قد يحصر البعض التهريب في قطع أثرية كتراث ثقافي يعرض في متحف دولي أو يباع في مزاد علني للإستفادة من أثمانها الخيالية، أو تهريب الأموال بين البلدان أو حتى تهريب البنزين أو المخدرات بين حدود دول متجاورة للمتاجرة فيها، من أجل الكسب السريع والمترف، لكن التهريب في السنوات الأخيرة قد تعداها إلى طرق جهنمية، يعتمد عليها بعض المهربين لمواد ممنوعة إلى مناطق محظورة، ليس إلى بلدان متجاورة أو غيرها، وإنما إلى مؤسسات حسّاسة، هذه المواد التي قد تكون سببا في القبوع خلف قضبان السجن في كل المرات، وليس بعضها ولسنوات طوال، وقد تجعل أصحاب النفوس الضعيفة يخترقون القانون بطرق أو بأخرى، لإشباع رغبات أشخاص آخرين غير مبالين بالنتائج الوخيمة التي قد تنجر عنها تلك الأفعال. إلى هنا قد يكون الغموض أخذ من خيال القارئ مأخذه، غير أنّ فكرة الموضوع وإن كانت غريبة نوعا ما، إلاّ أنّ فكرتنا كانت من محاورة أحد حراس السّجون الذي باح لنا بكل ما يدور في عالم ''الجريمة''، والمخالفات التي ترتكبها عائلة المسجون، من أجل إيصال أعز شيء له داخل ''السجن''، ويبقى ''أخذ الحيطة وتطبيق كل إجراءات التفتيش من قبل أعوان الحراسة والأمن غير كاف وتبقى الطرق الشيطانية في إدخال الممنوعات للمساجين شر لا بد منه في المؤسسات العقابية. المخدرات بدل الشوكولاطة في أشهى الحلويات وخلال دردشتنا مع ''ب،م '' أحد حراس السّجون، الذي أكدّ في معرض أقواله أنّه'' رغم تغير وظيفة هذا الأخير بتغير المقتضيات المحتمة له، وتضاربه مع ما هو مسموح به في الشّرع حسبه، فإنّ ما جعل أهل المساجين يقتنونه ويجعلونه أيضا من أهم الأغراض التي تحتويها قفة المسجون، وإطلاق عليه اسم ب ''قاطو المساجين''، في إشارة إلى أنّه كثير التناول من طرف المساجين، إلاّ أننا شعرنا بأنّ هناك نقطة غامضة في هذه العبارة، جعلتنا نستدرج البائع الشاب عن السرّ الذي يحمله فكان رده:'' هذا الڤاطو أحسن وسيلة لتهريب المخدرات إلى السجن، أين يقبع أحد الأصدقاء أو المعارف أو أحد الأقارب، بحيث يتم تفريغ القطعة المحشوة ب ''الشوكولاطة''، وتعويضها بالزطلة ومزجها مع الشكولاطة، على أن لا يتم إفراغ كامل العلبة لإبعاد الشبهات، وعدم الوقوع في أيدي المراقبين والحراسة المشدّدة المفروضة على قفة المسجون، التي يتم تفريغ محتواها من قبل حراس السجن ومراقبتها، فيما قال محدثنا الذي التقينا به صدفة، وعلمنا منه أنه أحد حراس بوابة سجن معروف بصرامته في معاملة المساجين بالجزائر، إن الطرق الأكثر خبثا، تكون غالبا في تمرير الهيروين ''غبرة الفهامة'' والخمر. الفواكه لتمرير ''أم الخبائث '' إلى المؤسسات العقابية ! استرسل محدثنا في وصف الطرق التي يتم إدخال الخمر والإبتسامة مرسومة على شفتيه، وسط حيرة من الطرق التي أصبحت تطبق من قبل عائلات المساجين، بدون الخوف من الزج بهم في السجن، وأكدّ محدثنا في حديثه لنا قائلا :'' ماقدرناش نحبسوهم، والمشاكل دائما معهم بسبب هذه الطرق الشيطانية، مانقدروش نتصوروا كيفاش يفوتولهم الزطلة، الكاشيات وغيرها ''، مشيرا إلى أنه لا أحد يمكنه توقيفهم عن إبداع الطرق في إدخال المحظورات إلى المؤسسات العقابية، حيث يتم الإستعانة في فصل الصيف بالدلاع والبطيخ وحقنهما بالخمر من أجل تفادي الوقوع في أيدي أعوان الحراسة والمراقبين المكلفين بمراقبة قفة المسجون، مضيفا أنّه بمجرد أن يتناول المسجون إلى برج واحد من الدلاع أو البطيخ، فإنه يثمل ويسكر، فيأخذ بذلك غايته من الخمر الذي من المستحيل أن يحصل عليه داخل المؤسسة العقابية، والغريب أن الطريقة الثالثة في إدخال المحظورات إلى المؤسسات العقابية؛ فإن الشيطان نفسه لا تخطر على باله، الأمر لا يتوقف عند الدلاع أو البطيخ فهو يتعدى بذلك كل الخطوط الحمراء، مستعينين بسيناريوهات أفلام هوليود الأمريكية وحتى الرسومات المتحركة ''فلة والأقزام السبع''، بحقن الخمر داخل تفاحة أو برتقالة، ليس للتخلص من وريثة العرش وإنما لتسهيل تمرير هذه المادة المحرمة شرعا والممنوعة قانونا، إلى أحد المعارف المعاقبين لسنوات بين قضبان السّجن. ومن جهة أخرى؛ فإن ابتكار طرق حديثة تتماشى مع تشديد الحراسة والمراقبة على قفة المسجون، تبقى من بين انشغالات المعنيين بمحاولات تمريرها إلى المؤسسات العقابية، كما جاء في تصريح محدثنا أنه من بين الحيل التي تم كشفها مؤخرا عن طريق الصدفة اعتماد عدد من المساجين على منشفة ''سربيتة''، يتم غطسها في الخمر ليوم كامل ثم يتم وضعها لتجف ولدى استلام السجين لها، يقوم بتبليلها مرة أخرى داخل وعاء مائي وعصرها لاستخراج ما جفف فيها، ويكون بذلك قد ضرب عصفورين بحجر بتمريره لمنشفة الممنوعات والمحرمات. المخدرات بدل ''النّواة '' أو ''العظمة '' في التّمر وإن كانت هذه الطريقة لا تبتعد كثيرا عن الطريقة الأولى والثانية؛ فإن تعويض نواة حبّة التّمر أو ''العظمة''، كما يقال بالعامية بقطعة مخدرات، هي طريقة جهنمية بحد ذاتها، بحيث أشار محدثنا إلى أن بعض الأشخاص من زائري المساجين، سواء أصدقاؤهم أو أقاربهم يتعمدون شراء علب التمر المغلف ب''السيلوفان''، من أجل تهريب المخدرات، بحيث يتم تعويض النواة أو العظمة بقطع مخدرات على أن تعاد إلى العرجون، وإعادة تغليف العلبة بطريقة مرتبة، من أجل إبعاد الشبهات عنها، وبهذه الطريقة يتم إدخال المحظورات إلى السجين المدمن في الغالب على المخدرات، وتكون سبيلا في تلبية رغبته، وإن كانت هذه طريقة ضد مصلحة المسجون الذي يذهب ضحية لهذه الطرق، عوضا أن يستغل وجوده بين قضبان السجن، من أجل التخلص من السمّوم في جسمه والعلاج منها. ''التّشاراك'' بالهيروين أو ''غبرة الفهامة '' له طعم آخر لدى المساجين وإن اختلفت الطرق التي يستعين بها بعض زوار المساجين لتلبية رغبات الأسير الموجود في المؤسسة العقابية؛ فإن إدخال الهيروين إلى السجين عن طريق رشه فوق حبة ''التشاراك ''، وهي إحدى الحلويات الجزائرية المعروفة يضفي عليه طعما آخر، وامتزجت طرق تغليفه بين السّكر '' وغبرة الفهامة ''، ويستعين الزائر ببعض الأطباق للتمرير أو بالأصح للتهريب، بتفتيت قطعة المخدرات على وجبة جاهزة للأكل، ويكون بذلك تمريرها أسهل بكثير من الإنتباه لها من طرف أعوان الأمن والرقابة، كما استعان على سبيل المثال لا الحصر أحد الأشخاص الذين حاولوا تمويه أعوان الحراسة الذي تفطنوا لدى محاولته رفقة شقيقته تمرير قطعتين من المخدرات وحشوهما داخل ديك رومي طازج، أثناء زيارة إلى شقيقهما المعاقب بمؤسسة عقابية، فكانا بذلك الفعل قد تعرضا إلى جزائهما بعد تقديمهما إلى التحقيق معهما، حول خلفية هذا الفعل.وليس بعيدا عن الدّجاج المحشو بالزطلة؛ فإن الكثيرين ممن التقت بهم ''النهار''، وتحاورت معهم في هذا الشأن؛ أكدّوا أن الأغلبية ممن يحاولون تمرير الممنوعات إلى المؤسسات العقابية، يقومون برش الأكلات من أطباق مختلفة بالمخدرات ''كيف'' أو''هيروين'' بشكل غير ملفت للإنتباه، كرشها على ''الشكشوكة '' ساخنة، أو خلطها مع السكر الناعم الذي استبدل بطعم المخدرات، لإبعاد الشبهات، خطة جهنمية توصل إليها أصحاب العقول المفتوحة، وهو تفطنهم بأن كل ما هو محفوظ داخل ''ورق ألمنيوم'' لا يكتشفه جهاز'' السكانير''، حتى هذا الأخير لا يكتشفه. ففي ظل المساعي حثيثة التي يقوم بها الساهرون على مراقبة كل الواردات إلى المؤسسات العقابية، والإطاحة بمثل هذه التجاوزات التي من شأنها أن تزيد الطين بلة داخل المؤسسة، لما في تمرير هذه المواد السامّة إلى هذه المؤسسات من خطورة على السجين و زملائه منهم داخل قضبان الحبس، وعلى أعوان الحراسة كذلك، إلا أن هؤلاء وفي قصة حقيقية في إحدى السجون بالجزائر، ثلاثة أعوان حراسة لم يستطيعوا مقاومة رائحة الحلويات التي كانت تخرج من إحدى العلب الموجهة إلى أحد المحبوسين وتذوقوا ''التشاراك المسكر'' جعلهم محل متابعة بتهمة استهلاك المخدرات، إلاّ أن التحقيق كشف أن السكر المرشوش على التشاراك، ليس إلا مخدرات فقد على إثرها أعوان الحراسة وعيهم.