"الادعاء بوجوب الاتحاد في يومي الصوم والإفطار مخالف للشرع والعقل" اعتبر مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في مكةالمكرمة اختلاف مطالع الهلال رحمة، وأن الدعوة إلى توحيد أيام الصيام والإفطار مخالفة للشرع والعقل. وذهب إلى أن وحدة المسلمين تكمن في عملهم بكتاب الله وسنّة رسوله (ص)، ودعا المجمع إلى ترك قضية إثبات الأهلة للجهات المعنية في الدول الإسلامية. وبنى المجمع رأيه على ربط الصوم والإفطار بالرؤية البصرية واختلاف المطالع، واضعا حدا للجدل المثار في كل مرة بين المهتمين، بين داع إلى توحيد الصيام ولو باللجوء إلى علم الفلك، وترك الأمر حرا. وفيما يلي نص بيان المجمع حول حكم اختلاف المطالع والدعوة إلى توحيد الرؤية وإثبات الأهلة في العالم الإسلامي: درس المجمع الفقهي الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي بمكةالمكرمة مسألة اختلاف المطالع في بناء الرؤية عليها، فرأى أن الإسلام بني على أنه دين يسر وسماحة، تقبله الفطرة السليمة، والعقول المستقيمة، لموافقته للمصالح، ففي مسألة الأهلة، ذهب إلى إثباتها بالرؤية البصرية لا إلى اعتمادها على الحساب، كما تشهد به الأدلة الشرعية القاطعة، كما ذهب إلى اعتبار اختلاف المطالع، لما في ذلك من التخفيف على المكلفين، مع كونه هو الذي يقتضيه النظر الصحيح، فما يدّعيه القائلون من وجوب الاتحاد في يومي الصوم والإفطار مخالف لما جاء شرعا وعقلا، أما شرعا فقد أورد أئمة الحديث حديث كريب، وهو أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام، قال: فقدمت الشام، فقضيت حاجتها، فاستهل عليَّ شهر رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما، ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم ورآه الناس، وصاموا وصام معاوية، فقال: لكننا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، فقلت: أولا نكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم (رواه مسلم في صحيحه). وقد ترجم الإمام النووي على هذا الحديث في شرحه على مسلم بقوله: (باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم، وأنهم إذا رأوا الهلال ببلد، لا يثبت حكمه لما بعد عنهم)، ولم يخرج عن هذا المنهج من أخرج هذا الحديث من أصحاب الكتب الستة، أبو داود والترمذي والنسائي، في تراجمهم له. وربط الإسلام الصوم والإفطار بالرؤية البصرية دون غيرها، لما جاء في حديث ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غمَّ عليكم فاقدروا له»، رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، فهذا الحديث علّق الحُكم بالسبب، الذي هو الرؤية، وقد توجد في بلد كمكةوالمدينة، ولا توجد في بلد آخر، فقد يكون زمانها نهارا عند آخرين، فكيف يؤمرون بالصيام أو الإفطار؟ أفاده في بيان الأدلة في إثبات الأهلة وقد قرر العلماء من كل المذاهب: إن اختلاف المطالع هو المعتبر عند كثير، فقد روى ابن عبد البر الإجماع على ألا تراعى الرؤية فيما تباعد من البلدان: كخراسان من الأندلس، ولكل بلد حكم يخصه، وكثير من كتب أهل المذاهب الأربعة طافحة بذكر اعتبار اختلاف المطالع، للأدلة القائمة من الشريعة بذلك، وتطالعك الكتب الفقهية بما يشفي الغليل. وأما عقلا: فاختلاف المطالع لا اختلال لأحد من العلماء فيه، لأنه من الأمور المشاهدة، التي يحكم بها العقل، فقد توافق الشرع والعقل على ذلك، فهما متفقان على بناء كثير من الأحكام على ذلك التي منها أوقات الصلاة، ومراجعة الواقع تطالعنا بأن اختلاف المطالع من الأمور الواقعية وعلى ضوء ذلك قرر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي: أنه لا حاجة إلى الدعوة إلى توحيد الأهلة والأعياد في العالم الإسلامي، لأن توحيدها لا يكفل وحدتهم، كما يتوهمه كثير من المقترحين لتوحيد الأهلة والأعياد، وأن تترك قضية إثبات الهلال إلى دور الإفتاء والقضاء في الدول الإسلامية، لأن ذلك أولى وأجدر بالمصلحة الإسلامية العامة، وأن الذي يكفل توحيد الأمة وجمع كلمتها، هو اتفاق المسلمين على العمل بكتاب الله وسنّة رسوله، صلى الله عليه وسلم في جميع شؤونهم.