في ذكرى استشهاده 07 نوفمبر 1956 ولد زيان عاشور بالبيض بلدية البسباس دائرة أولاد جلال ولاية بسكرة في 1919، من الأب مبروك والأم بركاهم بنت السعيد، زاول تعليمه الابتدائي في زاوية الرميلة وحفظ القرآن الكريم على يد الشيخ العيد بن الباهي في بلدة عين الملح سنة 1935، واصل تعلمه بزاوية الشيخ المختار بأولاد جلال حيث نال قسطا وافرا من العلوم الشرعية والعربية، ليُجند في الجيش الفرنسي عنوة ويخرج من صفوفه سنة 1944، وفي سنة 1945 انخرط في حزب الشعب ثم حركة انتصار الحريات الديمقراطية وكان مكلفا بالدعاية والأخبار بناحية أولاد جلال تحت غطاء لجنة البطالين. ق.م نتيجة لنشاطه المشبوه ألقي عليه القبض مرارا، كانت إحداها لنشاطه الدعائي في الحملة الانتخابية لفائدة مرشحي حزبه ليعاد إلى السجن سنة 1948. عُرضت عليه العديد من الإغراءات المادية للتخلي عن نشاطه السياسي إلا أنه رفضها وسافر إلى فرنسا في نفس السنة، ليواصل ممارسة عدة مهام سياسية كلفه بها النظام -آنذاك- في مدينة ليون ليعود سنة 1952 إلى الوطن ويعتقل من جديد. وفي سنة 1953 رزق بابن سماه (جمال عبد الناصر) تيمّنا بنجاح الثورة المصرية في 23 جويلية 1952، وفي نفس السنة استدعي للمشاركة في مؤتمر الحزب ببروكسل ( بلجيكا ) ولم يتمكن من الحضور بسبب منع السلطات الاستدمارية له وإقدامها على اعتقاله لمدة قصيرة. وما إن خرج حتى شرع في مواصلة نشاطه تحضيرا للثورة المجيدة، وهذا ما جعل السلطات الاستدمارية تُقدم على اعتقاله كالعادة يوم 02/11/1954، حيث مكث في السجن إلى غاية جويلية 1955 ومن المؤكد أن وجوده في سجن (الكدية) مع عدة وطنيين من بينهم الشهيد (مصطفى بن بولعيد) ساعده على التخطيط للثورة، ليسارع بعد خروجه مباشرة من السجن إلى الاجتماع بمناضلي الجهة في بوسعادة، فيقرر انطلاق الثورة بقوة في الناحية متخذا جملة من القرارات من أهمها: 1/ الإسراع في تكوين نواة لجيش التحرير الوطني بالجهة اعتمادا على أبنائها 2/ تجميع الأسلحة وإبقائها في يد مجاهدي الجهة، إلا ما زاد عن الاحتياجات الضرورية. ثم انتقل إلى ناحية أولاد جلال حيث قام بنفس المهمة وهنا كان اتصاله بالشهيد سي عمر إدريس على رأس فوج من المجاهدين حيث اتفقا على تمركز هذا الأخير في ناحية (الخرزة ) للإشراف على تدريب المجاهدين، وبقي الأمر على هذا الحال إلى أن تم تعيينه رسميا كقائد عام لوحدات الجيش الموجودة آنذاك وهذا من قبل الشهيد مصطفى بن بولعيد الذي كان قد فر من السجن والتحق بصفوف الثورة في الجبال بالأوراس. وفي شهر مارس 1956 استدعى الشهيد مصطفى بن بولعيد الشيخ زيان عاشور لاجتماع عام حضرته إطارات الثورة في المنطقة الأولى آنذاك والتي كانت تتبعها هذه الجهة وهذا في المكان المسمى (الجبل الأزرق – تافرنت) وهنا أخبر الحاضرين أن زيان عاشور هو مسؤول الصحراء وقال الشهيد مصطفى بن بولعيد مقولته الشهيرة (جاء الرجل الذي نعتمد عليه في الصحراء ). وتشاء الأقدار أن يستشهد سي مصطفى بن بولعيد قبل أن يحضر كل المدعوّين ويلقي كلمة التأبين الشيخ زيان ثم قفل عائدا إلى منطقته. وبعد رجوعه استدعى وحداته العاملة بالجهة، حيث عقد اجتماعا عاما وقسّم الوحدات إلى نواح وعلى رأس كل وحدة مسؤول بعدما حدد منطقة نشاط كل وحدة، وبعد هذا التقسيم انطلقت العمليات العسكرية بمختلف النواحي ابتداء من شهر ماي 1956 وكانت استجابة الشعب قوية ساعدت على انتشار الثورة، وكلف سي زيان عمر ادريس للتصدي لبلونيس الذي تسرب إلى نواحي مناعة قادما إليها من الشمال، بعدما قاومته الولاية الثالثة ليتراجع مؤقتا، وتواصلت العمليات العسكرية بنواحي الجلفة وبوكحيل ونواحي بوسعادة بقيادة الشيخ زيان إلى غاية استشهاده في معركة واد خلفون بتاريخ 07/11/1956. من معارك جيش القائد زيان عاشور: معركة درمل مارس 1956 م اندلعت المعركة بقيادة عبد لله السلمي بقرية الهامل من الساعة الرابعة مساء إلى الثلث الأول من الليل رفقة إحدى عشر مجاهدا ضد العدو الفرنسي، انتهت باستشهاد مجاهد واحد، وبخسائر في صفوف العدو قدرت بخمسين جنديا ما بين قتيل وجريح، وكرد فعل على خسارة المعركة، قام الجيش الفرنسي بقذف قرية الهامل لعدة أيام، وتهديم عدة منازل قريبة من مكان المعركة. معركة غفسة – 1 مارس 1956 م قاد هذه المعركة فوج من المجاهدين من بينهم عمر إدريس، عبد الرحمن بن الهادي، لخضر رويني، رفقة ثلاثون مجاهد، فقد كان المجاهدون متحصّنين في أعلى الجبل، بينما كانت قوات العدو في السفح، الأمر الذي ساعد على انتصار المجاهدين بانهزام العدو الفرنسي، بحيث دامت المعركة يوما كاملا. معركة غزران – ماي 1956 م و كرد فعل من طرف العدو الفرنسي على هجوم عمورة، بسبب انتصار المجاهدين فيه، وقعت معركة غزران في الخامس والسادس من ماي سنة 1956 م، بقيادة محمد بن الهاني ورويني لخضر رفقة خمسين مجاهدا، وقد دامت يومين كاملين، انتهت بمقتل أطفال المجاهد سعد بن لهصك، الذي شارك رفقة زوجته في هذه المعركة، التي تكبد فيها العدو الفرنسي خسارة كبيرة، فقد أعطت هذه المعركة للثورة دفعا قويا بالمنطقة لما حققته من انتصار باهر على القوات الاستعمارية . معركة قعيقع – 10 جوان 1956 بعد سلسلة من العمليات بنواحي الجلفة، نظم الاستعمار الفرنسي حملة في ال 10 جوان 1956 ضد جيش "زيان عاشور" الذي كان تحت قيادة عمر إدريس المتمركز بناحية قعيقع، فتصدى لها ببسالة فائقة في معركة رهيبة بجبل "قعيقع" دامت يومين كاملين تحت قيادة عمر إدريس رفقة مسؤول الناحية عبد الرحمان بلهادي، وقد جرت أحداثها في المكان المسمى "القعادي". قبل هذه المعركة، قام جيش التحرير بإقناع 13 جنديا من فرسان الخيالة (سبايس) بالانضمام إلى صفوف المجاهدين بأسلحتهم، كما قام المجاهدون بإحراق محطة السكك الحديدية بمدينة الجلفة، وورشة أشغال بالقرب من المحطة، وقطعوا أسلاك الهاتف بين الجلفة وحاسي بحبح، كما أنهم قاموا بإطلاق الرصاص باتجاه القطار، فأصابوا ثلاثة من عساكر العدو، وأدى ذلك إلى إغاظة الجيش الفرنسي الذي اقتفى أثرهم إلى غاية جبل قعيقع. أراد القائد عمر إدريس في هذه المعركة أن يتحدى القوات الفرنسية، وفضل أن يعطيهم درسا ليبرهن للمناضلين وللمواطنين، بأن أبطال جيش التحرير متواجدون بقوة وقادرون على الضرب في أي مكان وفي الوقت الذي يقررونه ويختارونه. بدأت المعركة عندما حشد العدو الفرنسي قوات ضخمة تمثلت في أرتأرتال متنوعة من العربات المدرّعة وناقلات الجند تدعمها أسراب من الطائرات، وقد استطاع المجاهدون بحنكة كبيرة استدراج عساكر العدو إلى ميدان المعركة، بعد أن تمركزوا في أماكن محصنة بين الصخور وأشجار البلوط والعرعار، وكان عدد المجاهدين 90 مجاهدا ومعهم بعض خلايا الاتصال. شرعت القوات الفرنسية في الهجوم مستخدمة لأول مرة قنابل النابالم الحارقة، وبما أنها أول مواجهة بهذا الحجم، فقد استبسل المجاهدون وأعطاهم ذلك دفعا فتمكنوا من هزيمة العدو الفرنسي الذي تراجع بعد أن أدرك بأن استمرار المعركة يعني هزيمة قاسية. نتائج المعركة: خسائر العدو: – مقتل عدد من عساكر العدو خصوصا من الأفارقة السينيغاليين. – إسقاط طائرة من نوع ت 06 وتحطيم عدة آليات. – غنم 32 بندقية آلية ومدفعين رشاشين من نوع 24 ورشاشا ثقيلا ألمانيا. خسائر جيش التحرير الوطني: سقوط سبعة شهداء في ميدان المعركة، ثلاثة جنود، وأربعة مسبلين وتسجيل العديد من الجرحى. استشهاد الشيخ زيان عاشور لقد فكر زيان عاشور في أن يقيم احتفالا للذكرى الثانية لاندلاع الثورة من أجل تجديد العهد والعزيمة على دحر العدو في أول نوفمبر، حيث قام باستدعاء عدد من المسؤولين العسكريين والسياسيين وبعض الوحدات المسلحة، ومن بينهم سي عميروش، للقدوم وتبليغ قرارات مؤتمر الصومام، ولحضور الاحتفال بمناسبة ذكرى نوفمبر بناحية الحمرة بجبل بوكحيل، وذلك بتنظيم استعراضات للتشكيلات العسكرية وإقامة ولائم للمجاهدين. وتواصلت هذه الاحتفالات إلى غاية الرابع من نوفمبر، تخللتها لقاءات وخطابات ألقاها زيان عاشور بهدف التوعية والتحضير، وأثناء هذه الاحتفالات تحدث القائد زيان عاشور إلى قائد الناحية عبد الرحمن بلهادي، وطلب منه بالعودة إلى قعدة الغمامتة بعد الاحتفالات والاتصال بالإخوة في الولاية الخامسة من أجل التنسيق والتعاون لجلب السلاح، كما أخبره أنه سيلتحق به إلى هناك لمقابلة العربي بن مهيدي قائد الولاية. وعندما انتهت الاحتفالات انتقل زيان عاشور رفقة مجموعة من المجاهدين من الحمرة قاصدا جبل قعيقع في طريقه إلى مقر قيادته، أين اجتمع في طريقه ببعض المناضلين بمنطقة عين فارس قرب جبل ثامر في السادس من نوفمبر، وكان من المقرر أن يأخذ هذا الاجتماع بعض الوقت حتى يتمكن زيان عاشور من الوصول إلى مقر إدارته، ونظرا لكون الطريق كان مكشوفا، عاد زيان عاشور إلى وادي خلفون ليتمركز به ويكمل طريقه في اليوم الموالي، وبوادي خلفون اندلعت المعركة بين زيان عاشور والقوات الفرنسية في 7 نوفمبر 1956 م. معركة واد خلفون 07 نوفمبر 1956 واستشهاد القائد زيان عاشور حدثت هذه المعركة إثر قيام العدو الفرنسي، بتمشيط للمنطقة واكتشافه وجود فرقة من جيش التحرير بواد خلفون، فقامت قواته بمحاصرة المكان بشكل كامل، كان عدد المجاهدين 35 مجاهدا بقيادة (الشيخ زيان عاشور، الأخضر الرويني وعاشور محمد) وكانت الأسلحة التي في حوزتهم هي رشاش خفيف، 02 فيزي قارا، والباقي خماسيات وسداسيات نوع (ألماني، ايطالي، فرنسي)، أما بالنسبة لقوات العدو فقد جندت إمكانيات ضخمة وعددا كبيرا من العساكر والدبابات، بالإضافة إلى 16 طائرة مختلفة الأنواع، وكانت إمدادات العدو تأتي من عديد المراكز. فبينما كان مجاهدان يراقبان تحركات العدو الفرنسي ويحاولان معرفة تشكيلته، مرت طائرة استطلاعية تمكنت من تحديد مكان المجاهدين، مما كان سببا في ارتباكهم، في تلك الأثناء تلقى فيها العدو إشارة الطائرة عن مكان تواجدهم، وهو ما جعل القوات الفرنسية تقوم بعملية إنزال الجنود المظليين، بالقرب من المجاهدين، وأحدث هذا الإنزال خللا في إستراتيجية المجاهدين بحيث قسمهم إلى قسمين، مجموعة من المجاهدين في جهة، ومجموعة أخرى متكونة من خمسة جنود من بينهم القائد زيان عاشور في جهة أخرى و رغم عدم ملائمة المكان وقلة المرافقين له، إلا أن القائد قرر المواجهة وعدم الاستسلام، وعندما نشبت المعركة بين الطرفين كانت الساعة تشير إلى الثامنة والنصف صباحا، واستمرت إلى غاية حلول الظلام بدون انقطاع استعمل فيها العدو كل إمكانيته البشرية والمادية، خاصة طائراته التي لم تتوقف عن قنبلة المنطقة طيلة أطوار المعركة. وقد كان اهتمام المجاهدين خلال المعركة مركّزا على كيفية إنقاذ القائد زيان عاشور لأنه كان في حوزته وثائق تتعلق بأسرار المنطقة كلها، ولحسن الحظ لم يحصل عليها العدو نتيجة خروج كاتب سي زيان من المنطقة المحاصرة وحمله إياها، وبعد ساعات من القتال نفذت ذخيرة المجاهدين الذين قاوموا مقاومة الأبطال. سقط سي زيان مع 07 من رفاقه وقد اعترف العدو بضراوة المواجهة وبسالة المجاهدين. نتائج المعركة الخسائر في صفوف العدو : 200 جندي مابين قتيل وجريح. الخسائر في صفوف جيش التحرير الوطني: استشهاد 6 مجاهدين وإصابة 02 بجروح خطيرة أُسِرا من طرف العدو، والشهداء هم :زيان عاشور، نعامة محمد الصغير، سعداني محمد، بوزيدي عبد الرحمان، علي البليدي، يحياوي أحمد. استغلت القوات الفرنسية استشهاد زيان عاشور من أجل محاولة إرباك المجاهدين والمواطنين من خلال التمثيل بجثته وعرضها بمختلف القرى والمداشر والمدن، وخاصة أولاد جلال وقرية البيض مسقط رأسه، كما تناقلت خبر وفاته وسائل الإعلام الفرنسية على أنه انتصار ساحق للعدو. بعدها تم دفنه خلسة في مقبرة عمومية مثلما فعلوا لاحقا مع "عميروش وسي الحواس"، لكن من قام بدفنه أخبر المناضلين في الجلفة عن مكانه، وبعد نيل الاستقلال توجهت السلطات إلى المكان الذي دفن فيه، وبعد فتح قبره وجدوه كما هو بلباسه وملامحه التي لم تتغير، وتم تحويل جثته إلى مقبرة الشهداء في الجلفة أين تتواجد حاليا.