* مرضى يتوهمون الشفاء بجلسات "الفطيع" * حروق وتشوهات وموت على أيادي الدجّالين رغم التطوّر الكبير والتقدم التكنولوجي الذي يعرفه الطب يوميا، والنتائج المذهلة التي توصل إليها الخبراء في مكافحة الأمراض والفيروسات، وسعي المختصين إلى اكتشاف أدوية من شأنها محاربة أكثر الأمراض فتكا بالبشر، نجد في المقابل فئة من الناس يفضلون أساليب أخرى تطبعها البدائية وطرق أخرى اشتهر بها العرب أو أهل البدو في السابق للعلاج، حتى أن منهم من اختصر قرون البحث الطبي والاكتشاف العلمي في دم خروف وقرونه وبعض الخلطات العشبية لدى أناس اشتهروا بما يعرف ب (القطيع)، متمسكين بقشة تنجيهم من مرض لم يجد معه الطب نفعا. حسيبة موزاوي الطب التقليدي الشعبي أو كما هو معروف عندنا ب (القطيع)، كلها مصطلحات تعبّر عن شكل واحد من أشكال التطبيب باستعمال طرق وتقنيات علاجية طبيعية مختلفة وأخرى غريبة، منهم من يقطع بعود، حطب، حبل، سكين أو أعشاب، ومنهم من يستعمل العض بالأسنان أو الكي ويقال عنه إنه ورث هذا عن أبيه أو جده. القطيع... بين الاستطباب والدّجل لا يمكن لكل من هب ودب أن يطلق على نفسه اسم الطبيب أو المعالج في هذا المجال، بل يجب أن تتوفر فيهم صفات معينة، كأن يكون مثلا من سلالة أولياء الله الصالحين، ممن بيدهم البرهان على حدّ تعبيرهم، كما يقول البعض، خاصة السيدات الطاعنات في السن، أو أن ترث القدرة على الشفاء، وفي هذا الشأن قصدنا عجوزا طاعنة في السن تقطن بالرغاية اشتهرت بعادة القطيع، حيث أكدت لنا أنها كانت امرأة عادية وكانت قريبتها معروفة ومتخصصة في هذا المجال، وتمكنت من شفاء العديد من الأشخاص باختلاف أمراضهم، وقبل موتها سلمتها وورثتها هذه الخاصية، أو كما جاء على لسانها (قبل ما تموت أعطاتهالي)، ولا أحد يمكنه تفسير كيف تنتقل أو كيف تسلم هذه الخاصية بطريقة روحية غير أن يبصق صاحب عادة (القطيع) في يد من يريد أن يورثه إياها، ومن بين الأمراض التي تداويها هذه السيدة (الشبر من العين)، (عرق لاسا) (بوصفاير)، (البواسير)، (الدوخة)، (السحر والدجل) وغيرها من الأمراض العديدة التي استغرقت سنوات عديدة ومجهودات وأجهزة متطوّرة في مجال الطب، للتوصل إلى كيفية علاجها، غير أن (خالتي حليمة) تسلم للمريض رزمة من الأعشاب غير المعروفة موضوعة في كيس بلاستيكي، ثم تقوم بشبر المريض أي وضع يدها على جسده من رأسه إلى قدميه، وحسب هذه التقنية تتمكن من معرفة مرض قاصدها، ولخالتي حليمة زبائن يقصدونها من كل فج عميق للتداوي، وكل واحد يؤكد أن صديقا أو قريبا له شفاه الله على يدها ببركة دعائها، ويقال إن هذه المهنة معقدة، فهي تتماشى مع الزمان والوقت، فأيامها تقتصر على الأحد والأربعاء والخميس، أما الوقت فلابد أن يكون في الصباح الباكر، حيث يقصدها المريض صائما، أو كما يقال (تقطع على الريق)، أي لا تتناول أي شيء. سيدة أخرى اشتهرت في عالم القطيع تدعى (فاطمة)، وحسب بعض زبوناتها فإنها تمكّنت من شفائها من مرض الروماتيزم على مستوى الظهر، بواسطة المنجل الذي وضعته على النار حسب تعبير السيدة، حتى صار لونه أحمر من شدة الحرارة، ثم رفعته وأخذت تكوي به ظهري، أحسست أن ظهري احترق كله، وبقيت على ذلك الحال مدة شهرين أتألم وأتألم، وبعد مرور هذه المدة شفيت تماما من الآلام القوية التي لازمتني طويلا. لكن تضيف المتحدثة ذاتها أنها بدأت تحس بألم خفيف بين الفينة والأخرى، (فالحاجة) طلبت مني الرجوع ثانية لتكمل العلاج لي. اتجهنا إلى منطقة بئر توتة، بعدما سمعنا عن شيخ (يقطع) بطرق غريبة، لكن أثناء وصولنا أخبرنا بعض أهالي المنطقة أنه رحل إلى مكان آخر لا يعلمونه، غير أننا تمكنا من أخذ بعض المعلومات بخصوص طريقته في العلاج، حيث قيل لنا إنه يملك بركة ربانية في شفاء المرضى وحتى المرأة العاقر بالتدليك على مستوى البطن ببعض الخلطات العشبية الممزوجة بزيت الزيتون، أو بالحرق والكي بالسكين أو المنجل على موضع الألم في الجسم الذي يعاني من أوجاع البطن أو عظام الرجل، وقيل لنا إنه يُعرف باستعماله لقطعة قماش أزرق ولفها وغطسها في زيت الزيتون ثم حرق أطرافها بالنار لتوضع على مكان الألم الذي يشكو منه المريض، ويعالج أيضا الإصابة بالعين والحسد وبعض الأمراض التي يعاني منها الأطفال بالشب والقطران. معتقدات قديمة تسيطر على عقول الجزائريين ويمارس هذه الطريقة التقليدية الشيوخ والكهول وحتى النساء حيث وجدوا في(القطيع) مصدر رزق وتجارة رائجة، علما وأن تكلفة الجلسة الواحدة للعلاج التي تدوم مدتها تتراوح بين 500 إلى ألف، وتتم ممارسة (القطيع) طيلة أيام الأسبوع شريطة أن يكون المريض صائما ويستخدم في ذلك معدات حديدية كشفرات الحلاقة أو إبر الخياطة أو السكاكين الصغيرة الحادة للكي على الجبين أو على مستوى البطن، والبعض يستعمل غصن شجرة (الدفلى) بعد حرقه في النار ليضعه مع زيت الزيتون فوق بطن المريض. وعادة تكون الوصفة التي يقدمها أغلبية ممارسي (القطيع) موحدة وتتمثل في عدم أكل صفار البيض، كون أن من أعراض داء التهاب الكبد شحوب الوجه وتغير لون العينين والبول إلى الأصفر مع تناول عشبة يطلق عليها اسم (مليلس)، وحسب آخر الإحصائيات تم تسجيل وفاة ثلاثة أطفال بوهران خلال الثلاثي الأخير من السنة الماضية إثر ممارسة عليهم العلاج التقليدي منهم واحد بسبب تناوله جرعات زائدة لهذه العشبة حسب مصلحة الوقاية بمديرية الصحة والسكان. ظاهرة اجتماعية تعكس نقص الوعي في اتصالنا ب (ح. الحسين)، أستاذ علم الاجتماع في جامعة بوزريعة، قال إن الاستطباب (بالقطيع) ظاهرة اجتماعية تعكس نقص الوعي وأغلب من يستعملون هذه الطرق في العلاج هم محتالون، ويوضح ذات المتحدث أن هذا العلاج مرتبط بالتغيرات الذهنية والثقافية للمجتمع وللأفراد بصفة خاصة لأنه تاريخيا أشكال التطبيب هذه تقليدية، عندما كان المجتمع يفتقر للطب العصري المبني على العلوم والتحاليل المخبرية واكتشاف الدواء والعلاج إلى غير ذلك، فكانت أشكال المعالجة للأمراض ضمن إطار الطب التقليدي إما الرقية، القطع أو العلاج بالأعشاب الذي كان يتماشى مع المجتمعات ما قبل ظهور الطب الحديث والمعاصر فكان مبنيا على الاعتقاد به لفعاليته الكبيرة، مضيفا أن الأفراد واقعين بين رؤيتين، التصور الأول أن العلوم الحديثة تقدر على معالجة المريض بصورة فعالة، متناسين بأن مهما كانت المعرفة كبيرة فإن لها حدودا في التطبيب والمعالجة وأن الطب الحديث المبني على فرضيات لا يزال عاجزا في الوصول إلى نتائج جيدة والدليل على ذلك الأبحاث التي لا تزال مستمرة ما يدفع الفرد إلى اللجوء للطب التقليدي بحثا عن الشفاء بدءا من (القطع) إلى التداوي بالأعشاب، أما التصور الثاني فالعلاج التقليدي له علاقة بالبنية الثقافية والاجتماعية التي تنعكس على أذهان الأفراد في معتقداتهم، ولأن الأمر يرتبط بصحتهم وحياتهم فهم يتعلقون بأي قشة يجدونها للنجاة ثم أصبح الطب التقليدي بما فيه القطع والرقية والتداوي بالأعشاب نوعا من التسويق العصري من خلال وسائل الإعلام التي ساهمت في انتشاره بل وخصصت برامج وقنوات تلفزيونية لإشهار هذا العلاج، وأيضا تداول الأخبار والروايات عنه من خلال أحاديث الناس، ويبقى لكل فرد تفسيره الشخصي، فمن الجانب البسيكولوجي يقال إن الاعتقاد يعطي نوعا من الراحة النفسية لكن لا يشفي الكثير من الأمراض العضوية المزمنة أو البكتيرية، غير أن علم الاجتماع لا يزال يبحث عن تفسير جماعي لهذه الظاهرة، أما بالنسبة لسر المهنة وتوارثها يقول ذات المتحدث إن هناك توريثا لهذه الممارسة فيقال فلان أعطاه السر أو البركة أو كما نقول بالعامية (معطيتلو)، فالتطبيب في نهاية الأمر هو مهنة تعيد إنتاج نفسها، سواء في العلاج الحديث أو التقليدي لكن كل واحد يورثها حسب منطق المجتمع الذي يعيش فيه، ففي الطب التقليدي سر وآلية إنتاج المهنة فيقال أعطاه السر أو البركة التي تبقى معرفتها غامضة ومجهولة لأن ليس هناك معرفة نظرية فالسر كله في (الاعتقاد) مثل توريث الزوايا، فالشيخ يورث زاوية لأحد تلاميذته أو أحد أبنائه هي نفس الآلية في إعادة المهنة. الإسلام يناهض تلك الممارسات يقول (ن. فتحي)، أستاذ الشريعة بجامعة خروبة بالعاصمة، إنه يجوز التداوي اتفاقا إذا كان لا يخالف القرآن والشريعة، وللمسلم أن يذهب إلى دكتور أمراض باطنيَة أو جراحيَة أو عصبية أو نحو ذلك، ليشخص له مرضه ويعالجه بِما يناسبه من الأدوية المباحة شرعا، حسبما يعرفه في علم الطب، لأنَ ذلك من باب الأخذ بالأسباب العادية، ولا ينافي التوكل على الله، مضيفا أن الله سبحانه وتعالى قد أنزل الدَاء وأنزل معه الدواء، منه ما هو معروف ومنه ما لا يزال مجهولا لغاية اليوم، ولكنه سبحانه لم يجعل شفاء عباده فيما حرَّمه عليهم، مؤكدا أنه لا يجوز للمريض أن يذهب إلى الكَهنة الذين يدَّعون معرفة المغيَّبات ليعرف منهم مرضه هذا. ويبقى جهل الجزائريين بالمخاطر الصحية ل(قطع الأمراض) وكذا غياب الوازع الديني والرقابة، من ضمن الأسباب التي ساعدت في الانتشار العشوائي لممتهني قطع الأمراض الذين يدّعون امتلاكهم قدرات وبركة ربانية لشفائهم من الأمراض، بالرغم من نقص خبرتهم في العلاج الطبي، إضافة إلى تلك الأمور فإن الواقع الاجتماعي الصعب الذي تعيشه الأسر محدودة الدخل جعل شريحة كبيرة من المجتمع تؤمن بالخرافات والمعتقدات القديمة، أمام عجز الطب عن شفاء الأمراض، إضافة لغلاء تكلفة العلاج والأدوية في المقابل فإن علماء الدين ينصحون بالتمسك بالطب النبوي والابتعاد عن طرق العلاج التي تلحق الأذى بجسد الإنسان، كونها محرمة في الدين الإسلامي إضافة أن الشافي هو الله، ومن يدّعون أنهم يمتلكون القدرة على الشفاء فهم يكفرون.