إن حسن الظن بالله تعالى عبادة قلبية جليلة، ولم يفهمها حق فهمها كثير من الناس، ومعتقد أهل السنة والجماعة في هذه العبادة وكذا فهم السلف القولي والعملي لها هو أن حسن الظن بالله تعالى يعني اعتقاد ما يليق بالله تعالى من أسماء وصفات وأفعال، واعتقاد ما تقتضيه من آثار جليلة، كاعتقاد أن الله تعالى يرحم عباده المستحقين، ويعفو عنهم إن هم تابوا وأنابوا، ويقبل منهم طاعاتهم وعبادتهم، واعتقاد أن له تعالى الحِكَم الجليلة فيما قدَّره وقضاه، ومن ظن أن حسن الظن بالله تعالى ليس معه عمل فهو مخطئ ولم يفهم هذه العبادة على وجهها الصحيح، ولا يكون حسن الظن مع ترك الواجبات ولا مع فعل المعاصي، ومن ظن ذلك فقد وقع في الغرور والرجاء المذموم والإرجاء المبتدع والأمن من مكر الله وكلها طوام ومهالك. وهنا يقول ابن القيم رحمه الله: وقد تبين الفرق بين حسن الظن والغرور وأن حسن الظن إن حمَل على العمل وحث عليه وساعده وساق إليه فهو صحيح، وإن دعا إلى البطالة والانهماك في المعاصي فهو غرور، وحسن الظن هو الرجاء، فمن كان رجاؤه جاذباً له على الطاعة زاجراً له عن المعصية فهو رجاء صحيح، ومن كانت بطالته رجاء ورجاؤه بطالة وتفريطاً فهو المغرور، وإحسان الظن بالله لابد معه من تجنب المعاصي وإلا كان أمنًا من مكر الله، فحسن الظن بالله مع فعل الأسباب الجالبة للخير وترك الأسباب الجالبة للشر هو الرجاء المحمود، وأما حسن الظن بالله مع ترك الواجبات وفعل المحرمات فهو الرجاء المذموم وهو الأمن من مكر الله. والأصل في المسلم أن يكون دائماً حسن الظن بربه تعالى، وأكثر ما يتعين على المسلم حسن الظن بربه تعالى في موضعين، الأول عند قيامه بالطاعات، فمن حسُن ظنه بربه تعالى دفعه ذلك لإحسان عمله، وقال الحسن البصري رحمه الله: «إن المؤمن أحسنَ الظنّ بربّه فأحسن العملَ وإنّ الفاجر أساءَ الظنّ بربّه فأساءَ العمل، والثاني عند المصائب، وعند حضور الموت، فيجب على المؤمن أن يُحسن الظنَّ بالله تعالى، وأكثر ما يجب أن يكون إحساناً للظن بالله عند نزول المصائب،وعند الموت. ويتبين مما سبق أن حسن الظن بالله تعالى لا يكون معه ترك واجب ولا فعل معصية، ومن اعتقد ذلك نافعاً له فهو لم يثبت لله تعالى ما يليق به من أسماء وصفات وأفعال على الوجه الصحيح، وقد أوقع نفسه بذلك في مزالق الردى، وأما المؤمنون العالِمون بربهم فإنهم أحسنوا العمل وأحسنوا الظن بربهم أنه يقبل منهم، وأحسنوا الظن بربهم عند موتهم أنه يعفو عنهم ويرحمهم ولو كان عندهم تقصير، فيُرجى لهم تحقيق ذلك منه تعالى كما وعدهم.