في منتصف صيف 2010 قررت زيارة مدينة تبسة و ذلك لأني أحمل في داخلي ذكريات جميلة و في نفس الوقت مريرة عن هذه المدينة التي تلاصق الحدود التونسية و التي عرفت تاريخا يحمل في صفحاته الكثير من المحطات التاريخية بداية من الفينيقين الذين ضموها إلى مملكة قرطاجة ثم الرومان بعد تغلبهم على القرطاجيين ظلت تبسة تحت الحكم الروماني إلى أن أطلت عليها جيوش الفاتحين ، حيث إنتصر المسلمون على الرومان وأقاموا اتفاقية صلح مع البربر بقيادة الكاهنة –السكان الأصليون لتبسة ، وقتلوا الصحابي الجليل عقبة بن نافع وثلاث مئة من صحبه الكرام. عاود المسلمون فتحها بعد أن أعدوا العدة ونظموا الصفوف بقيادة حسان بن النعمان الغساني ، وفي مسكيانة خسر هو أيضا الحرب مع الكاهنة وخرج منهاثم عاد لتدخل تبسة بين مد وجزر ليتم فتح تبسة نهائيا ويتمكن المسلمون من قتل الكاهنة وأسر أبنائها التسعة لتبقى تبسة مدينة إسلامية. هذه المدينة التي قد أنجبت الكثير من أنجب أبناء الجزائر يتقدمهم الفقيد العربي التبسي الذي إختطفته زبانية المستخرب الفرنسي ، و أنجبت للجزائر عقلا أكبر من المدينة نفسها إذ سبق مدينته و بلاده باستشرافه للمستقبل البعيد لأمته الإسلامية إنه مالك بن نبي . نزلت في المحطة المركزية و من ثم بدأت السؤال عن بيت مالك كنت أنا و صديق لي في هذه الرحلة نسأل المارين فكان جوابهم العجيب : لا أدري سل غيري !! قررنا أن نوجه سؤالنا لكبار السن فتوجهنا إلى القصبة التي توجد بداخل الصور الروماني ،ذلك أن مدينة تبسة تعتبر من المدن التي تسكن التاريخ إذ تتواجد بداخل المدينة التي بناها الرومان و ما زال الصور الذي يحاصرها مثل القيد الذي يحيط بالمعصم ، سألنا أحد الشيوخ عن بيت مالك فأجابنا بوجه حزين ، أو تبحثون عن بيت مالك ؟ و بدأ بسرد كل ما يعرفه عن تاريخ مالك و عن حالة بيته التي و صلت إلى ما وصلت إليه ، أخبرنا أن بيته أصبح مرتعا للرذيلة ووكرا لأصحاب النفوس الخسيسة ، لقد أصبح مكان لتعاطي المخدرات و شرب الخمور و للدعارة ....!!! و حتى تتجلى الصورة لنا أشار بيده أن إتبعوني ، بدأنا نتبع الشيخ الذي لم نعرف له إسما و هو يقودنا في دهاليز القصبة بين أزقة ضيقة إلى أن وصلنا إلى شارع ضيق و أشار صاحبنا بيده إلى بيت من طابقين و كأنه من العصور الوسطى، فلا باب و لا نافذة و إنما هي أكواما من الإسمنت ،وضعت للحيلولة دون ولوج المفسدين لداخل البيت، عرفنا فيما بعد أن السلطات قد أزعجتها بعض الكتابات حول المآل الذي أصبح فيه بيت مالك، فوضعت هذه المساحيق الرديئة علها تخفي بعض الحقائق للظهور بالوجه اللائق أمام الرأي العام، علما أنه قد وصل لأسماعنا أنه قد أرسلت برقية أمضى عليها أزيد من 20 شخصية ثقافية في العالم الإسلامي تطالب رئيس الجمهورية للإلتفاف لوضع حدا لهذه المهزلة ولكن .... أنت تنفخ في رماد !! لم يلبث معنا هذا الشيخ كثيرا فعلامات الأسى ظاهرة على محياه و تركنا أمام بيت مالك مذهولين و مضى إلى حاله، أول ما نطقت به لصاحبي هو : هل تعرف أنا فرانك ؟ فقال من ؟ قلت له إنها قصة محزنة لمقارنتها بهذا المشهد الذي نعيشه الأن ...... إنها قصة فتاة يهودية ألمانية ولدت في مدينة فرانكفورت على نهر الماين عاشت معظم من حياتها في أمستردام في هولندا. اكتسبت شهرة دولية بعد وفاتها، بعد نشر مذكراتها التي توثق تجربتها في الاختباء خلال الاحتلال الألماني لهولندا في الحرب العالمية الثانية. انتقلت آن وعائلتها إلى أمستردام في عام 1933 بعد أن وصل النازيين إلى السلطة في ألمانيا، وكانوا محاصرين من قبل القوات الألمانية ، كانت آنا فرانك تختبأ في غرفه مخبأة في مبنى مكتب والدها بعد عامين، تعرضت المجموعة للخيانة وتم نقلهم إلى معسكرات الاعتقال. وبعد سبعة أشهر من إلقاء القبض عليها توفت أنا فرانك بالتيفوس في معسكر الاعتقال بيرغن بيلسن، والدها هو الناجي الوحيد من بين المجموعة، عاد إلى أمستردام بعد الحرب ليجد أن مذكراتها تم حفظها، وأدت جهوده إلى نشرها في عام 1947. ترجمت عن لغتها الهولندية الأصلية ونشرت لأول مرة باللغة الإنجليزية في عام 1952 بعنوان يوميات فتاة شابة. اليوميات التي اعطيت لآن في يوم عيد ميلادها الثالث عشر، تروي حياتها من 12 يونيو 1942 حتى 1 أغسطس 1944. ترجمت إلى لغات كثيرة، وأصبحت من أكثر الكتب قراءة في العالم، وكانت أساسا للعديد من المسرحيات والأفلام. و لأزيدك حسرة فإن تلاميذ المدارس الإبتدائية و الإعدادية المسلمون مرغمون على زيارة بيت آنا و تروى لهم قصة هذه الفتاة و كأن العالم اختصر في تلك الفتاة ،ولكنها طريقة التفكير اليهودية الصهيونية التي دأبت على هذا التظليل و لتجني أربحا نفسية تمكنها من قتل الألاف مثل أنا فرانك في فلسطينالمحتلة إن اليهود يتستثمرون حكاية البنت أنأ فرانك لإبتزاز تعاطف الملايين بنفس القدر التي تبتز به جيوبهم نسجوا الأساطير حول أنا فرانك واختلقوا قصصا باعوها وأفلاما روجوها حول فتاة كانت تختبئ من الألمان ، إنك لو ذهبت إلى متحف الشمع المتواجد في مدام تسو للتعجب من الوضع المقصود لزعماء العالم في غرفة صغيرة بينما تتواجد أنا فرانك في صالة كبية مجهزة بصوت أنا تحكي مأساتها للزائرين و أصوات أقدام الجنود الألمان و هم يصعدون السلم الخشبي للبحث عنها و عن أسرتها . إن بيت أنا فرانك أصبح مزارا للسياح يجنى منه مالا وفيرا و إنك لتجب عند زيارة البيت أن زواره يتساوون مع زوار الرسام الهولندي الشهير فان خوخ و لا لشيء إلا لأن مروج السلعة كان بارعا في عرض سلعته بينما نسمع عن محاولة نسف مدرسة إسلامية لا تبعد كثيرا عن بيت أنا فرانك المتواجدة بمدينة أيندهوفن فلم تتغل الجالية الإسلامية الحدث لتوظفه لتحقيق مصالح سياسية ،و بالموازاة تم حرق مسجد بمدنة نايميخن في هولندا كذلك لم تحسن الجالية إستغلال الحدث ، ذلك لأن محاميينا يملكون قضية عادلة و لكن المدافعين عنها فاشلون . نظر إلي صديقي و قال كم هو مسكين مالك ...!!!!فقلت له: نعم هذا هو بيت أو قل خراب صاحب التأملات و شاهد على القرن و المسلم في عالم الإقتصاد ، فمصيره هومصير شيخه الذي قل َّمن يعرفه "حمودة بن ساعي "و الذي لم تأخذ له و لا صورة و في الأخير أنتهت فصول حياته كما تنتهي فصول الروايات الإنجليزية الحزينة ، مات شيخا وحيدا و لم يملك ولو شقة تؤويه بل كان يقطن عند عائلته بباتنة ...!!! بدأنا نتصفح البيت من الخارج و بدأت بعض الوجوه تحملق إتجاهنا ، رأينا بعض المحلات التي تقابل البيت التي تروج للخمور و المخدرات في الزنقة التي تحمل إسم مجاهد من مجاهدي الجزائر محمد بخوش السدراتي يؤكد الحاج كافي عبد القادر و هو صاحب البيت المقابل لبيت مالك ان الوضع الذي وصل إليه بيت مالك يعتبر جريمة في حق التاريخ و في حق العلماء و المفكرين إنه لمن نافلة القول أننا نطالب لا السلطات و لكن ذوي الهمم العالية من النخب الجزائرية الذين يحملون مشعل الثقافة أن يقوموا ببادرة لجعل بيت مالك كغيره من بقايا العظماء إن بيت الفيلسوف الألماني " قوثا " هو الأن متحفا على غرار ماهو حاصل في مصر، حيث تمّ تحويل فيلا رامتان، للأديب طه حسين إلى متحف، و بيت فيليبس الهولندي كذلك و كل الأبطال و العظماء . إنتهت زيارتي لهذه المدينة و في نفسي أسى لما وصل إليه الوعي الثقافي في بلادنا ، و لا يعرف قدر فضل الرجال إلا الرجال ....... فقال أتبكي كل قبر رأيته .................. لقبر ثوى بين اللوى فالدكادك فقلت له إن الشجى يبعث الشجى .............. فدعني فهذا كله قبر مالك