للنّصيحة مكانة كبيرة في شريعتنا الغرّاء، واعتُبرت الرّكيزة الأهم والرّكن الرّكين في الأخوّة الإسلامية، كما جاء في الحديث النّبويّ الشّريف: ”الدِّين النّصيحة” متفق عليه. لقد كان للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اليد الطولى في بذل النّصح لكلّ من حوله، استصلاحًا لنفوسهم وتحذيرًا لهم ممّا يضرّهم في دينهم أو دنياهم، وإرشادًا لهم بما يناسبهم، وترغيبًا لهم بما يقرّبهم إلى الله عزّ وجلّ، بل إنّ حياته صلّى الله عليه وسلّم وأقواله وأفعاله كلّها تصبّ في إطار النُّصح وإرادة الخير، فما من خيرٍ إلاّ ودلّ عليه، وما من شرٍّ إلّا وحذّر منه. وللنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم طرقٌ متعدّدة لإيصال النّصح إلى الآخرين، فأحيانًا كان يقدّم نصيحة بقالبٍ من المدح والثناء، أو الحثّ والتّحفيز، لتكون فاعلةً مؤثرة، فمن ذلك ما أخبر به عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لحفصة رضي الله عنها: ”نِعْمَ الرّجل عبد الله، لو كان يُصلّي من اللّيل” رواه البخاري ومسلم، فأحدثت تلك الكلمات القليلة انقلابًا في حياة ابن عمر رضي الله عنه، فلم يعد يترك قيام اللّيل إلّا قليلاً.وأحيانًا تكون النّصيحة من خلال المودّة والمحبّة، وخير مثالٍ على ذلك قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: ”إنّي لأحِبُّك يا معاذ”، ثمّ أتبعها بقوله: ”فلا تَدَع أن تقول دبر كلّ صلاة: ربّ أعِنّي على ذِكْرِك وشُكْرِك وحُسْنِ عبادتك” رواه أبو داوود. وربّما رأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من بعض أصحابه ميلاً إلى الدّنيا، فيحذّرهم من الاغترار أو التعلّق بها، ومن المواقف الدّالة على ذلك قول حكيم بن حزام رضي الله عنه: سألتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ قال: ”يا حكيم، إنّ هذا المال خضرة حلوة، فمَن أخذهُ بسخاوة نفس بُورِك له فيه، ومَن أخذه بإشراف نفس لم يُبارِك له فيه، وكان كالّذي يأكل ولا يشبع، اليد العليا خير من اليد السّفلى” متفق عليه، فوقعت هذه النّصيحة في نفس حكيم رضي الله عنه وتأثّر منها غاية التأثّر حتّى عاهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.