د. محمد الهاشمي الحامدي عض اليسارين المتشددين في العالم العربي يظنون التدين بضاعة اخترعتها الحركات الإسلامية المعاصرة ذات التوجه السياسي، ولا يرون من سبيل لمنافسة ما يسمى اليوم بحركات الإسلام السياسي إلا بمعاندة الدين وحقائق التاريخ. يظن هؤلاء الإخوة في العروبة أنهم قادرون على النجاح في تحقيق ما لم ينجح فيه ستالين وأنور خوجة وحكام الجمهوريات السوفياتية السابقة، أي كبت الأشواق الدينية في الإنسان، وتسفيهها، ومسحها من صدور المؤمنين وعقولهم. وقد شرحت في سجال سابق مع مثقف يساري محترم أن الإسلام ليس بدعة أصولية، ولا هواية خاصة بطلبة العلوم والتقنيات. إنه شوق الإنسان الفطري للحقيقة الكبرى في الكون، وهي أن الكون بما فيه، والبشر كافة، من خلق الله عز وجل، وأن الحياة لم توجد عبثا ولا صدفة، وأن الآخرة حق، وأن يوم الحساب آت لا ريب فيه، فمن زحزح عن النار يومئذ وأدخل الجنة فقد فاز. يشهد بهذا أعظم من مشى على أديم هذه الأرض من بني البشر. ابراهيم ويعقوب وداود وسليمان وموسى وعيسى ومحمد وإخوانهم من الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام. ويشهد لهذا أعظم الفلاسفة والعلماء في تاريخ الإنسانية. وتشهد له جحافل المؤمنين على مدار التاريخ من أتباع نوح وإبراهيم ووهود وصالح ولوط عليهم السلام، ومن اليهود والمسيحيين والمسلمين وغيرهم. هم الأغلبية الساحقة من البشر منذ بدء الخليقة تقريبا. لذلك لن ينجح الذين يحاولون تقديم الحداثة مشروعا منافسا للإسلام أو معاديا له، مهما حاولوا التلبيس على التاريخ والحقائق، ومهما تمادوا في الشهادة على أمتهم وعلى المفاهيم والتشريعات الإسلامية. المسلم المتدين يحتاج إلى الإسلام والإسلام لا يحتاج إليه. المسلم المتدين يجد سعادته وطمأنينته وإنسانيته في مبادئ الإسلام وأحكامه. يعرف به من أين جاء وإلى أين يمضي. ويتعلم منه أسرار السعادة وكل مكارم الأخلاق ودستور بناء الحضارة. ويتوفر له من الأدلة الكثيرة القوية المقنعة ما يؤكد له أنه على الدرب السوي والصراط المستقيم، وأنه لم يخن عقله أبدا ولا قلبه. بهذه القيم العظيمة تعاطت أغلبية المسلمون مع فكرة التحديث، وأدركت أنه لا تناقض بين الإسلام والحداثة. اليابانيون لم يدينوا ثقافتهم ومعتقداتهم من أجل أن يصبحوا قوة صناعية وتقنية عظمى. وماليزيا لم تدر ظهرها لهويتها الإسلامية كشرط لاقتحامها عالم التقنيات الحديثة. وحدهم بعض رفاقنا المتعصبين المتطرفين عندنا يصرون على افتعال الخصومة بين الدين والعصر، وبين الحكومات وجماهيرها المسلمة.