نزلت جمعية العلماء المسلمين ليلة أمس الأول، ضيفة كريمة على فضاء منتدى المعرفة لاتحاد الكتاب، حيث ارتأى القائمون الاحتفاء بمآثر الجمعية المذكورة تبعا لما تمثله من قيم تاريخية ثقافية واجتماعية، والرمزية الوطنية التي تعنيها للجزائريين، خصوصا مع أدوارها الرائدة منذ عشرينيات القرن الماضي. ركّز الموعد على إسهامات جمعية العلماء المسلمين إبان الثورة التحريرية المجيدة، وخلال مرحلة تشييد الدولة بعد الاستقلال، وعبر عديد المراحل الحساسة التي مرت بها الجزائر، بحسن تدخلها، وحكمة مؤسسيها، ومن تداولوا على رئاستها بعدهم، الأمر الذي شهد به كل من تدخل خلال الندوة التكريمية التي خصصت لها بمقر اتحاد الكتاب، حيث أشار رئيسه السابق «يوسف شقرة»، إلى تواضع هذه الالتفاتة إذا ما تمت مقارنتها بما قدمته الجمعية منذ نشأتها للوطن، وقال المتحدث بوجوب تقدير نشاطها الحافل بالنضال وتقديس رسالتها الثورية التي تبنتها منذ نشأتها العام 1931 وتثمين دورها الفعال في نشر الوعي الاجتماعي والإصلاحي، حيث واظبت على حث الشعب على مساندة ثورته وبذل الغالي والنفيس في سبيل تحرير الوطن من وطأة الاستعمار الفرنسي الغاشم. وأضاف المتحدث، بأنّ هذا التكريم المتزامن مع الاحتفالات بخمسينية الاستقلال جاء لربط جيل الماضي بجيل اليوم حتى يتمكنوا من استلهام مبادئ حب الوطن والتضحية من أجله منهم. أما «جمال سعداوي»، المسؤول الأول عن فرع اتحاد الكتاب بالعاصمة، فقد أشار إلى الدور الذي اضطلعت بأدائه جمعية العلماء المسلمين خلال الثورة التحريرية، إلى جانب الجهود التي ساهمت بتقديمها في مرحلة التشييد والبناء للدولة الجزائرية الحديثة بحركتها الإصلاحية التي تطرقت إلى مختلف المجالات التي تهم المواطن في الحياة، انطلاقا من تشييد المدارس للإسهام في نشر التعليم، إضافة إلى توسيع نطاق نشر اللغة العربية بين شرائح المجتمع، وعمل الجمعية على الحفاظ على الثقافة الإسلامية في الجزائر، بالرغم من محاولة الإدارة الفرنسية طمسها ومحوها من الذاكرة الجماعية للشعب. وأضاف المتحدث أن جمعية العلماء المسلمين، سعت إلى بعث التاريخ الإسلامي والعربي، كما عمل روادها إلى توجيه الشعب إلى وجهة وطنية تتعارض جملة وتفصيلا مع سياسة الاحتلال. ومن جانبه، استعرض «سعيد بوحريرة» مآثر وخصوصيات شخصيات أعضاء جمعية العلماء المسلمين، حيث قال: «كانت مناقبا نجحت في غرس مكارم الأخلاق في نفوس الشباب وحاربت البدع والرذائل، ووجهت المواطن إلى طريق الصواب باستعمال أساليب التعليم المختلفة، حيث انتهجت طرق التدريس المتنوعة في تعليم الكبار والصغار». قسوم: «الخمسينية منعرج حاسم يقتضي استرجاع هيبة الضاد» ليلقي «عبد الرزاق قسوم»، رئيس جمعية العلماء المسلمين، محاضرة خلال الندوة حملت عنوان «الدور العلمي والمعرفي لوسائل الإعلام قبل وبعد الاستقلال... التجربة الإعلامية لجمعية العلماء المسلمين نموذجا». وتطرق المتدخل إلى تعداد الوسائل التي اتخذتها الجمعية في سبيل إيصال أفكارها إلى المجتمع، أولها المنهج الإعلامي الحذق الذي خاض تجربة إعلامية رفيعة المستوى، أصدرت خلالها ما يفوق 18 صحيفة أشهرها الشهاب، النصر، البصائر، الشريعة المحمدية، السنة النبوية، الصراط السوي، حيث خصصتها الجمعية لمواجهة مكائد الاستعمار، وتصحيح الدعوة الإسلامية التي أرادت إدارة فرنسا تشويهها، وكذا نشر محتوى الحركة الإصلاحية التي باشر فيها رائد النهضة العربية بالجزائر «عبد الحميد ابن باديس» والناطق الرسمي للجمعية والذي ظل كما قال قسوم يدافع ومن معه عن حرية هذا الوطن ونادى باستقلاله وبضرورة الحفاظ على مبادئ الدين الإسلامي وكل ما يتعلق بالمجتمع الجزائري بأبعاده الثقافية، كما عمل على محاربة ظاهرة الجهل والجمود والبدع والخرفات من خلال مقاومته للاستعمار وإصلاح النفوس وتطهيرها، وترسيخ مقومات الشخصية الوطنية، كل ذلك يضيف المسؤول الأول على جمعية العلماء المسلمين «عبد الرزاق قسوم» كان عن طريق الصحف التي اهتمت بنشرها هذه الجمعية، والتي كان المحتل القديم يترصدها ويقتفي أثارها، ومن يكتب فيها ويسرع في حلها وزج أقلامها بغياهب السجون الفرنسية لإقماع صوت الثورة وهدم وسائلها الفاعلة في إشارة منه. وأول ما قام به الفرنسيون يقول قسوم تحويل العديد من المساجد إلى كتدرائيات، مثل ما حدث مع جامع كتشاوى بالعاصمة الذي نادى فيها الفقيه «أحمد بن قباطي» أحد أئمة العاصمة القديمة في خطبة الجمعة وعيناه تملؤهما الدموع «أيها الناس هذا المسجد ستحوله فرنسا إلى كنيسة». كما تطرق في معرض حديثه إلى خصائص الإعلام إبان الثورة التحريرية، والتي قال بشأنها أنها لم تعرف التخصص بل تناولت كل ما يتعلق بالشعب الجزائري، وكان يحدد الهدف من زاوية مخالفة لنوايا المستعمر، وكذا استغلال حفلات الأفراح والجنائز لتبليغ رسالة الثوار، هذا وقد أعرب قسوم عن أسفه عن الوضع المتردي الذي وصلت إليه اللغة العربية في عقر دارها قائلا: «خمسون سنة تمر على استقلال الجزائر ولم نستطيع إعداد جيل يحسن اللغة العربية». من جانبه أعطى الأستاذ «حمزة سعيدي» التخطيط الإستراتيجي لمنهجية الإعلام الذي سار عليها أعضاء جمعية العلماء المسلمين الذين أحسنوا حسبه قيادة الأمة الجزائرية. وفي السياق ذاته أشاد الدكتور «عبد المجيد بيرم» الأمين العام لجمعية العلماء المسلمين، مذكرا بخصال أتباعها وبنبوغ فكرهم وبمسيرتهم العلمية والتعليمية التي قاموا بها منذ نشأتها إلى غاية مرحلة البناء والتشييد.