المكيفات الهوائية وبرودة الجو سرّ آخر تعتبر المساجد أو بيوت الله في الأرض من أفضل الأمكنة على الإطلاق لما لها من قداسة وروحانية عند المسلمين، لأن فيها تؤدى فريضة الصلاة ويجتمع فيها على الطاعات والدروس المحمدية، فكم هم كثيرون من المتطوعين الذين يولون اهتماما كبيرا بطهارة المكان ونظافته، في حين هناك البعض الآخر من البشر وخصوصا في شهر رمضان من يجعلون المسجد مكانا للنوم والاسترخاء فيتحوّل إلى (مرقد) بكل ما للكلمة من معنى. عتيقة مغوفل انتشرت مؤخرا في المجتمع الجزائري ظاهرة النوم في المساجد، خصوصا أيام شهر رمضان الذي يستغله الكثيرون لأخذ قسط من الراحة والابتعاد عن أجواء العمل فتتهافت على الإدارات طلبات العطل، لكن هذا القسط من الراحة على ما يبدو أن البعض أصبح يستغله في المسجد، وذلك بأخذ قسط من الراحة والنوم هناك بعمق ولساعات طويلة، ما يضطر القائمين عليها والمسؤولين إلى غلق أبوابها فور انقضاء الصلاة، حتى لا يتركوا مجالا لمثل هؤلاء باستغلال بيوت الله في القيلولة، وبعد شيوع هذه الظاهرة حاولت (أخبار اليوم) أن تعرف الأسباب التي تؤدي بالكثير من هؤلاء الأشخاص إلى القيام بمثل هذه التصرفات، خصوصا في الفترة الممتدة بين صلاتي الظهر والعصر، وعلى ما يبدو أن الظاهرة لم تعد تقتصر على مصليات الرجال فقط بل تعدتها إلى مصليات النساء أيضا. النوم في المسجد له طابع خاص في رمضان بما أن صحفية (أخبار اليوم) أنثى تعذر عليها الدخول إلى وسط مصلى الرجال وذلك بمصلى مسجد ابن باديس بالجزائر العاصمة من أجل رصد بعض آراء المصلين حول الظاهرة، ما كان علينا سوى الانتظار حتى تنقضي صلاة الظهر وخروج المصلين، وبعدها سؤال الإمام عن أعداد المصلين الذين يقومون بهذا التصرف الغريب، وفعلا هو ما كان بعد انتهاء الصلاة بحثنا عن الإمام، لم يكن سهلا علينا التحدث إليه وخصوصا عندما عرف أننا من الإعلام ولكن بعد جهد جهيد قبل الحديث معنا، فأخبرنا أن ظاهرة النوم في المساجد تكثر خاصة في فصل الصيف ولكن لها طابع خاص في رمضان، حيث أنها تعرف رواجا كبيرا بين الناس، فكم هم كثيرون من ينامون بين صلاتي الظهر والعصر عوض أن يستغل هذا الوقت في ذكر الله من خلال قراءة القرآن وحفظه، ثم طلبنا من الإمام رؤية أولئك المصلين بل النائمين في بيوت الله، فرفع لنا ستارا كان مسدولا على باب المصلى حفاظا على برودة المكان، فأطلعنا على عدد الناس النائمين هناك، فكان هؤلاء مبعثرين في جميع أنحاء المصلى الكل مستدير للجدار ونائم بكل راحة وكأنه في بيته وسط فراشه، بعضهم ومن شدة شعوره بالراحة نسي نفسه وأطلق العنان للشخير، والجدير أن كل أولئك النائمين كانوا يخفون أحذيتهم بجانبهم حتى لا تسرق منهم. الهروب من ضجيج البيت سبب للنوم في المسجد بعد أن تحدثنا للإمام أردنا معرفة الأسباب التي تدفع بهؤلاء إلى النوم في بيوت الله، وما كان علينا إلا الانتظار قليلا حتى نصطاد واحدا من النائمين، أول من التقينا كان السيد (محمد)، هذا الأخير واحدا من الناس الذين يحبون كثيرا النوم في المسجد، أما عن السبب فقد كان الهروب من البيت، وعلى وجه التحديد من ضجيج الزوجة والأولاد الذي يمنعون محمد من النوم بسلام، فهذا الأخير كلما يريد الاستلقاء والراحة قليلا في بيته لا يستطيع، فبكاء ابنه الرضيع وصراخ البنتين وشجارهما المتواصل جعلا محمد يهرب من فراشه والنوم فوق حصيرة المسجد، المكان الذي يجد فيه راحته و الهدوء الضائع الذي يفتقد إليه في بيته، وقد واصل محمد حديثه إلينا وأخبرنا أنه ينام بعد أن يصلي الظهر إلى غاية أذان العصر، ثم يصليه جماعة، ويخرج حينها إلى السوق وهو في كامل قواه الجسدية ثم يعود قرابة أذان المغرب إلى بيته. المكيف الهوائي وبرودة الجو... سرّ آخر فإن كان (محمد) ينام بالمسجد بحثا عن الهدوء الذي يفتقده في بيته، فإن (عنتر) ينام هو الآخر بسبب برودة المكان، فقد تبادلنا بعض أطراف الحديث مع عنتر حين كان يهم بالخروج من مسجد ابن باديس متجها إلى شارع طنجة من أجل شراء بعض الفواكه، فإن هذا الأخير يفتقد إلى مكيف هوائي في بيته ما يجعل المكان شعلة نار، وهو الأمر الذي لا يطاق بالنسبة له خصوصا وأن شهر رمضان تخلل فصل الصيف هذه السنة، لذلك يلجأ عنتر إلى أخذ قسط من الراحة في المسجد بدلا من بيته، وقد عدنا وسألنا (عنتر) عن الأسباب التي منعته من شراء مكيف هوائي يستعمله في بيته عوض النوم في المسجد بحثا عن البرودة، خصوصا وأن المواد الكهرومنزلية وفيرة في السوق الجزائرية وبأسعار في متناول الجميع، كما يمكن شراءها بالتقسيط المريح، رد علينا عنتر أنه لا يستطيع القيام بهذا لأن والدته مريضة لا تطيق غلق الغرفة واستعمال المكيف الهوائي وهو السبب الذي منعه من اقتناء واحد، وجعل النوم حلا لمشكلته. ... وللنساء نصيب من النوم في المسجد وعلى ما يبدو أن ظاهرة النوم في المساجد لم تعد تقتصر على الرجال فحسب بل أنها أصبحت تخص فئة النساء أيضا، فقد حدث مرة وفي مصلى النساء بمسجد ابن باديس، وكان شهر صفر حينها لم نكن في رمضان أن غفت إحدى النسوة اللائي يأخذن دروسا في المسجد ونامت قليلا بعد صلاة الظهر، إلا أن وعلى ما يبدو أن نومها كان عميقا جدا لدرجة أنها لم تفق إلا بعد صلاة العصر، لتجد نفسها وحيدة بمصلى النساء أين كانت باقي زميلاتها قد انصرفن إلى بيوتهن، وما زاد الطينة بلة أن المسؤولة عن المصلى غلقت الباب وغادرت إلى منزلها وهو الأمر الذي اضطر العجوز النائمة إلى انتظار حلول صلاة المغرب، ومن ثمة الصراخ بأعلى صوتها حتى يسمعها المصلون من الرجال الذين قاموا في نهاية المطاف بإخراجها من هناك وقت المغرب.