د. محمد الهاشمي الحامدي عاتبتني الأخت نجوى من العراق، في سياق حوار فكري عام، وقالت لي بنبرة استنكار: لماذا تكثر من مدح الديمقراطية البريطانية والإستشهاد بها، وقد كان بوسعك أن تمدح الديمقراطية الإسلامية وتستشهد بها؟ أوافق الأخت نجوى في حديثها عن أهمية الديمقراطية الإسلامية، لأنني أعرف أن القرآن الكريم حث على الشورى وأمر بها، وجعل حقوق الإنسان منحة إلاهية لا يجوز لإنسان أن يمس بها، وأكد كرامة بني آدم كافة بقطع النظر عن جنسهم وألوانهم ومعتقداتهم. كما أنني قرأت مصداق هذه التوجيهات في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وتعامله مع الناس، فقد كان الإمام الرائد في العدل بين الناس، وفي مشاورة أصحابه والنزول عند حكم الشورى حتى إذا خالفت رأيه، وكان نصيرا للمرأة، رائدا لمبدأ المساواة بين كل البشر، وداعية للتعايش السلمي بين المسلمين وأهل الكتاب من خلال ميثاق المدينة الذي وضعه في أول هجرته صلى الله عليه وسلم إلى طيبة الطيبة. وأعرف أيضا كيف تجلّت هذه القيم في سيرة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، وخاصة في فترة حكم عمر بن الخطاب الذي ما عرف التاريخ أعدل منه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكفي أنه الحاكم المسلم الذي اقتص لمواطن قبطي مصري من ابن الوالي المشهور عمرو بن العاص رضي الله عنه، وهتف بذلك النداء العجيب الذي شق التاريخ بقوته وصحته: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار!! كما أدرك أن هذه القيم الأصيلة في الإسلام هي التي حمت المسلمين، حتى في أيام ضعفهم وتراجعهم، وحتى أثناء سيطرة الحكم الفردي في تاريخهم، حمتهم من أن يخضعوا لأهواء الفرد وحده وحكم الغاب. فقد كانت قيم الشريعة الإسلامية دائما أقوى من الحكام المستبدين، يحكم بها القضاة المسلمون في ديار الإسلام الواسعة، ويقيمون بها العدل، ويحمون بها عموم المسلمين من أن يستخدموا في ارتكاب جرائم كبيرة ضد الإنسانية مثل جرائم الهولوكوست أو الإبادة الجماعية أو محاكم التفتيش أو إرغام الناس على تغيير معتقداتهم بالقوة أو إقامة نظم التمييز العنصري. أعرف هذا كله، وأعرف أن أكثر المنصفين من غير المسلمين يشهدون به للإسلام وأهله، لكن ذلك لا يتعارض مع إعجابي الكبير بالديمقراطية البريطانية، وأشرح ذلك بالتفصيل غدا إن شاء الله.