تنتهي يوم غد مرحلة هامة من الاحتلال الأمريكي للعراق بانسحاب القوات الأمريكية من المدن للتمركز في قواعد عسكرية وفقا للاتفاق الأمني الموقع بين الحكومة العراقية والإدارة الأمريكية السابقة شهر نوفمبر الماضي.يستيقظ العراقيون بعد غد الأربعاء على مشهد جديد تغيب عنه قوات المارينز والدوريات الأمريكية الذين اعتادوا رؤيتها منذ احتلال بلادهم على يد قوات التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية شهر مارس 2003. ويستيقظ العراقيون على أمل طي صفحة مؤلمة في تاريخهم دامت ست سنوات دفع خلالها الشعب العراقي ثمنا باهظا بمقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين الآخرين ناهيك عن اقتصاد منهار وبنى تحتية مدمرة. وبموجب الاتفاق الأمني الموقع بين واشنطن وبغداد سيتم استبدال 130 ألف جندي أمريكي المنتشرين في المدن العراقية ب 750 ألف جندي وشرطي عراقي توكل لهم مسؤولية حفظ الأمن وفرض القانون في بلد لم يعرف طعما للاستقرار منذ غزوه عام 2003. ووفقا لمضمون الاتفاق فإن عملية نقل المسؤوليات من القيادة الأمريكية إلى قيادة الجيش العراقي ستتم عبر ثلاث مراحل يقوم الجيش الأمريكي في مرحلة اولى بتسليم المسؤوليات إلى نظيره العراقي التي يتقاسمها في مرحلة ثانية مع الشرطة العراقية لتتولى هذه الأخيرة في مرحلة ثالثة كامل مسؤولياتها الأمنية. وكانت السلطات العراقية شرعت منذ مدة في نشر 500 ألف جندي و250 ألف شرطي في المدن واتخذت مواقع نظيرتها الأمريكية في القواعد العسكرية والحواجز الأمنية. وستتولى القوات العراقية مهامها الأمنية في ظرف حساس يتميز بعودة التفجيرات والعمليات الانتحارية بقوة في معظم أنحاء البلاد مما يضع هذه القوات والحكومة العراقية أمام امتحان صعب خاصة وأن سلسلة التفجيرات الأخيرة التي راح ضحيتها أكثر من 200 قتيل في ظرف أسبوع جددت التساؤولات والمخاوف من قدرة السلطات العراقية على احتواء الوضع الأمني الذي لا يزال هشا رغم كل المساعي الرامية إلى تحسينه. لكن هذه المخاوف لم تمنع معظم العراقيين من التعبير عن فرحتهم لانسحاب القوات الأمريكيةالمحتلة. وهو ما جعل السلطات العراقية تقرر جعل يوم 30 جوان يوم عطلة وأكد رئيس الوزراء نوري المالكي انه يتعلق بحدث سعيد يستحق الاحتفال به. وكان وزير الدفاع العراقي جواد البولاني أكد أن انسحاب القوات الأمريكية لا يعني انتهاء التحدي الأمني وأكد أن قوات بلاده قادرة على مواجهة هذا التحدي. وكان الجنرال راي اوديرنو قائد القوات الأمريكية في العراق، أشار مؤخرا إلى أن المهمة الجديدة لقواته تتمثل في تدريب وتقديم الاستشارة للقوات العراقية حتى تكون مستعدة على آداء مهامها بعد الانسحاب الأمريكي الكلي مع نهاية 2010. وقصد دعم القوات العراقية بالعتاد العسكري قررت القيادة الأمريكية منح القوات العراقية 8500 عربة عسكرية من نوع "هامر" تم استلام 5000 عربة. كما قررت إطلاق سراح 11 ألف معتقل أو تحويلهم إلى السلطة العراقية او تحويلهم على السجنين الأمريكيين المتواجدين في العراق والذي تعود مسؤولية تسييرهما للحكومة العراقية مع نهاية 2010. وفي انتظار الانسحاب الكلي تتولى الولاياتالمتحدة تقديم الدعم اللوجيستي للقوات العراقية خاصة في مجال نقل الوحدات العراقية التي تعاني من نقص فادح في طائرات نقل الأفراد. وبموجب الإستراتيجية الأمريكية التي اقرها الرئيس باراك اوباما فإن غالبية القوات الأمريكية سيتم سحبها شهر أوت القادم ولن تبقى سوى قوة من 50 ألف جندي يتم سحبها مع انتهاء 2010. وإذا كانت عملية الانسحاب أثارت مشاعر الفرح لدى عامة العراقيين فإن ذلك لم يمنع البعض من إبداء مخاوف من عدم قدرة القوات العراقية على أداء مهامها في ظل عودة موجة العنف لتضرب بقوة في هذا البلد. ويرى هؤلاء أن انسحاب القوات الأمريكية سيترك فراغا امنيا يصعب على نظيرتها العراقية ملؤه بسبب نقص التجربة لديها وعدم توفرها على المعدات والتجهيزات اللازمة. وتبقى المرحلة القادمة هي التي من شأنها أن تحدد إن كانت هذه القوات قادرة على احتواء الوضع الأمني الهش أم أنها ستجد نفسها أمام مواجهة مفتوحة في حرب عصابات وشوارع تقودها مقاومة عراقية طالما رفضت التواجد العسكري الأمريكي على الأراضي العراقية.