تميز المشهد العراقي سنة 2009 بتسلم السلطات العراقية أوائل شهر جويلية الماضي السيطرة الأمنية الكاملة على مدن وبلدات البلاد لأول مرة منذ الإجتياح العسكري الأمريكي للعراق عام 2003 فيما إنخفض مستوى العنف إلى أدنى مستوياته مقارنة بالسنوات الماضية منذ بداية الغزو حسب تقديرات رسمية. وقد عرفت "أعمال العنف وهجمات الإرهابيين والإشتباكات الطائفية" في العراق هذا العام تدنيا ملحوظا -حسب ما أظهرت الاحصائيات الرسمية- وكان شهر نوفمبر الماضي من بين الأشهر الاقل دموية منذ الغزو الامريكي عام 2003 إذ قتل فيه 88 مدنيا عراقيا. وبالرغم من تراجع معدلات العنف إلا أن ذلك لم يمنع في حدوث أعمال إجرامية أضافت المزيد من الأسماء إلى سجلات الضحايا وعززت المخاوف من انفلات أمني يتزامن مع الانتخابات النيابية المقرر تنظيمها في السابع من مارس المقبل. وأصبحت التفجيرات في الفترة الأخيرة تستهدف سيادة الدولة بعد أن كانت تستهدف في السنوات الماضية أسواقا أو تجمعات لعمال ونادرا ما كانت تستهدف مناطق رسمية بإستثناء تلك القذائف التي كانت تمطر المنطقة الخضراء المحصنة أمنيا والتي تضم مبنى السفارة الامريكية والبريطانية ومقار الحكومة والبرلمان العراقي. وبعد أجواء التفاؤل التي سادت العراق عقب إقرار قانون الانتخابات -الذي مهد الطريق أمام إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة- بعد مخاض عسير وجدل سياسي واسع إهتز العراقيون يوم الثامن من ديسمبر على وقع سلسلة تفجيرات شهدتها العاصمة بغداد نجمت عن خمسة سيارات مفخخة إستهدفت وزارة الداخلية والعمل والمحكمة الجنائية وأسفرت عن سقوط 127 قتيلا و448 جريحا. وأعادت هذه التفجيرات الى الأذهان تفجيرات الأربعاء والأحد الداميين حيث أسفرت سلسلة تفجيرات استهدفت وزارات ومؤسسات حكومية في 19 أوت الماضي عن مقتل نحو 100 شخص واصابة اكثر من 500 شخص بجروح. كما اسفرت تفجيرات وقعت يوم الاحد في 25 اكتوبر الماضي في منطقة الصالحية قرب وزارة العدل ومبنى مجلس محافظة بغداد عن مقتل 155 شخصا واصابة نحو 600 آخرين بجروح. وبعد مرور ست سنوات من الغزو العسكري الأمريكي للعراق مازال نحو مليوني عراقي يقيمون لاجئين في الدول المجاورة معظمهم في سوريا والأردن بعدما غادروا وطنهم بسبب أعمال العنف. ومثلهم أصبحوا لاجئين داخل وطنهم بسبب عمليات التهجير حسب تقديرات الأممالمتحدة. وكانت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين قد حذرت في شهر نوفمبر الماضي من أنها تحتاج إلى ميزانية تشغيلية في حدود مئة وستة وستين مليون دولار كي تستمر في مساعدة نحو مليون عراقي في سوريا وحدها خلال العام المقبل. ويقدر عدد النازحين إلى سوريا إعتمادا على المسح الذي أجرته الأممالمتحدة في العام 2009 بحوالي مليون و200 ألف عراقي في حين يستضيف الأردن أكثر من نصف مليون وهو ثاني أكبر عدد من النازحين العراقيين. وكانت سنة 2009 قد بدأت بإدارة أمريكية جديدة تعهدت ب"ترك العراق لشعبه" وهي الجملة التي جاءت على لسان الرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال حفل التنصيب لرئاسة الولاياتالمتحدةالامريكية في 20 جانفي 2009 . وبإعلانه عن خطة لسحب غالبية القوات الامريكية من العراق خلال 19 شهرا من توليه السلطة -تنفيذا لوعد أطلقه اثناء حملته الانتخابية بانهاء الحرب التي أودت بحياة مئات الآلاف من العراقيين وأكثر من 4 آلاف جنديا أمريكيا- فتح الرئيس الأمريكي الجديد بذلك عهدا جديدا في العلاقات العراقية الأمريكية. وبحلول 30 جوان إنسحبت القوات الأمريكية من المدن العراقية إلى الثكنات العسكرية خارج المدن حسب بنود الاتفاقية الأمنية الموقعة بين بغداد وواشنطن نهاية العام الماضي تمهيدا لتحقيق الإستحقاق الأكبر و هو الانسحاب الكامل المقرر بنهاية عام 2011. على الصعيد السياسي تمكن البرلمان العراقي خلال سنة 2009 خاصة في النصف الثاني من العام من تشريع العديد من القوانين غير أنه واجه مصاعب كثيرة في إقرار قانون الانتخابات الذي حصل فيه انقسام كبير حول مدينة كركوك الغنية بالنفط لكن في نهاية المطاف إستطاع البرلمان التوصل إلى توافق سياسي أدى إلى تشريع قانون الانتخابات. وكان العراق قد شهد في 31 جانفي الماضي انتخابات مجالس المحافظات التي اعتبرت "أهدأ" انتخابات تجرى في العراق منذ الاطاحة بنظام صدام حسين في عام 2003 وهو ما عزز نفوذ رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي ينسب إليه الفضل في تحقيق الأمن وتراجع معدلات العنف إلى نسبة فاقت 85 في المائة بدعم من قوات التحالف ورجال العشائر. و تصدرت قائمة "دولة القانون" التي يتزعمها رئيس الوزراء العراقي نتائج إنتخابات مجالس المحافظات -التي تعد الثانية من نوعها في العراق بعد الغزو الأمريكي- بحصولها على 28 مقعدا من أصل 57 مقعدا. ولم تمر الأزمة المالية العالمية وإنخفاض أسعار النفط في سنة 2009 على الإقتصاد العراقي مرور الكرام خصوصا أن الاقتصاد العراقي لازال أحادي الجانب ويعتمد على الثروة النفطية بشكل كامل وأي انتكاسة في أسعار النفط العالمية ستؤثر على الاقتصاد العراقي وهذا ما حصل في ميزانية عام 2009 التي تأثرت بشكل كبير بانخفاض أسعار النفط حسب تصريحات مسؤولين عراقيين. ويأمل الشعب العراقي الذي يظل يتحمل أكثر من غيره وطأة هذه الحرب في أن تكون سنة 2010 سنة الإستقرار المنشود. كما يتطلع إلى أن تجرى الانتخابات التشريعية المقبلة في جو شفاف ديمقراطي حر لتكون نموذجا يحتذى به في المنطقة وأن تسفر عن اختيار أعضاء للبرلمان ينجحون في تحقيق المصالحة وإعادة العراق من جديد إلى ما كان عليه قبل الغزو .