كثير من الناس، وخاصة طلبة العلم في المرحلة الثانوية، يحتقرون مادة الفلسفة إلى درجة الاستخفاف بها، ويعتبرون كل من نطق بلفظها كأنه تجاوز الخطوط الحمراء وخرج عن الواقع المعهود. وقد وُجدت فيما مضى عبارة شهيرة وهي تلك القائلة «من تمنطق تزندق»، لأن الفلسفة دائما وأبدا كانت في نصرة المنطق وغايتها الأولى والأخيرة هي تحقيق ذلك، ومن هنا ربط الجميع التفلسف بالتمنطق، لأن غاية الفلسفة ليست الدخول في الأوهام والخرافة، بل حقائق الأشياء والعقلانية. لكن وكما قيل في الأدبيات العامة، فإن هدف الفلسفة كذلك هو القضاء على الأوهام والظلامية في تفكير الإنسان، لأن مبتغاها هو سلامته في أن يعيش بين كنف حياة مليئة بالسلام والطمأنينة، زيادة عن هذا فإن الفلسفة في كثير من محطاتها تدافع عن الخير والحوار، حتى ولو كان هذا الأخير مبنيا على الصراعات، لكن النتيجة في نهاية المطاف هي الوصول إلى الحقيقة. لقد قال أحد الكتاب عن الفلسفة إنها العقل الذي يسعى عبر التفكير المنطقي والعقلاني لفهم واقعنا، وكل ذلك تحت شعار «كيف نصوغ الأسئلة وكيف نجيب عنها». حيث تطرح الفلسفة عدة أسئلة عن الخير والشر والمعرفة والجهل والمرض والعلم والتخلف، وضمن هذه الأسئلة تصطحبها أدوات مرفقة وآليات تتمثل في إقحام التناقضات، وكل الموجودات المحاطة بحياة الناس وهم يعيشونها. وبالاختصار المفيد، الفلسفة تريد أن تلبس لباس الوعي ثم الوعي النقدي بعده، وتستحضر المتناقضات والتباينات، تطرحها على الطاولة وتشرحها تشريحا دقيقا. وهذا كله بعيدا عن التعريفات الأكاديمة التي ما فتىء الجميع يحفظها على مقاعد الدراسة على أساس أن الفلسفة هي حب الحكمة وما شابهها من تعاريف جاهزة ومختصرة، لكن في الجوهر الأمور تبدو أوسع من ذلك. وددنا في هذا المضمار أن نحاول إبعاد النظرة السيئة لدى الغالبية، ممن لا يزالون يمقتون الفلسفة كفضاء واسع يحاول بشتى الطرق والكيفيات الوصول إلى ماهية الأشياء، ودورها سواء كان ذلك في حضورها أو في غيابها. وهي الحاجة الملحة حتى لا نقول العملة النادرة التي وجب على الفرد اكتسابها والتسلح بها حتى يستطيع كسب مفاتيح النجاح التي يستعملها في شتى مناحي حياته التفكيرية، لأنه لولا الفلسفة لما وصل العالم لما وصل إليه الآن، أو تقدمت الأمم وحازت على هذا القدر العالي من الإنجازات، أي أن كل ذلك بفضل السؤال الفلسفي.