عود كبريت واحد كافٍ لإحداث الكارثة عبر الطاولات لم تعد تفصلنا إلا أيام معدودة عن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف الذي يصادف 12 ربيع الأول من كل سنَة، وقد تعودت الأمة الإسلامية على الاحتفال بهذه المناسبة كما احتفل به الفاطميون الذين يعدون أول من احتفل بهذه الذكرى، كما أن الاحتفالات تختلف من دولة لأخرى، وإحياء المولد النبوي في بلادنا مرادف لاستعمال الألعاب النارية المتنوعة والمختلفة، ويعد سوق جامع ليهود الواقع بالقصبة السفلى معقل هذه الألعاب في العاصمة. عتيقة مغوفل قامت (أخبار اليوم) بجولة إلى سوق جامع ليهود للوقوف على استعدادات الباعة والأجواء المخيمة هناك للاحتفال بالمولد النبوي الشريف، كانت الساعة حينها تشير إلى حدود الحادية عشرة والنصف صباحا، أين بدأنا جولتنا من شارع (الرونفالي) العتيق الذي يضم العديد من المنازل والدويرات التي يقال إنها تعود للعهد العثماني، وكلما كنا نتقدم نحو الأمام أكثر كنا نجد طاولات منسوبة على أطراف الشارع لشباب يبيعون الفاكهة، وعلى بضعة أمتار صادفنا سوق جامع ليهود بمحاذاة مسجد فارس والذي كان يعج بالناس كل منهم كان منهمكا في اقتناء الخضر والفواكه لبيته، في حين اكتفى البعض بزيارة بعض الطاولات وبعد استفسارهم عن الثمن ينصرفون نظرا لغلاء الأسعار. مفرقعات متنوعة وتسميات متعددة مشينا أكثر نحو الأمام وإذا برائحة عطرة تدغدغ أنوفنا سرعان ما عرفنا أنها رائحة العنبر التي لا نشمها إلا أيام الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، تقدمنا لنعرف مصدر الرائحة وإذا بنا نلمح بعض الطاولات التي كانت منسوبة على حواف الطريق كانت بها سلع كثيرة منها الملفوفة في علب وأخرى في أكياس بأشكال وألوان مختلفة تثير فضول كل من ينظر إليها، تقربنا اتجاه إحدى الطاولات فأدركنا أن السلع المعروضة كانت مفرقعات عهدنا رأيتها كل سنة، في حين كانت هناك أنواع جديدة شكلها شبيه بقنابل وأسلحة التي تستعمل في حروب ومعارك طاحنة، فضولنا جعلنا نتقرب أكثر من الطاولة لنعرف تلك الأنواع من المفرقعات المعروضة، فسألنا البائع عن بعض الأسماء فرد علينا) تلك مفرقعة القنبلة المزدوجة، وهاته الذبانة، وذاك البوق، وهذه (طالقة) الألوان وفيها نوعان كبيرة وصغيرة، أما هذا فيسمى البركان بمجرد إشعاله يطلق ألوان كالبركان الحقيقي، أما هذه فهي مفرقعة الزربوط التي تدور في الأرض كالزربوط ثم تنفجر بعد بضع ثواني، وهذه (النوالات) التي يحبها الأطفال الصغار كثيرا، بالإضافة إلى الشموع التي لا يمكن أن يمر المولد النبوي الشريف دون استعمالها). ...أما أسعارها فحدث ولا حرج فعلا كل تلك الأنواع من المفرقعات المصفوفة بشكل هندسي رائع فوق الطاولات بسوق جامع ليهود بالعاصمة، تدفع بالمواطن المار من هناك إلى اقتناء ولو مفرقعة واحدة، وهو حال أحد الرجال الذي لا يقل عمره عن 55 ربيعا، هو الآخر كان مارا من هناك ولكن طاولات المفرقعات المنصوبة بالشارع شدت انتباهه فوقف ونظر في السلع المعروضة لبرهة من الوقت ثم بدأ يسأل البائع عن سعرها، فسأل عن أول نوع من المفرقعات في شكل مربع أحمر، فاستغلينا الفرصة لنعرف سعر كل نوع على حدى، فرد عليه البائع أن ذاك النوع هي مفرقعات القنبلات الثلاث والذي يبلغ سعرها400دج، ليسترسل البائع بعدها في الكلام حتى يشد انتباه المشتري ويبيعه بعضا من سلعته فقال: (تلك طالقة الألوان يبلغ سعرها 1200دج تطلق ألوانا عديدة يحبها الأطفال كثيرا ولا خطر فيها، أما هذه النوالات 500دج للكيس الواحد)، لكن انتباه الزبون شد لنوع آخر من المفرقعات فسأل البائع عنها فرد عليه: ( ذاك البوق يبلغ سعره900دج، وهذه الفيميجان الكبيرة2200دج أما الصغيرة فيبلغ سعرها1600دج)، عجبنا من الأسعار الخيالية لكل نوع من المفرقعات وبقينا ننتظر في ذاك الرجل ما سيشتري ليقوم في الأخير بشراء علبة من المفرقعات ب400دج، وأحد أنواع النوالات ب350دج ليدفع في الأخير مبلغ 750دج التي سيحرقها فيما بعد في ظرف 5 دقائق لا أكثر. مفرقعات جامع ليهود تستقطب الشباب والأطفال ومن خلال جولتنا في سوق جامع ليهود المختص في بيع المفرقعات والذي بلغ صداه جميع قطر الوطن، لاحظنا أنه يستقطب إليه عددا كبيرا من الشباب الذين يأتون من مختلف بلديات العاصمة لاقتناء مختلف أنواع المفرقعات كل يستعملها حسب مزاجه، وهو ما أكده لنا (شفيق) شاب في 21 سنة من العمر والذي قدم من بلدية الحمامات خصيصا لسوق جامع ليهود لشراء بعض أنواع المفرقعات التي يريد أن يستعملها في عرس شقيقه، وبالضبط في مأدوبة العشاء التي يقام بعدها حفل حنة له، لذلك قرر(شفيق) أن يشتري أنواعا عديدة من الألعاب النارية ليضفي على السهرة نكهة خاصة، أما(علي) الذي يبلغ من العمر 19 ربيعا جاء من بلدية بوزريعة إلى سوق جامع ليهود ليبحث عن أحد تجار الجملة المختصين في بيع المفرقعات حتى يشتري منه كمية من الألعاب النارية التي سيبيعها فيما بعد بالتجزئة في طاولة يفكر أن ينصبها في الحي الذي يسكن فيه ببلدية بوزريعة. وعلى ما يبدو أن سوق جامع ليهود للمفرقعات المتواجد ببلدية القصبة بالجزائر العاصمة لا يستقطب الكبار والشباب فقط، بل حتى الأطفال وصغار السن أيضا، وهو ما لاحظناه من خلال جولتنا في السوق فقد كان الكثير من الأطفال الذين هم في عطلة الشتاء المدرسية يتجوَلون بين الطاولات ويسألون الباعة عن أسعار كل المفرقعات، في حين فإن العديد منهم يجدون متعة في النظر للناس وهم يشترون الألعاب النارية. عود كبريت واحد كافٍ لإحداث الكارثة ولكن الخطير والمؤسف في الأمر أن سوق جامع ليهود للألعاب النارية عرف خلال السنوات الفارطة كوارث عديدة وحوادث مميتة، وهو ما رواه لنا حكيم البالغ من العمر37 عاما واحد من أبناء حي جامع ليهود ولد وترعرع فيه، والآن يعمل فيه فهو يملك طاولة بالسوق يبيع فيها الملابس الرجالية ولكن حين يقترب الاحتفال بالمولد النبوي الشريف يغيَر نشاطه ويبيع المفرقعات، والتي حسبه تدر عليه ربحا وفيرا، حدثنا عن العديد من الحوادث التي وقعت في السوق وأخطرها كان العام الماضي حيث أقدم مجموعة من الشباب من حي محمد بلوزداد والذين كانوا يكنون العداوة لأحد باعة المفرقعات بجامع ليهود وللانتقام منه، أقدم أحدهم على رمي عود من الكبريت المشتعل وسط طاولة مفرقعاته، التي اشتعلت فيها النار بسرعة كبيرة وبدأت المفرقعات كلها تتفجر منها وألوان تتطاير في السماء، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقط بل إن النار انتقلت إلى طاولتين مجاورتين للطاولة المحترقة ما أدى إلى اشتعالهما فزاد حجم المفرقعات التي كانت تتفجر ما أدى إلى إصابة بعض المارة والباعة في السوق بإصابات وحروق متفاوتة الخطورة لأنَهم لم يتمكنوا من الهروب بسرعة من المكان، وما زاد من رعب وهلع الناس صوت الانفجارات القوية حتى خيَل للبعض أنَه هجوم مسلح على المكان، إلا أن شباب الحي تمكنوا بصعوبة من إخماد النيران وإطفاء تلك المفرقعات المتطايرة على الأجواء هناك فالحيطة والحذر يبقيان ضروريين في مثل هذه المناسبات.