سوف نتكلم عن آيات الله البينات في تصريف الرياح، وأبدأ بذكر الرياح في القرآن الكريم. الرياح في القرآن الكريم: المناطق المناخية على سطح الأرض ودورها في تصريف الرياح.. يعرف الريح بأنه الهواء المتحرك، وجاء ذكر الريح في تسعة وعشرين (29) موضعا من القرآن الكريم منها (14) مرة بالمفرد ريح. وأربع (4) مرات بالصياغة ريحا، ومرة واحدة بالصياغة ريحكم، وعشر (10) مرات بصفة الجمع المعرف الرياح. كما جاءت الإشارة إلى الرياح بعدد من صفاتها مثل الذاريات وهي الرياح التي تذرو التراب وغيره لقوتها، والعاصفات وهي الرياح الشديدة المدمرة لمن ترسل عليهم، والمرسلات وهي الرياح المرسلة لعذاب الكافرين، والمشركين والمكذبين. ومعظم الآيات القرآنية التي ذكر فيها إرسال الريح بالإفراد أي بلفظ الواحد جاءت في مقام العذاب ومعظم المواضع التي ذكرت فيها الرياح بلفظ الجمع جاءت في مقامات الرحمة والثواب.: تصريف الرياح في منظور العلوم المكتسبة: يعرف الريح بأنه الهواء المتحرك بالنسبة للأرض، والذي يمكن إدراكه إلي ارتفاع يصل إلى 65 كم تقريبا فوق مستوى سطح البحر، وإلى هذا الارتفاع تحكم حركة الرياح نفس العوامل التي تحكمها فوق سطح البحر وهي: الجاذبية الأرضية، قدر الاحتكاك بسطح الأرض، وتدرج معدلات الضغط الجوي، أما في المستويات الأعلي من ذلك فإن عوامل أخرى تسود من مثل الكهربية الجوية، المغناطيسية، وعمليات المد والجزر الهوائيين. وبما أن 99 من كتلة الغلاف الغازي للأرض تقع دون ارتفاع 50 كم فوق مستوى سطح البحر أي دون مستوى الركود الطبقي TheStratopause، فإن دراسة حركة الرياح تتركز أساسا في هذا الجزء السفلي من الغلاف الغازي للأرض. وتقسم الرياح بالنسبة إلى ارتفاعها عن سطح الأرض إلى ما يلي: (1) رياح سطحية وتمتد من مستوى سطح البحر إلى بضعة كيلو مترات قليلة فوقه. (2) رياح متوسطة وتمتد فوق الرياح السطحية إلى ارتفاع 35 كم فوق مستوى سطح البحر. (3) ورياح مرتفعة وتمتد في المستوى من 35 إلى 65 كم فوق مستوى سطح البحر. وتقسم الرياح السطحية حسب شدتها علي النحو التالي: ويصف القرآن الكريم الصنفين الأول والثاني من هذا التصنيف باسم الريح الساكن، والأصناف من الثالث إلى السادس باسم الريح الطيبة، والأصناف من السابع إلى التاسع باسم الريح العاصف، والأصناف من التاسع إلى الثالث عشر باسم الريح القاصف، وهذا سبق قرآني بأكثر من عشرة قرون للمعرفة العلمية المكتسبة في هذا المجال. ويمكن تصنيف الرياح بحسب القوي المحركة لها وأهمها التأثير المشترك للعوامل التالية: التوازن الإشعاعي للشمس، وتوزيع درجات الحرارة عبر خطوط العرض المختلفة، ودوران الأرض حول محورها أمام الشمس، بالإضافة إلى التضاريس الأرضية المختلفة. ويقدم كم الطاقة الشمسية التي تصل إلى الأرض الطاقة اللازمة لحركة الرياح، وذلك لأن أشعة الشمس التي تتعامد على خط الاستواء وتميل ميلا كبيرا فوق القطبين تؤدي إلى التباين في توزيع درجات الحرارة على سطح الأرض، هذا التباين الذي ينتج عنه حركة صاعدة للهواء الساخن حول خط الاستواء، وحركة هابطة للهواء البارد فوق القطبين. كذلك فإن دوران الأرض حول محورها من الغرب إلى الشرق يؤدي إلى دفع الهواء المحيط بالمنطقة الاستوائية في اتجاه الغرب، والحقيقة أن الدورة الفعلية للرياح لها عدد من الخلايا بين خط الاستواء وكل قطب من قطبي الأرض، وعند تحرك كتلة من الهواء من فوق خط الاستواء باتجاه أحد القطبين فإنه نتيجة لحفظ العزم الزاوي للهواء المتحرك فوق أرض تدور فإن الهواء المتحرك في اتجاه القطب لابد أن ينحرف شرقا، والهواء المتحرك فوق خط الاستواء لابد أن ينحرف في اتجاه الغرب، وبالمثل الرياح السطحية تتجه إلى الشرق، بينما تتجه الرياح الوسطي إلى الغرب. والنتيجة هي دورة عامة للرياح شديدة الانتظام حول الأرض، وذات عدة دوائر كبيرة بين خط الاستواء وكل قطب من قطبي الأرض منها دوائر حارة فوق المناطق الاستوائية، ودوائر باردة فوق القطبين، ودوائر معتدلة الحرارة بينهما، مع وجود عدد من الجبهات الهوائية بين تلك الدوائر، وبالإضافة إلى ذلك تتدخل الظروف الجغرافية المحلية فيكون الهواء دافئا ورطبا فوق المحيطات المدارية، وحارا جافا فوق الصحاري، وباردا جافا فوق المناطق المكسوة بالجليد، وتتداخل هذه الكتل الهوائية، وتتكون بذلك السحب ومنها الممطر والعقيم وتحدث الأعاصير بمراحلها المختلفة وتتحرك كتل الهواء الساخن من المناطق الاستوائية في اتجاه القطبين، كما تتحرك كتل الهواء البارد من القطبين في اتجاه خطوط العرض العالية، في تموجات واضحة تظهر آثارها علي كل من أسطح البحار، وفي شواطئها نيم البحر، وفي تموجات أسطح الكثبان الرملية علامات النيم وغير ذلك من آثار حركات كل من الرياح وأمواج البحار. ومن الظروف الجغرافية المحلية التي تؤثر في حركة الرياح تضاريس سطح الأرض مثل السلاسل الجبلية، والتلال، والهضاب، والسهول والمنخفضات، والكتل المائية المختلفة، ففي الصيف تسخن اليابسة بسرعة أكبر من المحيطات، وفي الشتاء يحتفظ ماء المحيطات بالحرارة لمدة أطول فتكون أدفأ من اليابسة، وينشأ عن تلك الفروق نسيم البر والبحر، كما ينشأ عن فروق التضاريس دورة الرياح بين الجبال والأودية والمنخفضات، وهذه الحركات الأفقية للكتل الهوائية تصاحبها حركات رأسية، فإذا ارتفعت درجة حرارة كتلة من الهواء بحيث تصبح أدفأ من الهواء المحيط بها، فإن الهواء الساخن يصعد إلى أعلى، فيتناقص ضغطه وتنخفض درجة حرارته، وتبدأ ما فيه من رطوبة في التكثف إذا وصلت درجة الحرارة إلى نقطة التشبع نقطة تكون الندي، وبذلك تتكون السحب وتتهيأ الفرص لهطول المطر بإذن الله. من هذا العرض يتضح أن الرياح التي تبدو للمراقب من الناس هوجاء عاصفة لها في الحقيقة توزيع دقيق على سطح الأرض، تحكمه قوانين شديدة الانضباط، وقد وصف القرآن الكريم هذه الدقة في التوزيع والانضباط في الحركة بوصف معجز هو تصريف الرياح، بمعنى أن الرياح لا تتحرك هذه الحركات العديدة بذاتيتها، ولكن بقدرة الله الذي يصرفها بعلمه وبحكمته كيفما يشاء، والرياح تقوم بدور رئيسي بإذن الله في تكوين السحب، وإنزال المطر، وإتمام دورة الماء حول الأرض وإلا فسد، وفي تفتيت الصخور وتعريتها، وتكوين التربة والرمال السافية وتحريكها، وفي تلطيف الجو وتكييفه، وتطهيره من الملوثات التي تحملها حركة الرياح جنوبا وشمالا في اتجاه قطبي الأرض وغير ذلك من المهام الرئيسية في جعل الأرض صالحة للعمران. فسبحان مصرف الرياح، ومجري السحاب، ومنزل القطر الذي أنزل في محكم كتابه، وعلى خاتم أنبيائه ورسله صلى الله عليه وسلم من قبل ألف وأربعمائة من السنين هذا الوصف المعجز تصريف الرياح، وهو وصف لم يدرك العلم الكسبي دلالته إلا في القرن العشرين وبعد مجاهدة استغرقت جهود آلاف من المتخصصين، وهو مع دقته يؤكد أن حركة الرياح وإن فهمنا بعض القوي الدافعة لها تبقي من جند الله، يجريها وفق مشيئته بالخير لمن يشاء من عباده، كما يجريها وفق إرادته لإبادة العاصين من الكفار والمشركين المتجبرين في الأرض والمحاربين لعباد الله فيها، ففهمنا لميكانيكية الحدث لا يخرجه عن إطار كونه من جند الله، خاضعا لإرادته ومشيئته، فالحمد لله الذي أنزل القرآن بعلمه، وعلمه خاتم أنبيائه ورسله، وأبقاه شاهدا على حقيقة نبوته ورسالته، وحفظه بلغة وحيه حفظا كاملا على مدى أربعة عشر قرنا أو يزيد وإلى يوم الدين، هاديا لطلاب الحق في كل مكان وزمان. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد. المصدر: موقع نداء الإيمان