أعادت قضية الشكوك الموجهة لوزيرة التربية الوطنية المعينة حديثا نورية بن غبريط رمعون التي تدور حول احتمال كونها من أصول يهودية إلى الأذهان الممارسات الموجودة سواء بالمجتمع الجزائري أو حتى الطبقة السياسية الجزائرية، حيث يسارع كثيرون إلى التقصي عن الجهة التي ينتمي إليها الشخص، قبل الحديث عن كفاءته وقدراته وإنجازته. وبغض النظر إن كانت هذه الوزيرة التي لم تدافع بعد عن نفسها، ولم تصدر أي تصريح عن الشكوك التي تلاحقها، تبقى النزعة الجهوية تلاحق المجتمع مثلما تلاحق الطبقة السياسية، وصارت الخلافات الموجودة بين السياسيين أو حتى أفراد المجتمع تتوقف على المذهب والأصل وطبيعة المنطقة المنتمى إليها، والجنسية التي من الممكن أن يحملها، بدل من البحث في مدى قدرة الأشخاص على القيام بواجباتهم على أكمل وجه. وسارعت أطراف سياسية الى إصدار "مواقف" حول الوزيرة بن غبريط لمجرد شكوك حول انتماءاتها وأصولها مبنية على كلام أنترنيت، رغم عدم وجود أي تأكيدات ولمجرد "إشاعات"، أو حتى بالنسبة لوزراء آخرين لا ذنب لهم سوى أنهم غير معروفين على الساحة السياسية والإعلامية، وذكر بيان للنهضة أن "إسناد دوائر وزارية هامة لها علاقة ببناء الهوية الوطنية لشخصيات مجهولة الوجهة السياسية ينذر بمخاطر وتخوفات على مستقبل الناشئة الجزائرية تربويا وثقافيا وتعليميا". وسارع مسؤول جبهة "الصحوة الحرة" الإسلامية السلفية الشيخ عبد الفتاح زراوي حمداش إلى التأكيد -بطريقة اعتباطية- شكوكا تحوم حول أصول وزيرة التربية الوزيرة وذكر وهو ينتقد تعيينها بالحكومة الجديدة "يهودية بالأصل تقود وزارة التربية ومستقبل التعليم والتربية في بلاد جزائر الإسلام والشهداء والجهاد"، وتساءل حمداش" بأي حق وشرعية ومصداقية تتولى اليهودية بالأصل نورية بن غبريط رمعون وزارة التربية وقطاع التعليم في الجزائر؟"، كما وصف قرار تنصيب الوزيرة على رأس وزارة التربية بالقرار "الخطير جدا". وبعيدا عن القضية التي أثيرت حول الوزيرة، تبقى الجهوية تغذي النشاط السياسي والمجتمعي بالجزائر على حد سواء، فلا زال كل تلمساني يعتبر مواليا لرئيس الجمهورية، ولا زال الأشخاص يسألون عن أصولهم إن كانت أمازيغية أو عربية، كما غذت الفتنة المذهبية من أزمة غرداية ونتج عنها سقوط أرواح، ولازالت أصول المسؤولين يُبحثُ عنها وتدخل نقاشات عقيمة، عوض أن يُسئل عن مشاريع وأفكار يقدمونها وآفاق مستقبلية يفتحونها، وهو ما يجعل البلاد تعيش في وضع متخلف وطنيا وحضاريا وسياسيا.