قامت مجموعة من نشطاء ما يسمى بحركة بركات يوم الخميس بتنظيم وقفة احتجاجية أمام الجامعة المركزية، في الجزائر العاصمة، شارك فيها العشرات من الأشخاص الذين رفعوا شعارات مناهضة لترشح السيد عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رابعة، والتي سرعان ما تحولت إلى شعارات لمناهضة النظام كله تحت مبررات متعددة يجعل منها أصحابها وقود حملتهم التي يقودونها تحت شعار (بركات). ويطرح كثير من الملاحظين والمتتبعين للشأن السياسي في الجزائر عدة تساؤلات عن تشكيلة هذه المجموعة وخلفياتها وأهدافها الحقيقية، حيث لم يتبين كثير من المتابعين أجوبة واضحة لهذه التساؤلات وذلك يعود بالدرجة الأولى إلى حداثة هذه الحركة التي لم يتجاوز عمرها الأسبوعان، وكذا عدم تجانس العناصر المشكلة لها لاحتوائها على خليط من المشاركين الذين يظهرون في كل تجمع، إضافة إلى عدم توجيهها لخطاب موحد، فمرة تعارض ترشح الرئيس بوتفليقة وأخرى تعارض النظام وتدعو إلى رحيله، هذا رغم تأكيدها على عدم تسييسها وعدم انتمائها لأحزاب أو جماعات معينة..!؟ ورغم ذلك يمكنناأن نعتمد على عدة مؤشرات وعلامات تبين للمتابعين بعضا من توجهات هذه المجموعة البشرية والفكرية والسياسية بالنظر خاصة إلى بعض الأشخاص اللذين يشكلونها ويقومون بأدوار (زعامتية) فيها خاصة في الظهور على المستوى الميداني والإعلامي، حيث يمكننا الوصول إلى صورة واضحة عن هذه المجموعة الصغيرة التي تعارض ترشح بوتفليقة وتريد إسقاط النظام وتحاول حشد الجماهير حولها. أميرة بوراوي.. من الدفاع عن العشاق إلى "إسقاط النظام.." رغم أن هذه الطبيبة المغمورة لم تتعد سمعتها حدود مستشفى مفتاح، بولاية البليدة، إلا أن بعض المعلومات تشير إلى أنها كانت من بين الناشطات في المجال النسوي والمدافعات عن حرية المرأة!! وحرية الشباب في ممارسة (العشق الممنوع) والانحلال الخلقي على الطريقة الغربية، وقد شاركت في عدة تظاهرات من هذا النوع مثل تجمع الدفاع عن ما يسمى بحقوق العشاق بعيدا عن الأطر المعروفة في بلد مسلم مثل الجزائر الذي نظم فوق جسر تيلملي اين كان العشاق والمنحرفون جنسيا والشواذ يقومون بربط (كادنات) حديدية تعبيرا عن رباط العشق على طريقة (سان فالنتين) وهي لا تخفى أفكارها (التحررية) بالنسبة للمرأة والمجتمع الجزائري رغم كونها متزوجة! على الطريقة الغربية إضافة إلى معارضتها لقانون الأسرة، وهو ما يفسر مشاركة كثير من النساء المنتميات لهذا التيار والمتعاطفات معه في هذه التظاهرات، وقد وجدت هذه الطبيبة نفسها بفضل كثير من وسائل الإعلام كوجه بارز في هذه الحركة رغم أن تصريحاتها لم تتعد حدود التهجم على شخص الرئيس والعبارات العامة التي ترددها بعض الأحزاب، كما أن بعضهم يتساءل عن سر والدها الذي كان عسكريا سابقا في الجيش الجزائري برتبة عالية وهل كان له دور فيما تقوم به؟.. بقايا "سعيد صامدي" يلاحظ كثير من المتتبعين أن كثيرا من المشاركين في هذه الحركة هم من بقايا المتعاطفين مع سعيد سعدي وحزب الآرسيدي والذين حاولوا تنظيم مسيرات في ساحة أول ماي منذ عدة اشهر من أجل إحداث (ربيع عربي) في الجزائر على شاكلة ما حدث في الدول العربية الأخرى، غير أن الجزائريين لم يستجيبوا لدعواته ووجد نفسه أمام مجموعة صغيرة من مناضليه، وقد ظل هؤلاء يتربصون للخروج إلى الشارع، ودليل ذلك أن أولى بذور هذه الحركة انطلقت من جامعة بوزريعة التي تعد وكرا خلفيا يضم كثيرا من المتعطفين مع الآرسيدي والحركة الانفصالية لفرحات مهني والتي تعمل بالتنسيق مع بعض الجماعات في البويرة وتيزي وزو، حيث لقيت تجاوبا قليلا في هذه الولايات على عكس الولايات الأخرى. اليساريون والعلمانيون ومن بين المفارقات العجيبة في هذه الحركة أن أغلب أعضائها إن لم يكن كلهم من التيار العلماني اليساري الذي لم يجد مكانا له في المجتمع الجزائري ولفظته حركة التاريخ لعدم تماشي أفكاره العلمانية واليسارية مع المجتمع الجزائري المسلم الذي ظل يدافع عن ثوابت الجزائر ومبادئ ثورة نوفمبر الإسلام ووحدة الوطن والعربية والتاريخ، وقد أثبت الواقع فشل هذا التيار سواء في الواقع أو من خلال الانتخابات المتعددة التي حجمت قيمته وطرحتها في مكانها الحقيقي، وهؤلاء يحاولون في كل مناسبة العودة من خلال هذه الحركات العشوائية وركب كل الموجات التي قد تسمع صوتهم وتعيد الروح إلى أفكارهم، وأبرز دليل على ذلك أن تسمية هذه الحركة (بركات) هو شعار طالما استعمله الحزب الشيوعي الجزائري والمجموعات اليسارية والتروتسكية خلال سنوات التسعينات، وهو مسجل في كتاباتهم وسجلاتهم، وهم يحاولون العودة من خلاله مرة أخرى، لكن الجزائريين واعون بذلك وبتاريخ هؤلاء. بقايا ضحايا أكتوبر والعشرية السوداء وهؤلاء يشكلون بعض العناصر من المتضررين من الأزمات التي عرفتها الجزائر مثل ضحايا 5 أكتوبر وضحايا الإرهاب وبعض عائلات المفقودين وبعض الساخطين على النظام لسبب أو لآخر، ورغم مشروعية بعض مطالبهم فإن هؤلاء يحاولون ركوب كل موجة قد توصلهم إلى بعض مطالبهم التي لم يحصلوا عليها بالطرق النضالية المعروفة وهم يرون في كل احتجاج حبلا قد يوصلهم إلى إسماع صوتهم، ولكن سرعان ما يكتشفون زيف هؤلاء وتنصلهم من مطالبهم ولكن بعد فوات الأوان. الفاشلون والمنبوذون لعل من بين المظاهر التي تجلت خلال تجمع الخميس الماضي هو انضمام بعض الشخصيات الحزبية والمستقلة وبعض المترشحين المنسحبين من سباق الرئاسيات لهذه الحركة، وهو مؤشر على تطبيق مقولة (نلعب أو نحرم)، حيث أن بعض الأحزاب والأشخاص الذين لم يجدوا لهم مكانا لدى الشعب أو في صناديق الانتخاب راحوا يحوّلون مساراتهم نحو الشارع والتهديد بالفوضى والصراخ ورفع الأصوات، ومن هؤلاء من لم يستطع تجميع حتى استمارة صوت واحد، حيث تبين له أن طريق الانتخاب لن يجدي نفعا نظرا لاكتشاف قيمته الحقيقية لدى الجزائريين وهو ما جعلهم ينضمون إلى هذه الحركة إن لم يكن من اجل استعادة مكانتهم فهو من اجل التشويش والإفساد والكلام باسم المواطنين الذين رفضوا الاعتراف بهم في الواقع وهؤلاء يكذبون على أنفسهم ويعيشون في عوالم افتراضية لا تمتّ إلى الواقع بصلة. زعامات الربيع العربي وبريق الشهرة ولعل حركات الربيع العربي قد أصبحت تلهم كثيرا من الشباب من اجل الظهور ومحاولة جذب الضواء على شاكلة محمد البوعزيزي وتوكل كيرمان ووائل غنيم، وهو ما جعل بعضهم ينخرط في هذا الاتجاه بحثا عن الزعامة والبطولة وتحت أضواء الإعلام والشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي ويلاحظ هذا حتى على مستوى التسميات، واستعارة تسميات مثل (بركات) التي تماثل حركة (تمرد) في مصر أو (كفاية) عند المصريين وهو أمر أصبح واقعيا خاصة في ظل وسائل الاتصال الجديدة ولكن الخطر يكمن في طريقة استعماله في الاتجاه الصحيح والوعي بأفكاره وتوجهاته دون الوقوع في شراك بعض الحركات التي تضمر ما لا تظهر أو تلك التي تسير وفق خطط مدبرة مسبقا. من هنا يتبين لنا هذه الحركة هي عبارة عن فسيفساء غير متجانسة تجتمع في خطها الفكري والإيديولوجي المكون أساسا من عناصر تنتمي إلى التيار العلماني اللائكي اليساري وبعض عناصر الحركة الامازيغية الانفاصالي المتأثرة ببعض الأطروحات الغربية التي لا تعبّر عن روح المجتمع الجزائري وهو ما يفسر تجاهلها من طرف الجزائريين.