حقق حلم والده الذي تركه في سن المراهقة رياض محرز .. من لاعب مغمور إلى أحد أفضل نجوم الكرة العالمية
يعتبر المسار الرياضي للاعب الدولي الجزائري رياض محرز واحدة من تلك القصص التي تصلح أن تكون سيناريو لفيلم سينمائي هادف ومُعبّر عن المعاني السامية للعمل والصبر والتضحية قصد بلوغ القمة والشهرة العالمية الواسعة، دون التخلي عن التواضع واحترام الآخر.
وبات رياض محرز أول عربي وإفريقي يُتوّج بجائزة أفضل لاعب في الدوري الانكليزي الممتاز لكرة القدم، التي لم ينلها قبله، لاعبون أفارقة متميزون على غرار الإيفواري ديدييه دروغبا ومواطنه يايا توريه.
وقبل الوصول لتحقيق هذا الإنجاز الكبير في بطولة تعُجّ بنجوم الكرة العالمية، مر الجزائري محرز بعديد العقبات وواجه الكثير من التحديات، اذ لم يكن يتوقع أكثر المتفائلين أن يضمن هذا اللاعب النحيل الجسم مركزا أساسيا في فريق بالدوري الانكليزي، ناهيك عن الفوز بجائزة أحسن لاعب في الدوري، والانضمام إلى نادي أساطيره، على غرار الإنكليزي كيفن كيغن وغاري لينكر والويلزيين كيني دالغليش، وغاريث بيل والفرنسي تيري هنري، والبرتغالي كريستيانو رونالدو والأوروغوياني لويس سواريز.
وللمقارنة، فإن محرز انتقل إلى ليستر سيتي من لوهافر الفرنسي بعقد قيمته 350 ألف جنيه استرليني، بينما كانت قيمة انتقال الفائزين السابقين بالجائزة، كإيدن هازار إلى تشيلسي من ليل الفرنسي، ولويس سواريز إلى ليفربول من أياكس امستردام الهولندي بنحو 32 مليون جنيه استرليني للأول و23 مليون جنيه استرليني للثاني.
ولد رياض محرز يوم 21 فبراير 1991 بمنطقة سارسيل بضواحي العاصمة الفرنسية باريس، من أب جزائري وأم مغربية من أصول جزائرية، ولم يقتنع المشرفون على كرة القدم في الفرق الفرنسية بفنياته ومراوغاته عندما كان طفلاً، فأغلب المندوبين الذين كانت توفدهم الفرق الكبيرة على غرار باريس سان جيرمان وتولوز وغانغون، لرصد المواهب وجلبها إلى مدارسهم، كانون يعزفون عن اختيار محرز، لأنه حسب الكثيرين هزيل الجسم، وبطيء الحركة، ويميل إلى اللعب الفردي.
أما محرز فكان واثقا من إمكانياته، وحريصاً على تطوير أدائه وتحقيق أكبر أحلامه، وهو اللعب لنادي برشلونة، مثلما كان يردد لزملائه والمقربين منه، وهو لا يزال لاعبا احتياطيا في سارسيل، ومثلما كان يحلم به والده الذي كان يؤمن بقدرات ابنه على الانضمام لنادٍ كبيرٍ والذي وافته المنية لما كان رياض لا يزال فتى مراهقاً في ال15 سنة من العمر.
لعب محرز ضمن نادي سارسيل أربع سنوات، أي منذ أن كان يبلغ من العمر 12 عاماً إلى غاية ال16 عاماً، قبل أن يكتشفه نادي كيمبر الذي كان ينشط في دوري الهواة الفرنسي، في سنة 2009، حيث أدى رفقته موسماً جيداً وبدأ يجلب اهتمام بعض الأندية الكبيرة على غرار باريس سان جيرمان ومرسيليا.
لكن الفتى الجزائري فضل مواصلة تكوينه التدريجي ضمن نادي لوهافر، الناشط في دوري الدرجة الثانية، والمعروف بمدرسته الصاقلة للمواهب الكروية.
ولم يكن مرتاحا في لوهافر أيضا، رغم فنياته العالية، لأنّ المشرفين على النادي وجماهير الفريق كانوا يرون أنه لا ينسجم مع الفريق، ويميل إلى اللعب الفردي.
وفي جانفي 2014 لمحه مندوب نادي ليستر سيتي ستيف وولش، وقرر "المجازفة" بأخذه إلى دوري الدرجة الأولى الإنكليزي " شامينشيب" الذي يعتمد كثيراً على اللياقة البدينة والأغرب من ذلك أنّ مندوب ليستر سيتي الذي تعاقد معه، ذهب إلى فريق لوهافر الفرنسي لمعاينة لاعب آخر، ولم يكن على علم بمحرز أصلاً.
وساهم محرز في صعود ليستر سيتي إلى الدوري الإنكليزي الممتاز "البريمرليغ" في مايو 2014، حيث شارك في 19 مباراة، سجل خلالها 3 أهداف، ثم ساهم في الموسم الموالي ( 2014-2015) في ضمان النادي لبقائه في دوري الأضواء، بخوضه ل30 مباراة وتسجليه لأربعة أهداف، قبل أن ينفجر في الموسم الحالي (2015- 2016) ويسجل 17 هدفاً لحد الآن و 11 تمريرة حاسمة، ويقود فريقه لتصدر ترتيب البطولة، في انتظار التتويج التاريخي باللقب.
وقد أثبتت الأيام اذن أنّ ثقة اللاعب الجزائري النحيل بنفسه كانت في محلها، إذ أصبح اليوم واحدا من أبرز اللاعبين في العالم، كما أنً قيمته التسويقية قد تضاعفت 10 مرات، لتصل إلى 35 مليون جنيه استرليني، في انتظار أن ترتفع أكثر عند افتتاح "الميركاتو" الصيفي القادم، حيث يوجد رياض ضمن أجندة أكبر الأندية الأوروبية على غرار قطبي الكرة الإسبانية، ريال مدريدوبرشلونة. أما في حي سارسيل، الذي نشأ فيه، فجميع الناس يعرفون محرز، ويتابعون مباريات ليستر سيتي ليشاهدوا أهداف ومراوغات ابن حيهم، ويلقبونه بكريستيانو رونالدو سارسيل.
وقد يلعب محرز أمام برشلونة، الفريق الذي كان يحلم باللعب له، لأنّ ليستر سيتي ضمن اللعب في نسخة الموسم القادم لمسابقة دوري أبطال أوروبا، قبل نهاية الدوري الانكليزي، وربما ينتقل للعب في الفريق الإسباني الذي حلم به وهو طفل صغير.
ويقول محرز: "عندما أكون في الملعب أشعر كأنني أطير"، ويقول عنه زميله في ليستر سيتي الحارس الدانماركي كاسبر شمايكل: "محرز لاعب مثير، يجعل المتفرجين يقفون من مقاعدهم، بفضل حيويته ولمساته الساحرة. له القدرة على خلق الفرصة من العدم. وهذا هو نوع اللاعبين الذين يحتاجهم كل فريق". ويرفض محرز أن يقال عنه نجم فريق ليستر سيتي رفقة زميله الهداف، جيمي فاردي، ويقول "نحن لاعبان في فريق من الأخوة، كل واحد منا يلعب من أجل الأسرة".
وانضم رياض محرز للمنتخب الجزائري، شهراً واحداً قبل انطلاق نهائيات مونديال البرازيل 2014، حيث خاض مباراته الأولى ضد منتخب أرمينيا، ثم شارك في أول لقاء في المونديال أمام بلجيكا (1-2)، وسجل أول أهدافه للجزائر في تصفيات كأس أمم إفريقيا ا2015 ضد مالاوي، ولعب جميع مباريات نهائيات كأس أمم أفريقيا 2015، وسجل هدفاً واحداً أمام السينغال. ومنحت الصحافة الجزائرية محرز، في جانفي الماضي، جائزة أفضل لاعب جزائري لعام 2015، متقدماً على إسلام سليماني، نجم نادي سبورتينغ لشبونة البرتغالي، الذي يؤدي هو الآخر أحسن موسم له في مساره الاحترافي حيث يتواجد حالياً ضمن قائمة أفضل 10 هدافين في أوروبا.