من المعروف أن للموسيقى تأثير هائل على الأفراد وحسب بعض المختصين في علم النفس فإن مفعولها في تخدير الأعصاب قد يكون أقوى من مفعول المخدرات فما بالك إذا كانت صاخبة، فهذا النوع الموسيقي يلقى رواجا هائلا لدى الشباب، والجزائر لا تختلف عن باقي دول العالم فأغاني الراي بطابعها الصخب وإيقاعها السريع تجذب الكثير من المتتبعين ولكن ما مدى تأثيرها على المتلقي وما سبب شيوعها رغم تفاهة كلماتها بين أوساط الشباب وهل سيقلص شهر رمضان الفضيل من شيوعها؟ لا يختلف اثنان أن لأغاني الراي في الجزائر تاريخ طويل يقال إن أصلها أغاني بدوية من الغرب الجزائري وتحديدا من ولاية سيدي بلعباس فقد كانت الأغاني حينذاك تعنى بأوضاع اجتماعية وتوعية المستمعين إبان الفترة الاستعمارية وبعد الاستقلال أخذت منعرجا آخر فانحرفت إلى الغراميات وحالات اليأس والقنوط وغيرها من المواضيع المحظورة. أما في وقتنا الحالي فأغاني الراي صارت مقترنة بأماكن الرذيلة فلا تخلو كلماتهم من التشهير بها وباتت تقريبا لا تعنى بأي موضوع كلماتها ساقطة معانيها تافهة إذ لم نقل أنها في بعض الأحيان تحمل في طياتها نداء صريحا للرذيلة وحتى منها ما تشجع على العنف والإجرام ويصح القول أن بعض مغنيي الراي هم مرضى نفسانيون وجدوا فيها منبرا يشهرون فيه مرضهم أو أشخاص يائسين وفاشلين أرادو بها موردا ثابتا للمال فتأثروا وأثروا بالسلب على شبابنا وأسقطوه في الهاوية. وهناك من يبرر أن سر الانجداب إليها هي إيقاعاتها الخفيفة فعصر السرعة يفرض ذلك بحيث تعتمد أغاني الراي في الأساس على إيقاعات خفيفة وموسيقى صاخبة فهي بهذا تسلب إرادة المتلقي وتجعله يعيش في دوامة من التشتت العقلي فتؤثر على قرارته وتفكيره وحتى كلماته فيتخد منها قاموسا للغته، وقد تصل به في بعض الأحيان إلى حد اتباع هذا النمط من الحياة الذي يؤدي به في نهاية المطاف إلى الهلاك.
رمضان... شهر التوبة إلا أننا نشهد في شهر رمضان الفضيل عزوفا كبيرا بين الشباب عن الاستماع لمثل هذه الأغاني حتى أن مؤديها يقلص نشاطهم كثيرا في هذا الشهر الفضيل ومنهم حتى من يعلن توبته بحلول شهر رمضان مثل ما تناقلته بعض شبكات التواصل الاجتماعي عن إحدى مغنيات الراي التي أعلنت توبتها عن الغناء بسبب حلول الشهر الفضيل. وياحبذا لو أن شبابنا يتركون هذا النمط الغنائي الساقط الذي يستمعون إليه انتقاما من أوضاعهم المزرية في كامل أيام السنة ولا يقصرون الأمر على شهر رمضان الفضيل، لأنهم حقيقة هم من يصنعون شهرة هؤلاء بالاستماع إلى أغانيهم، ويتجهون للشعبي ذلك التراث العريق والمهذب، وإلى غيره من الأنماط الموسيقية الهادئة التي تدعو إلى توعية المستمعين بحكمة بالغة والتي لطالما رافقت السهرات الرمضانية في الماضي وليتها تستمر في الحاضر والمستقبل بالنظر إلى الحكم التي تلقنها.