بقلم: محمد قروش تراجع مداخيل الجزائر وتآكل احتياطي الصرف واختلال الميزان التجاري مؤشرات خطيرة على تدهور صحة الجزائر الاقتصادية وأثارها الخطيرة التي قد تنعكس على أوضاع البلاد الاجتماعية والإنسانية في حال عدم تدارك الأوضاع وتقديم استراتجيات فعلية لمواجهة ذلك. كان واضحا منذ انهيار أسعار النفط أن الأوضاع قد تتجه إلى هذا المسار بعد أن تدهورت مداخيل الجزائر من المحروقات التي ظلت تعتمد عليها بشكل أساسي لمدة عقود طويلة دون أن تخلق بدائل اقتصادية كفيلة بمواجهة هزات الأسواق العالمية الذي أصبحت تتحكم بها قوى سياسية واقتصادية عالمية كبيرة. ورغم بداية ظهور أثار هذه التقلبات على الجزائر إلا انها لم تتحرك بعد من أجل وضع مخطط واضح لمواجهة هذا الواقع الخطير الذي أصبح يهدد أمن البلاد الاقتصادي والاجتماعي، وما يزال الكلام أكثر من العمل على كثير من المستويات، ربما بسبب وجود احتياطي الصرف الذي بدأ يتناقص تدريجيا أو بسبب بعض التوقعات المتفائلة التي ترتقب عودة الأسعار إلى مستواها القديم. إن ناقوس الخبراء ينبئ بأن الأمور لن تكون مثل السابق، سواء عاد النفط إلى الأسعار القديمة أو لم يعد، لأن سياسة الاعتماد الكلي على المحروقات قد تؤدي إلى زلزال عميق يهدد البلاد في حال عدم خلق اقتصادات موازية ومصاحبة تعتمد على إبراز الكفاءات المحلية واستعمال القدرات البشرية لأجل خلق ثروات دائمة ومتجددة في وضع عالمي يتسم بالمنافسة الشرسة والقوة الاقتصادية المرتكزة على التجارة والزراعة والصناعة ذات الجودة والتنافسية العالية. إن الجزائر بما تملكه من قدرات بشرية وثروات طبيعية ومساحات شاسعة ومتنوعة يمكنها أن تكون دولة اقتصادية صاعدة مثل ماليزيا أو الهند أو البرازيل أو سنغافورة وتحقق نموا كبيرا يضاهي كثيرا من الدول التي تملك نفس خصائصها الاقتصادية، وبذلك يمكنها أن تحقق نموذجا اقتصاديا وتجاريا وصناعيا وزراعيا فريدا في المغرب العربي وإفريقيا إذا عرفت كيف تستغل قدراتها المتاحة لتحقيق الاكتفاء الذاتي والاتجاه نحو فتح الأسواق الأوروبية والعربية والإفريقية. ولن يحدث ذلك إلا من خلال تغيير الذهنيات والتشمير على السواعد من أجل تنمية شاملة ومستدامة بعيدا عن المحروقات تستغل فيها كل القدرات الجزائرية البشرية والطبيعية والجغرافية لخلق ثروات دائمة تضمن مستقبل الأجيال القادمة.