كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُّ للمسلم أن يكون عزيزًا مترفِّعًا، لا يسأل الناس شيئًا، ولو حدث مرَّة وسألهم فإنه لا يُكَرِّر عليهم المسألة؛ لئلاَّ يكون في ذلك إراقة لماء وجهه، أو إهدار لكرامته؛ لذلك كان من سُنَّته صلى الله عليه وسلم أمر المسلمين بعدم الإلحاف في المسألة؛ أي عدم التذلُّل والتملُّق وكثرة الطلب في أي أمر؛ فقد روى مسلم عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لاَ تُلْحِفُوا فِي الْمَسْأَلَةِ، فَوَاللهِ! لاَ يَسْأَلُنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا فَتُخْرِجَ لَهُ مَسْأَلَتُهُ مِنِّي شَيْئًا وَأَنَا لَهُ كَارِهٌ، فَيُبَارَكَ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتُهُ). وهو الأمر الذي ذكره الله عز وجل في كتابه عندما مدح الفقراء الذين لا يُكَرِّرون المسألة على الناس فقال: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273]. وروى ابن ماجه -وقال الألباني: صحيح- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ، وَدَعُوا مَا حَرُمَ). ومَنَعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حكيمَ بنَ حزام رضي الله عنه من تكرار السؤال موضِّحًا له أن هذا يمحق البركة؛ فقد روى البخاري عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ، فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ، فَأَعْطَانِي ثُمَّ قَالَ: (يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى). فلْنتعفف عن سؤال الناس، ولو حدث واضطررنا إلى ذلك فلْنحرص على عدم تكرار المسألة، وستجري كلُّ الأمور بقَدَرِ اللهِ مهما كان.