بات شغب الملاعب يشكّل الهاجس الأكبر للاتحاد المغربي لكرة القدم على بعد أسابيع من استضافة كأس العالم للأندية المقرّرة في ديسمبر المقبل. وجاء ذلك بعد تسجيل أحداث عنف غير مسبوقة تسبّب بعضها في وفاة مشجّعين وإصابة آخرين وأفراد من القوات العمومية بجروح متفاوتة الخطورة وإيداع عدد من المشتبه فيهم، من بينهم العديد من القُصّر السجن. الداخلية المغربية تهدّد جماهير الأندية المشاغبة تعيش كرة القدم المغربية على إيقاع أحداث شغب خطيرة اجتاحت الملاعب وتسبّبت في تسجيل خسائر في الأرواح والممتلكات، ما جعل وزير الداخلية محمد حصاد يهدّد بحلّ مجموعات لجان الأنصار المناصرة لفِرقها في البطولة بالمغربية إذا ما ثبت تورّطها في أحداث العنف التي يجري تسجيلها خلال المباريات. وجاء هذا التهديد الذي أعلن عنه حصاد أمام مجلس النواب بعد أن خرج (الشغب في الملاعب) عن السيطرة وتحوّلت مباريات إلى ساحات حروب سقط خلالها مشجّعون وعناصر من القوات العمومية مثلما حدث في ملعب (الفتح) بالرباط خلال مقابلة جمعت فريق الجيش الملكي والدفاع الحسني الجديدي برسم الدورة الخامسة من البطولة الوطنية الاحترافية لأندية القسم الأوّل في كرة القدم، والتي عرفت تسجيل إصابة 20 من أفراد القوات العمومية واعتقال أزيد من 30 مشتبها فيه. وباتت محاكم المملكة تحفل بعدد من القضايا المتعلّقة بشغب الملاعب، ما جعل أصواتا تنادي بالبحث عن مقاربات إضافية، إلى جانب المقاربة الأمنية للقضاء على هذه الظاهرة.
تردّي الأوضاع الاجتماعية وراء تنامي ظاهرة العنف ليس (الشغب في الملاعب) موضوعا جديدا على طاولة النقاش في المغرب، غير أنه حتى الآن ما زالت المقاربة الأمنية هي الأداة الأكثر فعالية في مواجهة هذه الظاهرة. يقول محمد قرقور، باحث في المجال الرياضي ومسؤول رياضي سابق بألعاب القوى وكرة القدم، لأحد المواقع الرياضية: (أسباب الشغب هي نفسها أسباب الانحراف، ومنها التشتّت الأسري واستقالة الأسرة من تربية الأولاد والغياب المادي والمعنوي للأبوين والفقر المدقع وتعاطي المخدّرات والبطالة والتهميش وعدم وجود وسائل الترفيه... الخ)، مشيرا إلى أن (هذه الأسباب كلّها تؤدّي إلى الهروب من بيت الأسرة أو المدرسة، وبالتالي الانحراف والعنف، وفي بعض الأحيان إلى الجريمة. والمؤسف أنه في حالات الانحراف وعدم التكيف مع المجتمع يلجأ المشرع، في الغالب، للزجر عوض وسائل الوقاية، والوسائل التربوية .
عائلة القُصّر تحوّلت روابط أنصار الأندية إلى شريك للفِرق في الميدان، ويرجع ذلك إلى ضمّها لعدد كبير من المنخرطين الذين يرافقون أنديتهم أينما حلّوا وارتحلوا، مشعلين المدرّجات بأشكال تشجيع مختلفة. يقول أحد الباحثين في المجال الرياضي في المغرب لأحد المواقع الرياضية: (يجد القاصر في جمعيات الأنصار ومجموعات الحي ما فقده في الوسط العائلي، وتصبح هذه الجمعيات عائلته الحقيقية، ويصبح بالنّسبة له رمز النّجاح نجاح فريقه الذي هو يجسّد في لا شعوره رمز صورة الأب، أي أن فريقه يصبح هو والده، وخسارة النادي بالنّسبة له تمثّل خسارة شخصية). وأضاف ذات الباحث: (الخسارة تسبّب له الجرح المعنوي العميق، ويترتّب عن هذا الألم ردّ فعل عنيف ضد المجتمع الذي لم يرحمه في نظره فيرغب في تكسير كلّ شيء، وربما يدفعه شعوره إلى الانتقام والرغبة في آخر المطاف في القتل).
حلول مستعجلة للحدّ من الظاهرة قدّم العديد من المسؤولين المغاربة في المجال الرياضي عدّة مقترحات يراها هؤلاء حلولا يمكن أن تساهم في الحدّ من استفحال الشغب في الملاعب. وتنقسم هذه الحلول إلى قسمين في نظر قرقور، (منها ما هو تربوي ومنها ما هو أمني أو منها ما هو مستعجل لمواجهة الظاهرة، وما هو وقائي يتطلّب نوعا من التأطير والتربية). وجاء على رأس هذه الحلول المقاربة الأمنية التي أكّد أنه (لابد أن تعتمد على تثبيت الكاميرات داخل وخارج الملعب بهدف رصد جميع الأحداث والتعرّف على المشاغبين ومنعهم من الولوج إلى الملاعب)، كما شدّد على إلزام جمعيات الأنصار بتأطير منخرطيها ومساءلتها في حال الشغب ومنع القُصّر غير المرافقين بولوج الملعب وتطبيق بطاقة الاشتراك.
إجراءان ضد االشغب كان الوزير أعلن عن إجراءين جديدين وضعتهما الوزارة لمواجهة الظاهرة، يتمثّل الإجراء الأوّل في أنه في حال تسجيل أيّ أعمال شغب جديدة في الملاعب سيتمّ مباشرة (حلّ الجمعيات التي تؤطّر مرتكبيها) إداريا. أمّا الإجراء الثاني -حسب الوزير- فيتمثّل في (وضع لوائح بأسماء المشاركين في عمليات الشغب، والذين لن يكون لهم الحقّ في الولوج إلى الملاعب).