غياب دار الإفتاء في الجزائر يخلط الحسابات 10 أيام فقط تفصلنا عن الشهر الفضيل الذي يترقبه كل مسلم بلهفة وشوق لأداء رابع أركان الدين الإسلامي. * * صيام هذا الشهر الفضيل لا تحكمه فوراق التدين والتشدد، وباعتباره فريضة على كل مسلم، لكن بالمقابل هناك ضوابط فقهية قد يلجأ إليها أي مسلم تسمح له بالإفطار وفق القاعدة التي تقضي "الضرورات تبيح المحظورات". * ووجد رياضيو النخبة الجزائرية أنفسهم في معضلة بين أداء الواجب الديني والرياضي في آن واحد، فالموعد يتعلق بمنافسات البطولة العالمية في شهر رمضان الكريم. * في هذه الأثناء سيطر جدل كبير بين الرياضيين حول إلزامية صيام او الإفطار وبين خيار الإفطار يوم المنافسة لعذر قاهر، بين مطامع رياضية وفتوى شرعية تبيح لهم ذلك. * * برلين تختتم المنافسات في شهر رمضان * * ستكون النخبة الجزائرية لألعاب القوى على موعد هام في البطولة العالمية التي ستقام كل سنتين، والمميز هذه المرة أن النخبة الجزائرية لم يتأهل منها سوى خمسة عدائين كلهم من الذكور، ليتقلص العدد بعد ما كان عشرة في الدورة الماضية بأوساكا اليابانية. * والأمر الآخر الذي يثير الانتباه أن بطولة هذا العام التي تجرى في الفترة ما بين 15 و23 أوت الجاري ستتزامن مع بداية شهر رمضان الكريم. * ما يعني أن اليومين الأخيرين سيكونا في شهر الصيام ما قد يضع العدائين المسلمين في حرج كبير. * وتضم عدة منتخبات أوروبية وأمريكية عناصر مسلمة مثل المنتخب البريطاني والأمريكي والاسترالي بغض النظر عن بقية المنتخبات الإسلامية. * ورغم أن رئيس الاتحاد الدولي للألعاب القوى السنغالي لمين دياك مسلم، إلا أن ذلك لم يشفع بمراجعة هذه التواريخ لتكون ملائمة بما يسمح للمسلمين من العدائين بأداء شعائرهم الدينية بشكل عادي. * * فتوى القرضاوي مقترح سينغالي * * وأكد عمار براهمية، مدرب النخبة الجزائرية التي ستشارك في الموعد العالمي إلى انه تحدث باستمرار مع رئيس الاتحاد الدولي لمين دياك في هذه النقطة. * وأكد براهمية أن لمين دياك باعتباره مسلما أبدى تجاوبا مع الوضع العام، وأكد بأنه سيستشير الرئيس السنغالي عبد الله واد والذي يرأس حاليا منظمة دول العالم الإسلامي وذلك بهدف الاعتماد على مرجعية دينية تخضع لها الأغلبية من المسلمين توحد الصفوف. * وتم اقتراح العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين قصد إصدار فتوى إما بتحريم الإفطار في شهر رمضان أو تحديد الشروط الضرورية التي تمنح للرياضي حرية الإفطار وفق ضوابط شرعية. * * منصر نجيم يصر على الصوم * * وسيكون العداء الواعد منصر نجيم أكبر المعنيين من بين رياضيي العاب القوى طالما أن منافسات الدورين نصف النهائي والنهائي لمسابقة 800 م ستلعبان يومي 22 و23 أوت ما يعني أن ذلك يتزامن مع شهر الصيام. * وأعطى المدرب براهمية الحرية لعدائه بين الاختيار بين الصوم يوم المنافسة أو الإفطار، مشيرا إلى أن جل عدائيه سيؤدون الفريضة بشكل عادي مع انتظار فتوى من علماء الدين الجزائريين بشأن إمكانية الإفطار يوم المنافسة. * ويصر منصر نجيم (22 عاما) وابن بجاية على أداء الفريضة، متحملا المسؤولية الكاملة، حيث سبق له وان رفض المشاركة في جائزة الاتحاد الدولي لألعاب القوى بشتوتغارت الألمانية العام الماضي، مفضلا التنازل عن قيمة 50 ألف دولار وهي المنحة المخصصة للمشاركين في هذه المسابقة التي تضم نخبة العدائين، مفضلا التمسك بصيام شهر رمضان رفقة العائلة. * * مرسلي حطم الرقم القياسي العالمي وهو صائم * * ويواصل عمار براهمية حديثه عن تزامن منافسات العاب القوى معه الشهر الفضيل بالقول "لا اعتقد بأن ذلك يمثل إشكالا وربما التزامنا بتعاليم الدين يحدد بشكل كبير الواجبات والحقوق". * ويضيف براهمية الذي أشرف على نجم العاب القوى الجزائرية لكل الأوقات نور الدين مرسلي والذي تمكن من الظفر باللقب العالمي في بطولة العالم داخل القاعة بإشبيلية في1991 وتمكن خلالها من تحطيم الرقم القياسي العالمي. * ولم يستبعد براهمية إمكانية مشاركة عدائيه وهم صيام مع احتمال الإفطار يوم المنافسة وفق قناعات كل رياضي. * * اللكم في عز أيام المغفرة * * المعروفان بداية شهر رمضان رحمة ووسطه مغفرة وآخره عتق من النار، وفي عز هذا الشهر وفي الفترة الممتدة ما بين الفاتح و12 سبتمبر ستنطلق بطولة العالم للملاكمة بمدينة ميلانو الايطالية. * وسيتزامن ذلك مع الأسبوع الثاني من شهر رمضان أو ما يعرف في العشر الثانية من الشهر الكريم التي يتقرب منها العبد من ربه طلبا للصفح عن ذنوبه. * لكن المنتخب الجزائري للملاكمة سيجد نفسه مجبرا على اللكم بعنف بحثا عن مكاسب دنيوية واحتلال أحد المراكز الثلاثة الأولى. * ويشارك المنتخب الجزائري بخمسة ملاكمين هم أورادي، براهيمي، وضاحي ، بن شبلة وكرامو. * ويقول الهادي جلاب المدير الفني للملاكمة في اتصال للشروق أن مشاركة المنتخب ستعترضها مشكلة حقيقية طالما أن الملاكمة تحتاج لبذل جهد مضاعف وتعرض الرياضي للكمات ما يعني أن إفطاره على الأقل يوم المنافسة أمر مفروغ منه. * وقال جلاب "قد يتعرض اللاعب إلى نزيف دموي نتيجة تعرضه للكمات ما يعني انه سيفطر حتما يوم المنافسة". * * فتوى الشيخ سحنون تبيح الإفطار * * ويؤكد الهادي جلاب في اتصال للشروق بأن منتخب الملاكمة كان عرضة لنفس المشهد في سنة 1990 أثناء مشاركته في دورة دولية، حيث أباح الشيخ سحنون (رحمه الله) وهو إمام مسجد الأرقم ( شوفالي بالعاصمة) أنذاك بالإفطار يوم المناسبة. * ويقول جلاب "أتذكر أننا توجها لإمام مسجد الأرقم الشيخ سحنون، وطلبنا منه أن يفتينا في مسألة تتعلق بمشاركة المنتخب في دورة دولية فأباح الإفطار يوم المنازلة، مع قضاء الدين بعد ذلك. * بيد أن جدلا فقهيا لازال على شرعية رياضة الملاكمة حتى ان هناك من العلماء من قال بأن ضرها أكثر من نفعها للمضار الجسدية التي تحل بالرياضي. * ولحد الآن لم تتوحد آراء المسلمين بشأن عدد من الرياضات، خاصة منها الرياضات القتالية التي توصف بأنها وسيلة للدفاع عن النفس، بينما يعتبرها آخرون تودي بالإنسان إلى التهلكة، فهي محرمة على هذا الأساس. * * الإفطار في رمضان يباح لسببي القدرة والسفر * * وبحثا عن رأي شرعي، اتصلنا بأستاذ الشريعة الدكتور كمال بوزيدي، والذي أكد بأن الإفطار في رمضان مربوط بسببين اثنين هما السفر أو القدرة، بنص الآية التي تقول "ومن كان مريضا او على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد العسر". * ويقول الدكتور كمال بوزيدي بأنه بغض النظر عن شرعية هذه الرياضة والجدل القائم بين تحريمها وإجازتها فإنه يرخص للمسافر الإفطار، مشيرا إلى أن النية في السفر هي التي تحكم مدى جواز أو تحريم الإفطار في رمضان. * وشرح مفتي حصة "فتاوى على الهواء" قضية السفر بالقول أن مدة السفر حددت بأربعة أيام ويمكن أن تمدد إلى ستة أيام باحتساب يومي السفر بين الذهاب والإياب برأي الفقهاء. * واعتبر فضيلة الشيخ أن السبب الثاني هو القدرة، فمن كان مريضا أو عاجزا عن الصوم فيباح له الإفطار على أن يقضي الدين في فترة لاحقة. * ويضيف بأنه إذا كان للصوم مضرة أو كان الحر الشديد الذي يؤدي إلى التهلكة فإن صحة الإنسان أولى. * * منتخب الجيدو يبحث عن فتوى * * ويعيش منتخب الجيدو الجزائري في وضع متردد، خاصة في مسألة الصوم يوم المنافسات خشية انتهاك حرمة رمضان. * وتسود حالة من التشدد في معسكر الجزائر الذي يتحضر للبطولة العالمية التي ستجرى بالعاصمة الهولندية في الفترة ما بين 24 و31 أوت الجاري. * ويشارك المنتخب الجزائري ب 10 رياضيين أو أزيد لدى الذكور والإناث، حيث يوصف المنتخب الجزائري من بين أفضل المنتخبات العالمية والأفضل على المستوى القاري. * وتصلب الوفد الجزائري بموقفه بعدم الإفطار حتى اثناء المنافسات، على الرغم من أن مسؤولي الاتحادية أبدوا خشيتهم من تأثير ذلك على أداء المصارعين. * ويبحث مسؤولو الاتحادية عن فتوى تحدد إمكانية الإفطار على الأقل في فترة المنافسة من مرجع ديني معروف. * ويقول رئيس الاتحادية الدكتور علي بن جمعة للشروق "نحن في ورطة، لحد الآن لم نجد فتوى تبين الخيط الأبيض من الأسود، والمصارعون متمسكون بالصيام على الرغم من الجهد الكبير الذي سيبذل يوم المنافسة". * وتلعب منافسات الجيدو في يوم واحد لكل وزن وتصل إلى حد إجراء أربع أو خمس منازلات من اجل الوصول للمباراة النهائية في يوم واحد ما يعني بذل مجهود مضاعف. * * "الخضر" أفطروا في مونديال مكسيكو 86 * * ولا يمكن الحديث عن المشاركة الجزائرية في المنافسات الدولية والتي تزامنت مع شهر رمضان دون أن نعرج على الرياضة الأكثر شعبية، حيث صادفت مشاركة المنتخب الوطني في مونديالي 82 و86 مع الشهر الفضيل. * وأثير الكثير من الجدل بشأن ذلك، حيث أكد اللاعب محمد قاسي سعيد أمس للشروق أن جل تعداد المنتخب المشارك في مونديال 86 قد أفطر ليس يوم المنافسات فقط، بل وطيلة تواجد المنتخب في قوادالاخارا المكسيكية. * وقال قاسي سعيد "قبل التنقل الى المكسيك تم مناقشة المسألة، استنجد بالعلامة الراحل محمد الغزالي رحمه الله والذي أفتى بجواز إفطار المنتخب في سفريته وأثناء تواجده، بعد النقاش الحاد الذي ساد أنذاك". * ويقول احد أعضاء البعثة الإعلامية الذي كان متواجدا هناك حفيظ فضيل بأن الحر كان شديدا والمباريات كانت تقام في منتصف النهار، حيث يشتد الحر وصعوبة التنفس لصعوبة لعلوها عن سطح البحر. * ويضيف "كانت المرة الأولى التي أقر فيها الاتحاد الدولي (فيفا) تزويد اللاعبين بأكياس المياه الباردة أثناء المباريات، وهو ما جعل ميادين المباريات شبه مغطاة ببقايا الأكياس". * * أبو عبد السلام "السفر وحده من يجيز الإفطار" * * وبين الجدل الدائر بين علماء الدين المسلمين حول جواز لعب كرة القدم فإن هناك من ذهب الى حد القول أنه لا يجوز شرعا للاعب الكرة أو أي رياضي آخر الإفطار في نهار رمضان بحجة أن اللاعب يبذل مجهوداً بدنياً لا يتحمل معه الصيام، وأشاروا إلى أن لاعب الكرة ليس من الفئة المرخص لها بالفطر بالتالي فإفطار اللاعب في نهار رمضان يعد إفطارا من غير بأس لا يكفي اللاعب صيام الدهر كله وان صامه. * لكن أحد أشهر رجال الفتوى في الجزائر الشيخ ابو عبد السلام قال للشروق انه يباح للمسلم الإفطار في حالة السفر دون البحث عن الغاية من السفر. * وتجاهل فضيلة الشيخ الحديث عن الجدل الدائر حول القصد من السفر، مضيفا بأن النص واضح وان السفر من اجل مصدر رزق يعد بحد ذاته رخصة للإفطار في رمضان، لكنه حدد مدته بأربعة أيام فقط. * وكانت حالة من الجدل أثيرت في مصر العام الماضي بعد فتوى لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، فتوى تبيح للاعبي كرة القدم المرتبطين بعقود الفطر في نهار رمضان، معتبرة إياهم مضطرين لاحترام علاقاتهم بالأندية.