لم تعد التجارة حكرا على الكبار فقط، إذ أن شوارع مدينة بوقطب بالبيض تكشف عن ذلك، حيث أصبح الأطفال يقتحمون هذا الميدان بممارسة بعض النشاطات التجارية، ومنها بيع التبغ، ومن بين الظواهر التي أصبحت ملفتة النظر بالمدينة انتشار آفة التدخين بين العديد من الأطفال وخاصة التلاميذ منهم. فبعد أن أصبحت عادة في أوساط الشباب اقتحمت السيجارة عالم الطفولة من بابه الواسع، وقد بارك هذه الظاهرة عدد المتسربين من المدارس سنويا حيث يلجأ هؤلاء إلى الشارع لكسب العادات والأمراض الاجتماعية المتفشية فيه، وتكون البداية محاولة الكسب السريع، والاعتماد على النفس في تلبية جزء من الحاجيات، حيث يعمل هؤلاء على اقتناء كمية من التبغ ذات الصنع المحلي، وولاعات لإعادة بيعها من جديد، ثم تتكرر العملية مرات عديدة، قد تؤول إلى الفشل لكن ينتهي أغلبها عند منعرج واحد، وهو الإدمان على هذه المادة. وإذا كان بعض الممارسين لهذه الهواية يستغلون الفترات الخارجية عن الدراسة والعمل سواء كان ذلك خفية أم بتسهيلات من الأولياء، فإن لهم أحلامهم البريئة حول هذا العالم. وعالم هؤلاء مليء بالغرابة التي لا تخلو من الطرافة لاسيما وأنه يخضع لأحكام ومقاييس يتفق عليها أغلبية المنتمين إلى هذا الميدان، لكن عندما تختلط البراءة بشريحة الكبار تكون النتيجة لا محالة خصبا للكسب، وأرضية صلبة لتكوين بورجوازيين من الأطفال، الذين يتخطون مرحلة الحقيبة إلى سوق الجملة. والملفت للانتباه أن هذه الفئة من التجار الصغار لها طرقها الخاصة في جلب البضاعة، وعقد الصفقات مع تجار السوق السوداء، خاصة إذا ما كانت أنواع التبغ مستوردة، كأصناف المالبورو والليجوند. أطفال يبيعون السجائر لحساب أسماء كبار التجار وإذا كان بعض الأطفال يعمل لحسابه الخاص، فهناك من يعمل لدى أشخاص معينين، قد يكون لهم اسم في الساحة، وربما تجار ميسورين يقوم كل منهم بتزويد مجموعة من الأطفال بالمادة التي يتم تسويقها، بحيث تسلم الحصيلة في نهاية اليوم إلى المصدر الممون، مقابل نسبة لا تغطي متاعب الرحلة من الزبائن، لكنها ترضي البائع الطفل، الذي يصل إلى الحلم بالحقيبة لحسابه تمكنه من الاستقرار في السوق والاستفادة الكلية من العوائق، ولا يشترط أن يكون الممون تاجرا أو شابا في مقتبل العمر، بقدر خبرته التي تؤهله لهذا المجال وربما مركزه المالي. بوقطب عاصمة الدائرة يتمركز فيها العديد من الباعة خاصة بالأحياء التي تكثر بها الحركة بسبب ارتفاع عددهم هناك، وهو ما قلل من فرص ربحهم على الزبائن، وهذا ما أرغم بعض الباعة إلى الانطلاق عبر التجمعات السكنية العامرة، أين تنصب الطاولات وكأنها أكشاك متنقلة، وحتى بالمناطق التي تقل فيها المحلات أو الاستقرار في بعض المقاهي المعروفة بكثرة زبائنها بعد موافقة أصحابها طبعا. ورغم صغر سن البراءة الذين اقتربنا منهم كحكيم 14 سنة و كمال 13 سنة إضافة إلى معمر 15 سنة من المنتمين إلى هذه الدائرة سرعان ما يتفقهون بقواعد اللعبة ليصبحوا منافسين لأصحاب الأكشاك خاصة من حيث جلب الزبائن الذين تدفعهم الشفقة والرأفة لهؤلاء إلى طلب سلعهم وترك لهم بعض السنتيمات، وعليه يمكن اعتبار أن السيطرة على اتجاه المادة الواسعة الاستهلاك بالمدينة قد يعود دون مبالغة في الاعتقاد إلى شبكة من الباعة الماهرين الصغار. إهمال الأولياء سبب لجوء الصغار لهذه التجارة هذه الظاهرة بدأت تروج في السنوات الأخيرة، وإن كانت تكشف عن تهاون بعض الأولياء في إبعاد أولادهم عن هذا النوع من العمل الذي يضر أكثر مما ينفع خاصة وان اغلب الأطفال يتعودوا على التدخين في سن مبكر مثلما أكده الطفل "جمال" ذو 14 ربيعا انه تعود على التدخين بعد ممارسته لهذه التجارة منذ سنتين و هو نفس الموقف الذي عبر عنه "زهير" 13 سنة و الذي ترك مقاعد الدراسة في سن مبكرة و دفعته الحاجة إلى ممارسة بيع السجائر لضمان مصروف زائد لعائلته المتكونة من 6 أفراد هذا ما يجعل للطفل قابلية للتقليد لاسيما وأن حالة الفرار من المدرسة واللجوء إلى بيع التبغ مثلا تعود في أغلبيتها إلى التعود على التدخين، العادة التي تكتسب من محيط وعائلة الطفل ومن ثمة الرغبة الملحة في الحصول على السجائر ولا يمكن اعتبار الفقر أو الحاجة مقياسا لانتشار هذه الظاهرة كما حدثنا بعض الأطفال لأن هذه الفئة أخذت عادة بيع التبغ طريقها إلى عالم الأطفال ولا غرابة في أن يصبح أحدهم بائعا للمخدرات بعد سنوات من ممارسة هذه المهنة.