بينما تسابق زعماء ومسؤولون كبار للحاق بمراسم تشييع الملك عبدالله بن عبد العزيز في الرياض، كانت صور وهواجس وحسابات وسيناريوهات تتصارع في مخيلات كثيرين، بشأن الآثار المحلية والاقليمية المهمة التي قد يتركها غيابه عن المشهد في هذا التوقيت الحرج، في ظل ما كان يملكه من سلطة معنوية فريدة، وثقل سياسي وازن، في عالم عربي تعصف به خلافات سياسية واضطرابات أمنية واسعة. ومن غير شك فإن هذه العوامل لعبت دورا حاسما في نجاح الملك الراحل مؤخرا في إعادة ترتيب البيت الخليجي، والتأسيس لمصالحة مصرية قطرية، ما حفظ على العالم العربي حدا أدنى من تماسكه، في مواجهة أخطار تضيق خناقها على خارطته، بل ومستقبل وجوده. وعلى الرغم من ذلك، فقد ترك الملك الراحل لخلفه سلمان، تحديات استراتيجية وسياسية واقتصادية وأمنية غير مسبوقة سواء محليا أو إقليميا. وكان موضوع تسلسل انتقال العرش، وربما مازال، واحدا من أصعبها وأشدها حساسية. وللمرة الأولى في تاريخ المملكة، تتم تسمية ولي ولي العهد مع تولي الملك الجديد للمسؤولية، كما انها المرة الاولى التي يسمى فيها واحد من أحفاد عبد العزيز وريثا للعرش. * مشاورات العرش وجاءت تسمية الأمير محمد بن نايف، المعروف بقربه من الولاياتالمتحدة، لهذا المنصب منفصلة عن تعيين الامير مقرن وليا للعهد، بعد ليلة طويلة فيما يبدو من المشاورات. وليس سرا أن القرار لن يروق بالضرورة لكثيرين، ومنهم الامير متعب نجل الملك الراحل ورئيس الحرس الوطني القوي، والأميران خالد وبندر نجلا ولي العهد الراحل الأمير سلطان، خاصة أن الملك سلمان خصّ نجله محمد بمنصبي وزير الدفاع ورئيس الديوان الملكي، ما يجعله الشخص الأقوى عمليا بين اقرانه من الجيل الثاني، ويمنحه حظوظا مهمة في الطريق المزدحم إلى العرش. لكن يحسب للملك سلمان أنه ربما نجح في تفادي صراع علني بين أجنحة العائلة، وحافظ على مصداقيتها واستمراريتها، بإنفاذ الأمر الملكي الذي أصدره الملك عبد الله قبل عدة شهور بتسمية الأمير مقرن وليا لولي العهد، رغم اعتراضات بعض الأمراء، متجاوزا الأميرين السديريين احمد وعبد الرحمن. * ملفات متفجرة وعلى الصعيد الإقليمي، فإن الملك سلمان يجد على مكتبه ملفات ساخنة بل متفجرة، تحتاج إلى قرارات حاسمة، بينها اليمن الذي دخل مرحلة من الفوضى قبل ساعات قليلة من توليه العرش باستقالة الرئيس هادي وحكومته، وانفصال محافظات الجنوب، وانقلاب الحوثيين على الشرعية، وما يواجهه من مقاومة في صنعاء وغيرها، ثم شبح الحرب الاهلية- المذهبية التي قد تتجاوز الحدود إلى الشمال. ولا يقل التهديد الذي يطل عبر الحدود العراقية خطورة، وإن كان يأتي ضمن تحد استراتيجي اوسع تقوده إيران، التي توعد رئيسها حسن روحاني السعودية علنا بأنها ستندم بسبب ما اعتبرد دورها في انهيار أسعار النفط. ومن المتوقع أن يقتفي الملك سلمان أثر اخيه على الدرب نحو ترميم الصف العربي، ثم تقويته بمواجهة عواصف التطرف والإرهاب، وزلازل التبدل في التحالفات، ونيران حروب اقليمية تدق الابواب. وهكذا سيصرعلى اتمام المصالحة العربية، بالشروط نفسها التي اشرف الملك الراحل على وضعها بنفسه، كما سيواصل دعم مصر اقتصاديا وسياسيا سعيا إلى احداث حالة من التوازن في وجه توسع النفوذ الإيراني. لكن هذا لا ينفي إمكانية اعتماده مقاربات جديدة اكثر واقعية، لكنها تصبح اقل صعوبة في ظل وجود قيادات جديدة، في ملفات مزمنة في تعقيدها، كالأزمة السورية، ءو الحرب الباردة مع إيران ءو مكافحة الإرهاب.