تطرح الأمهات مشكل مكوث الأطفال لوحدهم مع بداية كل موسم اجتماعي، ما يجعل البحث عن جليسة مناسبة حاجة تفرض نفسها وتتطلب ميزانية إضافية لا بديل عنها في سبيل سلامة الأطفال، لتبقى إشكالية عدم تخصص أولئك النسوة والأخطار التي يمكن أن يتعرض لها الطفل مطروحة بشدة وتنخص طمأنينة الأولياء. يصدق المثل القائل”مصائب قوم عند قوم فوائد”، فحاجة الأمهات إلى مربية مسؤولة جعل الكثير من النساء يمتهن مهنة الجليسة، فهذه فتحت بيتهالاستقبال عدد من الأطفال ترعاهم خلال فترة غياب أوليائهم مع أخذهم وإرجاعهم من المدرسة، فيما فضلت أخريات التنقل إلى بيت الطفل مستغلات ظروف النساء العاملات وحاجتهن إلى مربية تهتم بالأطفال خلال فترة غيابهن عن بيوتهن، وهو ما جعل نساء لا علاقة لهن بهذه المهنة يحولن بيوتهن إلى روضة خاصة، والملاحظ أن أغلب أولئك المربيات كبيرات في السن، اجتزن مرحلة تربية أبنائهن ووجدن أنفسهن بعد سن معين لا شغل لهن وهو ما شجع بعضهن على ولوج هذه المهنة. ربات البيوت بين مؤيدة ومغلوبات على أمرهنّ اختلفت آراء ربات البيوت بخصوص إقبالهن على جليسات غير مختصات في عالم الطفل ولكن “لا حيلة باليد” هكذا عبّرت بعض العاملات اللواتي لجأن إلى نساء من معارفهن حتى يرافقن أطفالهن، رغم أنهن يدركن جيّدا أن الظروف لن تكون مريحة للطفل، الذي قد يشكّل مصدر إزعاج يجعل الجليسة المعنية تملّ العناية به ما يعرضه للمخاطر، إلا أن النظرة كانت مختلفة بناء على تجربة بعض النسوة، حورية إحداهن تقول أنها تترك أطفالها الثلاثة عند إمراة في الخمسينيات من العمر، وهي جدّ مطمئنة عليهم لأنها تعرفها جيّدا وتعرف مدى إحساسها بالمسؤولية، كما تعتبر أن النساء الكبيرات في السن مؤهلات أكثر من غيرهن لأداء هذه المهنة. وفي السياق اقترحت إحدى الأمهات اللائي طالما وجدت مشكلا مع أطفالها المتمدرسين إلى ضرورة أن تخصص المدارس فضاء خاصا للتلاميذ الذين لا يستطيعون العودة إلى بيوتهم في غياب أوليائهم، وذلك تحت إشراف مختصين يتولون العناية بالطفل إلى أن يعود أوليائه لاصطحابه إلى البيت. تعتبر بعض النساء هذه المهنة وسيلة من أجل تحقيق بعض الربح، فيما لا يزال الأمر مرفوضا لمن تخاف تحمل مسؤولية الآخرين، حيث عبّرت بعض النسوة عن خطورة مرافقة أطفال الآخرين، معتبرات أنها مسؤولية كبيرة ومن تفتح منزلا لإستقبال أطفال متمدرسين تحتاج إلى رخصة قد تنقذها في حال تعرض الطفل لمكروه. السلام التقت بعض النساء اللواتي اشتهرن في ممارسة هذه المهنة في أحد أحياء العاصمة، حيث أكدن أن الأمر يندرج من باب المساعدة وكسب الحسنات على حدّ تعبير بعضهن، وأن ما يكسبنه من مال هو مبلغ رمزي جدا تخصصه لمستلزمات الطفل خلال مكوثه في البيت، وبالمقابل تقول إحدى الأمهات أنها تدفع مبلغ 5000 دينار شهريا من أجل مكوث طفلها في أحد البيوت رغم أنها تحضر له ما يأكله، ما يجعلنا نقف على بعض الحالات التي جعلت من مهنة الحاضنة مجالا للبزنسة، فمنهن من تختار زبائنها بعناية والأفضلية لمن يكون والديه قادرين على الدفع أكثر، ليصبح ذلك الطفل محل مزايدة بين نساء غير مؤهلات في الكثير من الأحيان لمزاولة هذه المهنة. المسألة بدأت بأم تطرق باب جارتها تاركة أطفالها عندها، ولكن تحولت مع مرور الوقت إلى نشاط أقرب إلى التجارة في ظل غياب الرقابة، وعوض أن تفتح دار حضانة تكبدّها فواتير الضرائب تجد من بيتها فضاء حرا. أكدت نسيمة أنها استأمنت جارتها على رعاية أطفالها إلى حين عودتها من العمل مقابل مبلغ 3000 دينار شهريا، إلا أنها تفاجأت لأكثر من مرة بأبنائها يلعبون بحقائبهم في الشارع ولكن لم تجد بديلا آخر يغنيها عن تلك التجارة، لتبقى الأم غير مطمئنة في أغلب الأوقات، وتدعو الله أن تذهب إلى البيت لتجد أطفالها سالمين. الجليسات: ما نتلقاه لا يضاهي حجم أتعابنا إذا أردت لقاء أولئك الجليسات، فستجدهن أمام أبواب المدارس، فليس كل مرافقة للطفل هي أمه وهو ما عمدنا إليه من أجل الحديث مع بعضهن. زهيدة واحدة منهن قالت أن الأطفال الذين ترعاهم يرهقونها وفكّرت في كثير من الأحيان من التوقف عن هذه الممارسة، التي تعتبرها فعل خير أكثر منها مهنة، مشيرة أنها تخسر وقتها مقابل بعض المال الذي لا يضاهي ما تحصله عليه الأم خلال عملها، وفي الصدد ذاته قالت إحدى الجليسات أن مهمتها متعبة للغاية فهي تتولى رعاية خمسة أطفال وتضطر إلى اصطحابهم للمدرسة كما تشرف على أكلهم ومشربهم، وهو أمر جدّ متعب ولا بد من مكافأة معتبرة على حدّ تعبيرها. تتعدد شكاوي الأمهات من بعض الجليسات، تقول نادية التي تكبّدت مصاريف أكثر من ثلاث جليسات خلال السنة الفارطة: “إنّ بعض أولئك الجليسات مراوغات، فعندما تقصدينها لأول مرة تفتح لك بيتها وتستقبلك بحفاوة وهي تدعوك لتكوني مطمئنة على أطفالك، كما لا تطلب الكثير ولكن بعد مدة قصيرة تتغيّر معاملتها وتطلب مزيدا من المال، وفي حال رفضت ذلك فستبعث لك أطفالك لتجدينهم في الشارع أو تهمل رعايتهم، المهم أن تحافظ على ذلك المبلغ الذي تعطيها إياه”. كما نجد من تتجرأ على ضرب الطفل بحجة تأديبه وإعادة تربيه سواء من طرف المربية ذاتها أو بعض أفراد عائلتها. إنفاق 15 ألف دينار والمحصلة “قرنطيطا” هي صرخة أخرى لأم دخلت في صراع مع إحدى المربيات التي اشترطت عليها مبلغ 15 ألف دينار مقابل العناية بطفلين في الإبتدائي، ولكن مع مرور الوقت تأكدّت أن أطفالها لا يأكلون شيئا سوى قطع الخبز ب”القرنطيطا” التي تشتريها لهم في طريق العودة من المدرسة. الجليسة .. تخصص قائم بذاته يأتي هذا في ظل تواجد مراكز التهمين التي توفّر تخصص مربيات أطفال، والتي تتطلب فترة من الدراسة تتلقى خلالها المتربصة فنون التعامل مع الطفل ورعايته جسديا ونفسيا، فمربية الأطفال بحاجة إلى تكوين خاص وليس مهنة يزاولها من هبّ ودبّ، كما لابد أن تشتغل في إطار قانوني يحمي الطفل ويوفّر له فضاء بيداغوجيا مناسبا يستفيد منه خلال فترة غياب والديه.