل إلى السودان لمناصرة أشبال شيخ المدربين رابح سعدان، والرئيس بوتفليقة وفر أكثر من 45 رحلة جوية من الجزائروالخرطوم لنقل أكثر من 15 ألف مناصر والتكفل بهم من جميع الجوانب، فهذا التجنيد لم يعجب المصريين وجعلهم يندمون على اختيارهم السودان لاحتضان المباراة الفاصلة بعدما اعتقدوا أنه يصعب على الجزائريين التنقل إلى هناك، لكن إرادة الشعب الأبي والدولة القوية بقيادة زعيمها العزيز عبد العزيز بوتفليقة خالفت كل التوقعات وفاجأتهم بإنشاء نفق جوي وليس حتى جسر كما قالت الصحافة المغرورة بتجنيد الجوية الجزائرية والجوية العسكرية اللتان تمكنتا من نقل ما يقارب 15 ألف مناصرا في ظرف قياسي، وسيكون كذلك خلال كأس إفريقيا للأمم المقررة بأنغولا في جانفي المقبل وفي جنوب إفريقيا شهر جوان المقبل، خاصة بعدما سهلت الدولتان طريقة تنقل أنصار "الخضر" بقرار إلغائهما لتأشيرة الدخول إلى ترابهما، حيث حذوا حذوا مسإولي جمهورية السودان. الأيام التي قضيناها في الخرطوم ستبقى شاهدة على انتزاع المنتخب الوطني لتأشيرة المونديال من السودان بدون تأشيرة، الأجواء كانت أكثر من رائعة مع كرم الشعب السوداني الذي جعلنا نشعر بأننا لم نتنقل أبدا إلى بلد آخر بإنسانيته الكبيرة وكرمه وجوده، بلد جميل جمال النيل الحقيقي. كل من سمحت له الفرصة وأن زار السودان الشقيق، اكتشف طيبة أهل هذا البلد الذي لم يتوان في مد يد المساعدة لأشقائه الجزائريين خلال فترة تواجدهم هناك. وأكثر من ذلك، بعد المباراة وفوز الجزائر وتأهلها للمونديال الجنوب إفريقي، طلبوا منا البقاء وعدم مغادرة بلادهم، لأن الأجواء التي صنعناها هناك ستنتهي بعودتنا إلى الجزائر. هذا البلد الجميل، وجدنا فيه شعبا لا يتفانى في تطبيق الشريعة الإسلامية أحسن تطبيق، فكل شيء يتوقف سرعان ما يرفع آذان أي صلاة ولا يوجد هناك أثر لأي مخمرة، ومن يقع في يد الشرطة وهو شارب يدخل إلى السجن بدون أدنى نقاش، ومن يقبض عليه متلبسا يمارس الأفعال المخلة بالحياء يجلد 100 جلدة، ومعاكسة الفتيات شيء غير موجود أصلا، ما أكد لنا أن هؤلاء متمسكون بدينهم أكثر من غيرهم من الشعوب، وجعلنا نعشق السودان في ظرف قصير جدا وقطعنا العهد على أنفسنا بأننا سنعود إلى الخرطوم يوما ما لنتقاسم مرة أخرى معه أياما حلوة وأجمل وأروع إن شاء الله مع شعب مسلم ومسالم ولم لا نحضر يوما تأهل منتخب السودان إلى نهائيات كأس العالم 2014. في بلد عمر حسن البشير، زعيم الجمهورية السودانية، لا يظلم عندهم أحد بعد ما عشناه هناك خلال تواجدنا بالعاصمة الخرطوم، فكلمة الحق هي أولى مهما كان الأمر، فالله سبحانه وتعالى أخذ بنا إلى هناك بعد أن اختارها الفراعنة مكانا للعب مباراة الفاصل، فليس الجزائر من اختار اللعب هناك والله لا يظلم أحدا يا فراعنة... لن ننساك يا خرطوم أبدا...