شعيرة الحج عبادة عظيمة وغاية جليلة، فهي تقُوِّي الإيمان وتُزكِّي النُّفوس وتُقوِّم السُّلوك وتُهذِّب الأخلاق، فإذا قام بها المؤمن خير قيام وأدرك مقاصدها، واستشعر معانيها كان لها أعظم الأثر في حياته وبعد مماته. عليك - أخي الحاج - وقد أكرمك الله سبحانه وتعالى بزيارة بيته ووفّقك لأداء فريضته، أن تقف مع نفسك وقفات، تتأمّل حالك وتراجع قلبك وتُصحِّح سيرك. عِظَم نعمة الله عليك، بأن وفّقك لأداء هذه الفريضة العظيمة ممّا يستوجب شُكر الله جلّ وعلا على هذه النِّعمة، كيف لا وقد حُرِمَها غيرُك وهو يهفو إليها. ومِنْ شُكْرها أن تحفظها من الضياع، وأن تلازم طاعة ربّك وتستقيم على دينه وشرعه. الثبات والمحافظة على هذا العمل من المحبطات والآفات، وأن تسأل الله في كلّ حال أن يحفظ عليك دينك وأن يوفّقك لطاعته ويجنِّبَك معصيته لتكون مع ''الّذِين أنْعَمَ اللهُ عليهِم مِنَ النّبيِّين والصِّدِّيقين والشُّهداء والصَّالحين وحَسُن أولئك رفيقًا'' النساء.69 ومن الأمور الّتي ينبغي الاهتمام بها بعد القيام بأيّ عمل وخاصة حج بيت الله تعالى، مسألة قبول العمل: هل قُبِل أم لا؟، لأنّ التّوفيق للعمل الصّالح نعمة كبرى، ولكنّها لا تتم إلاّ بنعمة أخرى أعظم منها، وهي نعمة القبول. وهذا متأكّد جدًا بعد الحج الّذي تكبّد فيه العبد أنواع المشاق، فما أعظم المصيبة إذا لم يقبل؟ وما أشدّ الخسارة إنْ رُدَّ العمل على صاحبه، وباء بالخسران المبين في الدِّين والدنيا!. ومن أسباب قبول الأعمال الصالحة 1 استصغار العمل وعدم العجب والغرور به: إنّ الإنسان مهما عمل وقدّم، فإن عمله كلّه لا يؤدي شكر نعمة من النعم الّتي في جسده من سمع أو بصر أو نطق أو غيرها، ولا يقوم بشيء من حق الله تبارك وتعالى، فإن حقه فوق الوصف، ولذلك كان من صفات المخلصين أنهم يستصغرون أعمالهم، ولا يرونها شيئاً، حتّى لا يعجبوا بها، ولا يصيبهم الغرور فيحبط أجرهم ويكسلوا عن الأعمال الصالحة. 2 الخوف من رد العمل وعدم قبوله: لقد كان السلف الصالح يهتمون بقبول العمل أشدّ الاهتمام، حتّى يكونوا في حالة خوف وإشفاق، قال الله عزّ وجلّ في وصف حالهم تلك: ''والّذِين يُؤتُون ما آتُوا وقُلوبُهُم وَجِلَةٌ أنَّهُم إلى ربِّهِم راجعون × أولئك يُسَارِعُون في الخيرات وهُم لهَا سابقون'' المؤمنون. 3 الرجاء وكثرة الدعاء: إنّ الخوف من الله لا يكفي، إذ لا بُدّ من نظيره وهو الرّجاء، لأنّ الخوف بلا رجاء يُسبِّب القنوط واليأس، والرّجاء بلا خوف يُسبِّب الأمن من مكر الله، وكلّها أمور مذمومة تقدح في عقيدة الإنسان وعبادته. 4 كثرة الاستغفار: مهما حرص الإنسان على تكميل عمله، فإنّه لا بد من النقص والتقصير، ولذلك علّمنا الله تعالى كيف نرفع هذا النقص فأمرنا بالاستغفار بعد العبادات، فقال بعد أن ذكر مناسك الحج: ''ثُمّ أفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ'' البقرة.199 5 الإكثار من الأعمال الصالحة: إنّ العمل الصّالح شجرة طيّبة، تحتاج إلى سقاية ورعاية، حتّى تنمو وتثبت، وتؤتي ثمارها، وإنّ من علامات قبول الحسنة: فعل الحسنة بعدها. وهذا مِنْ رحمة الله تبارك وتعالى وفضله أنّه يكرّم عبده إذا فعل حسنة، وأخلص فيها لله أنّه يفتح له بابًا إلى حسنة أخرى ليزيده منه قُرْبًا.