تسبق عملية عقد القران في الجزائر جملة من الفحوصات والتحاليل الطبية التي يقوم بها الرجل والمرأة معا من أجل التأكد من صحتهما الجسدية، وضمان عدم وجود أية مشاكل صحية عند أحدهما أو كلاهما من شانها أن تعيق ارتباطهما، وفي المقابل فإن هذا الفحص يثير ارتباك وتوتر الطرفين خوفا من انتهاء العلاقة بينهما إذا كشفت النتائج عن مرض أحدهما. عتيقة مغوفل. أحيانا تكشف نتائج الفحوص التي تجرى قبل الزواج عن وجود مشاكل صحية وأمراض عند أحد الزوجين من شأنها أن تحبط استمرارية العلاقة وإكمال تحضيرات الزفاف، ففي كثير من الأحيان يقرر أحد الطرفين التخلي عن الثاني بمجرد معرفته أنه يعاني من مرض ما. ...وتبدد حلم الزواج وهو ما حصل مع بعض الأشخاص الذين تحدثت (أخبار اليوم) معهم كحال (نورة) شابة تبلغ من العمر 25 سنة خطبها شخص لمدة سنتين، وقبل موعد الزواج وعقد القران قامت هي وخطيبها بإجراء بعض الفحوص التي يستوجب على أي مقبلين على الزواج القيام بها، لكن النتائج أفرزت أنها تعاني من التهاب الكبد، وهو مرض معدي يمكن أن ينتقل عبر اللعاب مثل استعمال نفس أدوات الأكل، وهو الأمر الذي جعل خطيبها يقلع عن فكرة الارتباط بها ليصارحها فيما بعد أنه لا يستطيع أن يواصل معها مشروع الزواج والتوقف عند هذا الحد حتى لا يحدث الطلاق فيما بعد، فقد وجد أنه من الصعب عليه أن يرتبط بها وهي مريضة، وقررت نورة منذ ذلك الوقت أن تخبر كل من يتقدم لخطبتها أنها مريضة وعلى حد قولها (رغم أن الفحص قبل الزواج بخر حلمي في إنشاء عائلة والارتباط بالشخص الذي أحببته، إلا أنه مكنني من تدارك وضعي الصحي قبل أن يتدهور فجأة، بالإضافة إلى هذا فقد جنبني الخوض في تجربة زواج فاشلة تنتهي بالطلاق حتما حين يعرف الزوج أني مريضة). أما الآنسة (نادية) من براقي صاحبة 21 ربيعا فلا تفكر إطلاقا في الزواج لان تجربتها السابقة في فحص الزواج كشفت أنها تحمل أوراما سرطانية وبالتالي لن يقبل أي شاب أن يرتبط بفتاة تعاني من هذا المرض الخبيث، كما أنها لا تنوي أن تخدع أحدهم وترتبط به على أساس أنها امرأة تتمتع بعافية كاملة فيتزوج بها ليصطدم فيما بعد بحقيقة مرة. وآخرون يرفضون التحاليل خوفا من النتائج وبما أن تحاليل ما قبل الزواج كانت نقطة نهاية للعديد من العلاقات أصبح العديد من المقبلين على الزواج يرفضون إجراءها، بل منهم من يعتبرها أنها غير مهمة وذلك بحجة أن آباءهم تزوجوا من غير إجراء أي فحص أو تحليل طبي، ولم تعترضهم أية مشاكل على هذا الاعتبار فإن العديد من الأشخاص يعتبرون إجراء هذا الفحص روتينيا لا علاقة له بالزواج والعلاقة الزوجية. وهو رأي العديد من الأشخاص الذين قابلناهم وسألناهم عن هذا الفحص مثل عمي (زوبير) الذي يبلغ من العمر 60 سنة التقيناه بإحدى العيادات الطبية، هو يعتبر أن العلاقة الزوجية تبنى على الصراحة بين الزوجين فلا حاجة للفحص للكشف عن مرض أحدهم، أما عن عدم توافق الأنسجة بين الزوجين وغير ذلك من الأمور فهو يؤكد أنه على رغم من أنه يجهل هذه الأمور الطبية إلا أنه متيقن أنها تخضع لإرادة الله عزوجل، بدليل أنها لم تكن موجودة في الماضي حتى ولو انعكس ذلك على البنية الفيزيائية للأطفال فهذا قضاء الله وقدره. وفي هذا السياق تقول السيدة صورية التي تبلغ 39 سنة إنها خضعت لهذا الفحص قبل الزواج ولم تجد أي مانع في الارتباط، ولكن بالمقابل رزقت بطفل معوق وعلى هذا الأساس فهي ترى أنه لا فائدة من إجراء الفحص قبل الزواج فكل شيء قسمة ونصيب. ولا يختلف الأمر كثيرا عند رشيدة التي تبلغ من العمر 26 سنة والتي تزوجت من ابن خالتها رغم التحذيرات التي قدمها لها الأطباء من هذا الارتباط، لأن ذلك سينعكس على الأولاد إلا أنها لم تصغ لنصحهم وهي اليوم أم لطفل طبيعي ولد دون أية تشوهات خلقية عكس ما تنبأ به الأطباء. وهناك نوع آخر من الشبان من لا يحبذ إجراء هذه الفحوصات لأسباب أخرى وهو حال (سليم) المقبل على الزواج والذي يعتبر إجراء هذه الفحوصات مصاريف إضافية على مصاريف العرس، لذلك قامت (أخبار اليوم) بزيارة بعض المخابر الطبية الخاصة بغية التقصي عن أسعار هذه التحاليل التي تتراوح ثمنها مابين 1500دج إلى 2000دج، بينما تجرى مجانا بمستشفى القطار المتخصص في الأمراض المعدية إلا أن الإشكال يكمن في الوقت الطويل الذي تستغرقه النتائج حتى تظهر. الفحص ضروري لحماية الزوجة والأولاد وللغوص في غمار الموضوع أكثر قامت (أخبار اليوم) بزيارة الدكتورة (عبد الوهاب وهيبة) بعيادتها والتي أكدت على ضرورة إجراء الفحص الطبي قبل الزواج، لأنه يكشف العديد من الأمراض والمشاكل الصحية التي يمكن أن يعاني منها الطرفان فهو في مجمله يهدف إلى حماية الزوجين وأبنائهما من الأمراض المتنقلة، فالفحوص تتضمن اختبارات لفصيلة الدم، الالتهابات بكل أنواعها، السرطانات والسيدا، بالإضافة إلى هذا فقد اعتبرت الدكتورة (عبد الوهاب) أن الفحوصات التي يطلب إجراؤها من طرف مصالح الحالة المدنية بالبلدية حتى يتمكن الزوجان من عقد قرانهما ناقصة، لذلك تنقلت (أخبار اليوم) إلى المصالح المعنية لبلدية باب الوادي وتحصلت على وثيقة كتب عليها (شهادة طبية ما قبل الزواج) والتي تتضمن في محتواها مجموعة من الفحوصات التي يطلب من الزوجين إجراءها، فأخذنا تلك الوثيقة إلى مركز الطب الوقائي بعيادة صالح بن يحيى وهناك قابلنا مجموعة من الأطباء المختصين في الأمراض المعدية، حيث أكدت لنا الدكتورة (ف. ك) أن الفحوصات المطلوبة في الوثيقة ناقصة فالمطلوب تحليل لفصيلة الدم، تحليل لمرض الحميراء الذي يمكن أن تتعرض له المرأة أثناء فترة حملها، وهي فقط كل التحاليل المطلوبة ولم يطلب أي تحليل لمرض السيدا أو سرطان أو مرض آخر وهو الأمر الذي اعتبرته الدكتورة (ف.ك) بالخطير، بالإضافة إلى عدم وجود قوانين صارمة تجبر المقبلين على الزواج على إجراء هذه الفحوصات. قانون الأسرة يجبر على إجراء فحوصات ما قبل الزواج تصريح الدكتورة (ف.ك) جعلنا نربط الاتصال بالأستاذ المحامي (دحماني) والذي اعتبر أن القانون الجزائري يحث كل المقبلين على الزواج بضرورة إجراء هذه الفحوصات، وذلك من خلال المادة 7 من قانون الأسرة والتي تنص على (يجب على طالبي الزواج أن يقدما وثيقة طبية لا يزيد تاريخها عن ثلاثة أشهر خلوهما من أي مرض أو أي عامل قد يشكل خطرا يتعارض مع الزواج يتعين على الموثق أو ضابط الحالة المدنية أن يتأكد قبل تحرير عقد الزواج من خضوع الطرفين للفحوصات الطبية ومن علمهما بما قد تكشف عنه من أمراض أو عوامل قد تشكل خطرا يتعارض مع الزواج ويؤثر بذلك في عقد الزواج، تحدد شروط وكيفيات تطبيق هذه المادة عن طريق التنظيم). إلا أن الأستاذ (دحماني) اعتبر هذا القانون حبرا على ورق لأنه لا يطبق بصرامة فالعديد من المقبلين على الزواج لا يحاسبون على إجراء هذه الفحوصات من عدمه، بل الأمر من ذلك أن الكثير منهم يشترون شهادات طبية ما قبل الزواج دون فحص من أطباء لا ضمير لهم.