شدّدت الشاعرة ربيعة جلطي، وهي تحتفل في الفترة الأخيرة بصدور جديدها “نادي الصنوبر”، أنّ الرواية العربية بحاجة إلى تثقيف، واصفة الشعر ب«الحبيب” الذي لا يمكن خيانته، ووصفت جلطي الكتابة بالسباحة في المجهول المعلوم، حيث قالت: “حينما أكتب أشعر أنني مثل الطائر المهاجر الذي حين يحين موسم الرحيل إلى مناخ أو فضاء أو جغرافيا أخرى، بحدس شعري غير مفسر، يرفع جناحين، يشهرهما ثم يسافر”. خلال حوار الكتروني، أضافت جلطي التي دخلت عالم الكتابة السردية برواية “الذروة”، أنّ الشعر لا يمكن خيانته لأنه مثل حبيب العمر، نضع على صدره رأسنا ونحلم حتى الموت، وقالت: “حين وُجِدْتُ وَجَدْتُ الشعر فيّ أو وجدتني فيه، هي أدوار نتبادلها دون أن نعرف من خلق الدور، ودون أن نعرف من يلعب دور من..” ”السرد العربي يعيش خارج الصدق” قالت صاحبة “من التي في المرآة” في ردها على سؤال دار حول مدى عجز السرد العربي، وتجاوزها من خلال كتاباتها ما أثار حفيظتها في الأعمال الروائية التي تحدثت عنها سابقا: “أشعر بأن السرد العربي مع استثناءات قليلة يعيش خارج الصدق، يبدو أن الكتابة الروائية العربية فيها كثير من الاستسهال، إني أشعر بأننا انفصلنا في الكتابة الروائية المعاصرة، من جهة عن الموروث السردي العربي الكبير من كتابات المعري وأبي حيان التوحيدي والجاحظ وألف ليلة وليلة وكتب الأخبار والنوادر واللصوص وكتب الفقهاء الجريئة، فلم نعد نقرأها بعد أن صادرها التحنيطيون والمتطرفون في العالم العربي والإسلامي”. وأضافت: “ومن جهة أخرى وفي ضوء ضعف الترجمة إلى العربية وضعف تعليم اللغات الأجنبية أصبحت علاقتنا بما يكتب في الرواية العالمية محدودة، إن لم أقل معزولة أو مشوهة نظرا للترجمات المقموعة.. انطلاقا من ذلك يبدو لي أن الرواية العربية تحتاج إلى تثقيف وإلى إعادة وصلها من جهة، وبشكل نقدي، بالتراث السردي العربي الكبير ومن جهة أخرى بالمنجزات العالمية الكبرى في باب الرواية الإنسانية خاصة الرواية الآسيوية الشرقية، وأقصد بذلك الرواية اليابانية والكورية والباكستانية والصينية، ففي هذا المنجز الروائي الشرقي كثير من تقاطعات السرد الذي فقده العرب، فأعتقد أن العودة إلى مثل هذا السرد الآسيوي الشرقي الكبير من شأنه أن يفتح التجربة الروائية العربية على تجريب متميز في الكتابة التي نطمح دفع الرواية العربية والسرد العربي في اتجاهه”. ”الشعر أجمل ما في السرد إذا شع من داخل الحدث” وحول استعمالها لمقاطع شعرية خلال سرد رواياتها أكدت مبدعة (تضاريس لوجه غير باريسي) أن الشعر ليس ضعفا في السرد حين يشع من داخل الحدث بل يعد أجمل وأعظم ما في السرد حين يكون جزءا أساسيا في تشكيل شعرية سردية، وقالت: “شخصيا لا أستسيغ بعض الروايات التي يحاول مؤلفوها تغطية ضعف السرد وشروط الرواية بلغة شعرية مجنحة لا تضيف إلى أحداث الرواية شيئا أساسيا أو تدفع بها نحو الأمام.. إلا أن ذاكرة الأدب العربي حتى الآن لا يمكن أن تنسى نصوصا لجبران خليل جبران وفيكتور هيغو، لأنهما كانا في الشعر وهما يكتبان النص السردي، لا أراه عيبا حين يكون الشعر جزءا أساسيا من مفاصل لغة السرد ومن دهشة الحكاية ومن الحفر في أغوار الشخصيات، وهذا ما حاولت الاشتغال عليه في روايتي (الذروة) وكذا في روايتي الجديدة (نادي الصنوبر) الصادرة هذه الأيام عن الدار العربية للعلوم - بيروت ومنشورات الاختلاف - والتي ستكون حاضرة في معرض الكتاب الدولي قريبا”. كما ردت جلطي على سؤال تمحور حول مدى بحثها عن قارئ نوعي لما تكتبه بالقول: “أتمنى أن تقرأ روايتي في كل مكان وفي أوساط مختلفة اجتماعيا ولغويا وجغرافيا لأنها في نهاية المطاف رواية للإنسان ونص في نشيد الحرية ومديح الحياة الكريمة ضد الظلم والتهميش، لذا حين أكتب، وأساسا في لحظة الكتابة الإبداعية، لا أفكر في قارئ معين، لكني حين أخرج من حالة الإبداع أو من زمن الكتابة إلى زمن القراءة، أتمنى أن يقرأ العرب هذا النص لأنه لهم وأتمنى في الوقت نفسه أن يقرأه الآخرون من غير العرب، لأننا في نهاية المطاف نتقاسم هذه الأرض ونتقاسم السماء وشمس الصباح وظلمة الليل، ونتقاسم هاجس المعركة ضد القبح والظلم والفقر والعبودية الفردية والجماعية”. ”كتابتي عن الحب لا تمنع قلمي النظر إلى معايشي الأزمة ومسببيها” ذكرت المتحدثة على صعيد احتواء كتاباتها على بعض التلميحات السياسية، أنها لا تكتب الرواية السياسية بالمفهوم الإيديولوجي العاري واستطردت بقولها: “أعيش عصري بكل تفاصيله انطلاقا من أنني مواطنة، فأكتب عن الحب والغواية ولكن لا يمنعني هذا ولا يغشى بصري وقلمي من أن أنظر بتمعن إلى الحياة في عنفوانها، ولا أغض البصر أبدا عن حياة الناس من حولي سواء منهم الذين يسببون الأزمة أو الذين يعيشونها، أعيش معهم وألمس واقعا ومحيطا بكل ما فيه من فساد، الفساد الذي استشرى في هذه السنوات الأخيرة”. وتضيف: ؛الرواية الممتعة تشبه المقطوعة الموسيقية التي تتراقص على مجمل السلم الموسيقي، الرواية هي الأخرى تحتاج إلى لغة الهمس التي تسكن بين جوانح كل منا وإلى اللغة العالية التي يحتاجها الفرد في تنديده بوضعه الذي يلاقيه، لذا فبقدر ما تكتب روايتا (الذروة) و(نادي الصنوبر) الحب والتواصل والأزمات الذاتية تكتبان الفساد الذي لا يمكننا أن نشعر به كظاهرة قاتلة إلا حين يتحول إلى ضغط قاس على الفرد وأساسا المرأة.. لذا أقول بأن موضوع الفساد السياسي والأخلاقي موضوع أساسي في روايتي وهما بذلك تكونان الصوت المعبر عن الحلم الجزائري، وأيضا عن الحلم العربي في محاولات التخلص من الدكتاتوريات الجاثمة على العباد منذ سبعين سنة، ولعلي كنت منذ رواية (الذروة) قد تنبأت بالربيع العربي، وبما يمكن أن يوصل إليه هذا الواقع العربي المغلق والمنتفخ بالكذب على الشعوب، لكني أعيد وأقول بأنني ضد الرواية الأيديولوجية، فأنا كاتبة أدب وجمال ورمز.. أحرص وأنا أكتب عن الفساد على تحقيق شيء مركزي في الكتابة السردية، وهو إمتاع القارئ وإدهاشه، حتى وهو ينظر في مرآة مهشمة”.