مشاكل عدة يواجهها مجتمعنا في عدة مجالات ومن أهمها ما يخص المستوى التعليمي وارتفاع نسبة الأمية ما عرقل كثيرا مشاريع التنمية، لتبقى الأمية واقعا يفرض القيام بتحديات كبيرة على من حملوا على عاتقهم مهمة تنوير العقول رغم العراقيل التي يواجهها جل الناشطين في مجال محو الأمية وكذا المقبلين عليها بفعل بعض الذهنيات الاجتماعية البالية. لم تعد المدرسة صاحبة الحق الوحيد في القيام بعملية التعليم، بل شارك المجتمع المدني بشتى مؤسساته في نشر التعليم لدى الفئات التي حرمت منه، ومن هنا يتجسد الدور الهام الذي تلعبه بعض الهيئات في تعليم الكبار وتثقيفهم. جمعية الإصلاح والإرشاد ذات الطابع الاجتماعي، التربوي والتثقيفي، إحدى الجمعيات الناشطة في مجال محو الأمية بالتنسيق مع الديوان الوطني لمحو الأمية وتعليم الكبار حملت شعار «المساهمة في محو الأمية والعمل على تحديث الوسائل والطرائق»، أين يعمل بها ممثلون من الجمعية من كلا الجنسين، وفي كل ولايات الوطن في سبيل محو الأمية، حيث يتم تأطير حوالي 35 ألف أمي. السلام خلال حديثها مع الناشطين في الجمعية، التمست فخرهم على أنهم تمكنوا من تقديم ولو القليل للخروج من الجهل، وكان السؤال المطروح دائما لديهم: هل حققنا أهدافنا في محو الأمية من خلال تمكين أفراد المجتمع من آليات وتقنيات التعليم؟ نصر الدين حزام، نائب رئيس جمعية الإصلاح والإرشاد، يقول عن أهداف الجمعية: «الهدف الأسمى للجمعية هو جعل كل أفراد المجتمع لهم القدرة على التعاطي مع محيطهم اليومي من خلال المعاملات اليومية، حيث يصبح عنصرا فعالا، يندمج بسهولة مع المجتمع، حيث توجد بعض العينات لمحو الأمية التي اندمجت في الوسط المدرسي أو المهني، ويبلغ معدل سن الملتحقين بين 30 إلى 40 سنة، ولكن يمكن أن يزيد أو ينقص، خاصة وأن التسرب المدرسي للأطفال جعل بعضهم يلجأ لبرامج محو الأمية». «لا يجب أن نرضى بالأمية كلازمة من لوازم وجودنا» يقول ملاك قسوم، رئيس اللجنة الوطنية لجمعية الإصلاح والإرشاد، مؤكدا أنه لاتزال هناك نقائص وعراقيل. جمعية الإصلاح والإرشاد في قراءتها للأرقام المسجلة حول الأمية التي تمس 21 بالمئة من السكان، أكدت على لسان رئيس لجنتها الوطنية أنها بعيدة عن الواقع وعن تطلعات الجمعية، يقول: «نرغب خلال هذه السنة في تحسين تلك الأرقام من خلال البحث عن أميين جدد»، ويضيف قائلا: «نحن لا نريد الكسب وراء محو الأمية، بل مستعدون للانسحاب في حال قضينا على هذه الآفةو فمجال محو الأمية هي مهمة الجميعو وهو فريضة وواجب وطنيو لذا أردنا تجسيد الشعارات إلى فعل ميداني تتحمل فيه كل جهة مسؤوليتها تجاه الوضع وتحدد مساهمات ملموسة وليس فقط لجمع الإحصائيات والإعلام بها والدعاية». الجلفة.. الولاية الأكثر تضررا من الأمية أكد ملاك قسوم، أن ولاية الجلفة أكثر المدن الجزائرية التي تعرف نسبة كبيرة من الأمية، وإن لم تتوفر لديه الإحصائيات الدقيقة، إلا أنه أرجع ذلك إلى المساحة الشاسعة لهذه الولاية والتي تضاهي مساحات بعض الدول «ولكن الجمعية حققت نتائج مبهرة للغاية في مجال نشر التعليم بها، حيث ترتفع نسبة المنخرطين بأقسام محو الأمية في الولاية من سنة إلى أخرى لتليها مباشرة مدينة سطيف التي تضم حوالي 6583 دارس في محو الأمية و172 معلم». الرغبة في حفظ القرآن وراء الإقبال وعزوف كبير للرجال يقبل العديد من كبار السن على أقسام محو الأمية رغبة منهم في قراءة القرآن بطريقة مسترسلة، حيث يؤكد أغلب المسجلين في هذه الأقسام أنهم يشعرون بخجل كبير وهم يرون جماعات من الشعوب الأخرى يقرأون القرآن في الحج والعمرة، في حين يعجز بعضهم عن ذلك ولا يستطيعون فتح المصحف، لأنهم وبكل بساطة لا يعرفون القراءة، من هؤلاء الذين تخلصوا من أميتهم بعد التحاقهم بأقسام محو الأمية من قرر مواصلة المشوار الدراسي بالحصول على شهادات أخرى أو الانضمام إلى مراكز التكوين المهني، في حين فضل بعضهم الآخر التطوع في تحفيظ القرآن للآخرين. هذا ويلاحظ أن إقبال النساء على التعلم بشكل يفوق بكثير عما هو عليه في أوساط الرجال، حيث يلاحظ عزوف الكثيرين عن التعليم، ولكن المرأة رفعت التحدي أكثر من الرجل حسب ما يؤكده بعض ممثلي جمعية الإصلاح والإرشاد، تقول حليمة، معلمة محو أمية من ولاية مستغانم: «نلاحظ إقبالا محتشما للرجال، وذلك راجع إلى التوقيت غير المناسب بالنسبة للرجل والمقرر من الواحدة زوالا إلى الرابعة مساء، لذا نطالب بتغير التوقيت بالنسبة للرجال إلى ما بعد المغرب»، أما بالنسبة لقدرة الاستيعاب بين الرجل والمرأة فأكدت «أن الرجل يأخذ ما يحتاج مثل الرياضيات لإجراء الحسابات والمعاملات التجارية، كما أن المرأة تحرص على تعلم اللغة لحفظ القرآن». ومن نشاطات جمعية الإصلاح والإرشاد تنظيمها للعديد من الملتقيات الجهوية في كل ولايات الوطن، أما المناطق الصحراوية فقد خصصت لها زيارات خاصة لرصد مشاكل المكاتب الولائية، حيث تشتكي من جملة من المشاكل التي تتراوح بين مشاكل ذاتية مثل عدم الإطلاع على النظام الداخلي للجمعية وجهل إجراءات الالتحاق بها كمتعلمين، إضافة إلى نقص التأطير، حيث يرى قسوم أن هناك شروطا تعجيزية في القبول نتيجة تداخل القوانين مثل اشتراط توفير 40 دارسا إضافة إلى الحجم الساعي المقرر ب24 ساعة أسبوعيا، وهذا ما لا يمكن تحقيقه نتيجة السن الذي وصل إليه الدارسون الكبار والتزاماتهم، علاوة على عدم الالتزام بصرف رواتب المؤطرين والتسوية في المعاملة بين مختلف المناطق الريفية في التوظيف الذي يكون من مستوى الثالثة ثانوي، في حين يمكن لصاحب مستوى الرابعة متوسط التدريس في محو الأمية لو تم تأطيره ورسكلته حسب ما أكده رئيس اللجنة الوطنية للجمعية. المنهاج ومدة الدراسة أكثر الانتقادات الموجهة لبرنامج محو الأمية وللتعرف أكثر على المشاكل التي يعاني منها المدرسون، اقتربنا من بعضهم لنرصد ظاهرة التسرب حتى في أوساط كبار السن، حيث تحصل هناك غيابات جماعية في صفوف المتعلمين، خاصة خلال موسم جني الزيتون أو الحصاد في بعض المناطق، أين يرفضون الدراسة، كما أن المشكل يكمن في بعض النساء في حد ذاتهن، حيث يردن حفظ القرآن مباشرة دون تعلم الحروف، إضافة إلى التوقيت والمنهاج غير المناسبين، وفي هذا الصدد تقول قسوم سمية، عضو مكتب ولاية تبسة في محو الأمية: «بالنسبة لولاية تبسة نجد مشاكل كثيرة بالنسبة للمرأة المتقدمة في السن، حيث تشعر أمام تلك التحديات بالرغبة في التعلم، ولكن أول عائق تجده هو ممانعة الزوج، لأنه يرفض أن تخرج امرأته للتعلم بالإضافة إلى عادات وتقاليد المنطقة، خاصة المناطق النائية، أين يسود المثل المعروف «بعد ما شاب علقولو الكتاب»، أي هناك نوع من الاستهزاء والسخرية، فأكبر عائق ينبع من البيت، ثم الجيران، أين يصبح الزوج محل تعليقات لكونه ترك زوجته تخرج»، ولكنها تؤكد أن المرأة إذا كانت مصممة فستتمكن من الذهاب لا محالة. أما عن مشاكل المعلمين، فتقول: «الصعوبات هي عدم الانتظام في الدراسة عند العديد منهن، خاصة وأن هناك من تدرس لمدة، ثم تنقطع، كما تغضب بعضهن لما ترى أن الدروس قد فاتتها»، وعن المنهاج الدراسي تعلق: «المنهاج جد صعب، كما أن النصوص غير مشكلة، إذ أن هناك من انقطعن عن الدراسة بسبب المنهاج إضافة أن مدة التكوين المقررة بعام ونصف غير كافية». وعن مدة الدراسة في أقسام محو الأمية، يقول رئيس اللجنة الوطنية للجمعية: «من المستحيل تحقيق نتائج فعالة في عام ونصف فقط من الدراسة، حيث برمج بتسعة أشهر خلال المستوى الأول، ثلاثة أشهر خلال المستوى الثاني، وأربعة أشهر خلال المستوى الثالث، وهذا ما لا يمكن تحقيقه في مدة أقل من ثلاث سنوات». أما عن المدرسين. فيؤكد بشأنهم أنهم يعانون من ضعف الخبرة ونقص التكوين. فهو يرى أن الملتقيات التكوينية التي تنظم خلال العطل غير كافية. إضافة إلى أن جلهم يتركون هذا العمل نتيجة عدم الاستقرار. لذا يطالبون بالإدماج في مناصب رسمية. حليمة، مدرسة من المكتب الولائي لمستغانم تقول: «أول مشكل في التعامل مع المسنين هو قلة القدرة على الاستيعاب نظرا للانشغالات والمشاكل، لذا نعمل على إزالة تلك العقد من خلال فتح المجال للتواصل بين المدرس والدارس في مجال محو الأمية»، تضيف: «نشتكي اللامبالاة حول وضعيتنا، فأنا مثلا أعمل منذ 2004 بالساعات الإضافية، ولكن لم أتقاض أجري عن هذه الساعات، فنقص الدعم يمنع المعلم من تقديم المزيد»، في حين تؤكد بعض المعلمات المتعاقدات أنهن لم يتحصلن على الأجر إلا بعد عام من العمل». طلب الاستفادة من الدعم المسطر في مجال محو الأمية وخلال الكلمة التي ألقاها ملاك قسوم، أشار إلى إستراتيجية محو الأمية المسطرة من طرف الدولة تقضي أنها ستعمل على محو الأمية نهائيا من الوطن في غضون 2015، حيث تم تخصيص مبلغ 510 مليار سنتيم لتجسيد تلك الإستراتيجية، لذا طلب رئيس اللجنة الوطنية لجمعية الإصلاح والإرشاد الناطق باسم الجمعيات الناشطة في المجال بضرورة الاستفادة من ذلك الدعم مادام أعضاؤها ينشطون على أن يقوموا بتقديم تقريرات حول مختلف نشاطاتهم، مؤكدا أنهم موظفون لدى الدولة ولكن لا يحصلون على دعم منها. وفي الأخير، تجدر الإشارة أن من أنهوا المراحل الأولى من محو الأمية معرضون للعودة إليها ما لم تتوفر المتابعة التي تمكنهم من الاحتفاظ بما تعلموه، فالأمية تبقى شرا تفعل بصاحبها ما لا يفعل العدو بعدوه.