في الوقت الذي نجحت فيه الحكومة السورية في كسر عزلتها في ظرف وجيز، بسبب تسابق الدول إلى تشويه صورتها وتصنيفها ضمن لائحة الدول المغضوب عليها، وذلك من خلال مد جسور الروابط بينها وبين كل من لبنان وتركيا، أصبحت دول محور الاعتدال، وهي الدول التي ساهمت وبشكل كبير في فرض عزلة دولية على سوريا، إرضاء لأمريكا و إسرائيل. ويعترف المحللون السياسيون، أن الحكومة السورية برهنت على قدرتها في قلب كل الموازين الإقليمية والدولية لصالحها، وفي ظرف قصير، وذلك من خلال زوال التوتر بين سوريا ولبنان بعد خمس سنوات من القطيعة، بسبب اتهام سوريا بالوقوف وراء مقتل الحريري. فالزيارة التي قام بها سعد الحريري، رئيس الحكومة اللبنانية إلى دمشق، واستقباله من طرف الرئيس السوري بشار الأسد أحسن استقبال، تبين جليا أن سوريا بريئة تماما من دم الحريري الأب، لا سيما بعد ما اتضح زيف الحقائق فيما يخص اغتيال الحريري، والذي أكدت بشأنه تقارير إعلامية غربية أن من يقف وراء هذه العملية هو إسرائيل، لتمرير أجنداتها، من بينها إخراج الجيش السوري من جنوب لبنان. الحكومة السورية التي كانت تعيش أسوأ أيامها بعد اغتيال الحريري الأب، وخروج قواتها من لبنان، فضلا عن العزلة الدولية التي كانت عليها، استطاعت أن تقلب كل الموازين الإقليمية والدولية وتكسر العزلة المفروضة عليها وتعود لاعبا لا يستهان به في المنطقة. وفي الوقت الذي نجح فيه القادة السوريون في كسر العزلة الإقليمية والدولية، من خلال فتح قنوات إستراتيجية جديدة مع تركيا ومع إيران، أصبحت الدول التي حاولت وبذلت الكثير لتهشيمه، هي التي تعيش العزلة حاليا، وتواجه مشاكل أخطر بكثير من تلك التي كان يواجهها الحكم السوري في لبنان. فالمملكة العربية السعودية التي كانت قد ساهمت في فرض العزلة الإقليمية على سوريا، هي الآن تعيش حرب استنزاف دموية في جنوبها ضد الحوثيين، وهي التي لم يسبق لها وأن خاضت مثل هذه الحروب منذ زمن طويل، ناهيك عن تراجع نفوذها في لبنان، خاصة بعد زيارة الحريري الأخيرة لدمشق. مصر هي الأخرى التي كانت غارقة في المستنقع اللبناني من أجل دعم حليفتها المملكة العربية السعودية، أضحت الآن تعيش في عزلة إقليمية غير مسبوقة، من خلال توتر علاقاتها مع عدة دول، من بينها تونس منذ مقاطعة الرئيس حسني مبارك للقمة العربية المنعقدة فيها قبل ثلاثة أعوام، ومتوترة جدا مع سوريا، بسبب تعاطف دمشق مع حركة المقاومة الإسلامية حماس ومع حزب الله في لبنان.